الصكوك السيادية.. أهم الملاحظات
مدحت نافع
آخر تحديث:
الإثنين 21 يونيو 2021 - 9:00 م
بتوقيت القاهرة
أستأذن القارئ الكريم فى أن أتوقف قليلا عن سلسلة مقالات «الحديد والصلب... مشهد النهاية» حتى يتمكن من هضم واستيعاب ما ورد بالمقالين السابقين من معلومات وأفكار دون إلحاح من ساردها، وحتى يتسنى لكاتب تلك السطور مواكبة بعض مما يدور على الساحة الاقتصادية من مستجدات.
فالصكوك السيادية التى قدّمت الحكومة للبرلمان مشروعا لتنظيمها، أثارت مؤخرا جدلا واسعا ومخاوف المراقبين، الذين غم عليهم بعض نصوص القانون. فقبل أن تعرض المسودة الأولى للمشروع على مجلس الشيوخ، تهيأ لى مطالعتها وإبداء الرأى فيها، ولم أجد من اللائق أن أخرج بملاحظاتى على العلن، قبل أن يدرس مشروع القانون بغرفتى البرلمان، وأن تعالجه أقلام المختصين بما أتيح لها من أسباب المعالجة.
•••
أولا: ومن حيث المبدأ والغاية من التشريع الذى ألمحت إليه المذكرة الإيضاحية بشىء من المواربة، فإن منتج الصكوك الإسلامية (أو كما أفضل تسميته بالصكوك المتوافقة وأحكام الشريعة الإسلامية) هو منتج يجمع بين خصائص السهم والسند، ويعطى لحائزه (أفضل من مالكه الواردة بالنص الأصلى) حقوقا غير ثابتة فى الأصل أو المشروع الضامن للصك. وفى هذا المزج جذب للاستثمارات التى تتحرى عدم مخالفة الشرع (وأبرزها تلك الاستثمارات المموّلة بالفوائض الخليجية النفطية) والكثير من الاستثمارات غير المعنية بتوافق المنتج مع أحكام أية شريعة، ولكن السيولة الكبيرة التى تجتذبها الصكوك خلال العقد الأخير صارت فى ذاتها سببا لرواجها، وتحقيقها عائدا كبيرا نسبيا على الاستثمار.
ثانيا: ومن حيث التسمية، فإنه من المعلوم بالتعريف وفى نص قانون سوق رأس المال وغيره من تشريعات احتُكم إليها فى الإصدار، أن السهم هو «صك» ملكية وأن السند هو «صك» دائنية، وعليه فإن الإشارة إلى الصكوك السيادية دون الإشارة إلى حقيقة توافقها وأحكام الشريعة الإسلامية يعد نقصا ويحمل لبسا ويتعارض مع ما جاء تاليا من أحكام ونصوص متن المشروع، والأولى أن تحمل الصكوك اسم «الصكوك السيادية المتوافقة وأحكام الشريعة «shariaa compliant sovereign sukuk وذلك حتى تحقق غايتها التسويقية على الأقل.
ثالثا: ومازلنا فى بند التعريفات، فإن التمييز بين الأوراق المالية الحكومية على اعتبار أنها تنقسم بين أداة تمويل وأداة دين هو أيضا تمييز عجيب! لأن السندات والأذون من أدوات الدين الصادرة بغرض «التمويل»! وكذلك «الصكوك» هى أداة ملكية ودائنية بغرض التمويل. ولا يمكن أن نستبعد إصدار وثائق صناديق سيادية مستقبلا مما يحار فى تصنيفها ذلك التعريف.
رابعا: أحسب أن المعد الأصلى لمشروع القانون كثر خلطه بين الصكوك السيادية وصكوك الشركات، نظرا لحرصه على إثبات عقوبات لجرائم إصدار تلك الصكوك من غير ذى صفة، وهو أمر مستحيل عملا، لكون وصف «سيادى» وقصر إصدار نشرة الإصدار والاكتتاب على وزارة المالية، يجعلها فى حكم سندات الخزانة، ويمنحها حصانة طبيعية ضد الانتحال.. وأغلب الظن أن مشروع القانون قد مر بمراحل كثيرة، وأنه عمد فى بعض مراحله إلى تنظيم إصدار وتداول الصكوك بصفة عامة دون تخصيص، الأمر الذى ظهرت معه تلك النصوص، من ذلك أيضا إنشاء جماعة حملة الصكوك، وهو أمر غير مألوف فى الأدوات السيادية!
خامسا: فى الوقت الذى أسهب فيه مشروع القانون فى تعريف مفردات فى حكم المسلّمات مثل «الأصول»... كان من الضرورى أن يتطرق إلى تعريف بعض أنواع الصكوك، مثل صكوك الاستزراع والمرابحة والاستثمار والاستسقاء.. أو فى القليل تعريف الصكوك التى أوردها النص على سبيل المثال.
سادسا: لجنة الرقابة، والتى هى فى حقيقتها مجلس الشريعة shariaa board كما تعارف عليها مصدرو الصكوك فى مختلف دول العالم، يجب أن ينص صراحة فى تشكيلها على أن العضوين الخبيرين بالشريعة يكونان من دارسى الاقتصاد، وهناك تخصص شهير يسمى بالاقتصاد الإسلامى (وهو فى أصله اقتصاد المسلمين). وكذلك يتعين الالتفات إلى أن ما هو متوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية فى دولة الإمارات مثلا، ليس بالضرورة متوافقا مع أحكام الشريعة فى مصر أو ماليزيا.. ولذا يترك عادة لكل مصدر صكوك أن ينشئ مجلسه كما يشاء. لكن كون تلك الصكوك التى نحن بصدد تنظيمها صكوكا سيادية، فإنه يفضّل أن يستعان صراحة بالأزهر الشريف فى ترشيح عضويه بالمجلس ممثلا عن لجان الفتيا به، وهذا يعطى ثقلا للمجلس ومصداقية واستقرارا فى مهمته.
سابعا: يفضّل الإشارة إلى كون الصكوك صادرة (بضمان الأصول أو عوائدها) لا (على أساس) الأصول فالأخيرة ليس لها مدلول منضبط!
ثامنا: يجب التمييز الحاسم بين صكوك سيادية تصدر لتمويل الموازنة العامة، وتلك الصادرة لتمويل مشروعات، حتى يتحقق الغرض من التشريع. علما بأن مبدأ وحدة الموازنة قد يعيق انسحاب خصائص التصكيك عليها وفى هذا الموضوع رأى ونظر.
تاسعا: رأيت ألا يتضمن القانون عقوبات على المقيّمين، فتخلق إرهابا وفزعا يجنح معه المقيّم إلى المغالاة فى تقييم الأصول والإيرادات اتقاءً للشبهات، فمآل الإصدار حينئذ الفشل... ويكفى أن تؤكد النصوص على بذل المقيّم عناية الرجل الحريص، وأن تكون هناك آلية لمراجعة عمل اللجان دون تربّص، حتى تتحقق الرقابة الوقائية بداية.
عاشرا: الشركة ذات الغرض الخاص spv تحتاج آلية عملها إلى مزيد من الإيضاح (ربما تداركه اللائحة التنفيذية للقانون) خاصة وأن تلك الشركة تضطلع بصناعة المنتج وتجزئته، وهى تنوب فى الأصل عن المصدر لا المالك أو الحائز، وهى ذراع المصدر فى عملية التصكيك.
حادى عشر: يجب إيضاح آلية التداول فى السوق الثانوية كونها منتجا يجمع بين السند والسهم، فهل يتم تداولها عبر منصة المتعاملين الرئيسيين كونها تشبه السند الحكومى؟ أم يتم تداولها فى منصة الأسهم، كونها ترتّب حقوق ملكية على أصول وإيرادات؟ أم تفرد لها منصة خاصة تنظّمها اللائحة التنفيذية وقواعد القيد والشطب والتداول بالبورصة؟
ثانى عشر: فى مشروع القانون لم ترد أية إشارة عن الجهة المنوط بها الترويج للاكتتاب بالصكوك، وهل هى الوزارة أم الشركة ذات الغرض الخاص، أم شركة تؤسس للترويج باعتبارها تروّج أساسا لمشروعات استثمارية؟ أم بنك استثمار تقليدى؟ أم بنك معاملات إسلامية؟
ثالث عشر: هناك باب فى قانون سوق رأس المال الصادر برقم 95 لسنة 1992 عنوانه السندات وصكوك التمويل، وكان من الأوقع إدخال تعديلات على هذا الفصل عوضا عن إصدار قانون جديد؟! وفى هذا سؤال موجّه للمتخصصين فى التشريع.
رابع عشر: هل تعد الصكوك سيادية كونها صادرة عن وزارة سيادية أم كون الأصول والتدفقات الضامنة لها ذات طابع سيادى أو مملوك للدولة؟ أم مزيج من هذا وذاك؟... حقيقة لا أعرف.
•••
وفى الختام هذا ما تسنّى لى رصده من ملاحظات فى ساعة واحدة من الزمن، عشية عرض مشروع القانون على مجلس الشيوخ، والمتابع للنص الأخير الصادر عن مجلس النواب، يتبيّن له أن عددا من تلك الملاحظات قد نوقش بشكل جاد.