الخطر العصرى الجديد القادم
علي محمد فخرو
آخر تحديث:
الأربعاء 21 يوليه 2021 - 9:30 م
بتوقيت القاهرة
موضوع وإشكالية التواصل الإلكترونى والاجتماعى تصاعدى وتزداد مخاطره الجانبية شيئا فشيئا، ودون أن يشعر الكثيرون بجدية تلك المخاطر، إلى أن وصل إلى صورته الحالية المليئة بالتعقيدات والأخطار الكبيرة وقلة الحيلة فى مواجهتها. وتشير كل الدلائل إلى إمكانية نمو تلك المخاطر وأنواعها وأعداد المتعرضين لسوء استعمالها فى المستقبل المنظور.
نشير إلى محنة تلك الظاهرة بسبب انفجارات فضائح شبكات التواصل المتعاقبة فى وجه العالم كله، والتى تتمثل فى أشكال لا حصر لها، وترتبط بكل الرذائل التى عرفتها البشرية عبر تاريخها الطويل، وتمارسها قوى المال والإنتاج والاستخبارات والسياسة والدين وعديد من مكونات المجتمعات المدنية بشتى صنوفها.
نحن إذن أمام وباء اجتماعى ينتشر بسرعة كبيرة ويبدل ملامحه وقواه بخطوات متسارعة. وكلما ظن أطباء الاجتماع بأنهم توصلوا إلى إيجاد علاج لذلك الوباء أو منهجية وقاية، انفجرت إشكالية جديدة بأبطال جدد. فخيال الإنسان وقدراته على إيجاد مسالك الشر ليس لهما حدود.
وها أننا نقترب شيئا فشيئا من مجتمعات الأخ الكبير المهيمن على أجساد وقلوب وعقول الآخرين، والمراقب لكل حركة مجتمعية، والمختبئ وراء ألف قناع وقناع. فقد أصبحت وسائل التواصل الإلكترونى والاجتماعى قادرة على معرفة تفاصيل كل ما يفعله الإنسان إبان حياته اليومية: عمله، تنقلاته، أحاديثه، علاقاته العائلية الحميمة، أوقات راحته، قراءاته، الموسيقى التى يستمع لها. وقريبا سيصبح بالإمكان معرفة أحلامه وخيالاته ورغباته الدفينة وحتى توقه الروحى؛ إذ سيكون بالإمكان عرض كل ما يجمع من معلومات عنه على وسائل الذكاء الإصطناعى القادرة على التحليل والتفكيك والاستنتاج، وبالتالى رسم صور مختلفة عنه لأصحاب الإعلان والتجارة والموضة ولجهات الهيمنة السياسية والأمنية والثقافية.
عند ذاك لن تكون هناك خصوصية ولا ذاتية فردية وغيرها من الملموس من الإنسان، ليحل محلها عالم المتخيل الذى لا طعم له ولا رائحة فى عالم الواقع البشرى.
عند ذاك أيضا ستنتقل مصادر القوة والهيمنة والكلمة العليا من القيادات الكلاسيكية، من مثل الملوك والرؤساء والسياسيين وقادة العسكر وأصحاب المال والوجاهة الاجتماعية، إلى القيادات الجديدة: ملاك ومديرو شركات التواصل الإلكترونى والاجتماعى. وحدهم سيديرون ويصنعون ويوجهون.
هل هذه صورة تراجيدية مرعبة؟ نعم، إنها كذلك، ومن يهرب منها يهرب إلى عالم الأحلام والتمنيات والبراءة.
والسؤال المنطقى هو: متى سنرى جهدا دوليا مشتركا لدراسة الأمر، والوصول إلى ما هو صحيح وما هو متخيل، والاتفاق على خطوات عولمية لمواجهة هذا الأمر الجلل. فليس هذا بأقل أهمية من مواضيع البيئة وحقوق الإنسان والتجارة والأسلحة الذرية التى وضعت لها معايير عالمية بالتزامات أخلاقية بسبب كونها مواضيع تمس البشرية جمعاء. ومثلما وجدت مؤسسات دولية، تابعة لهيئة الأمم أو مستقلة، لمتابعة تطورات وتنفيذ ما يخص تلك المواضيع الكبرى، فإنه قد آن الأوان أن تخطو البشرية جمعاء لمواجهة موضوع الساعة: التواصل الإلكترونى والاجتماعى.
ما عادت المؤتمرات المتخصصة تكفى، وما عاد الأخصائيون وحدهم هم المسئولون، بل أصبح ضروريا أن ينزل قادة السياسة والاقتصاد والثقافة الملتزمة بإنسانيتها والدين المهدد فى وجوده.. أن ينزلوا فى الساحة ويعتبروا المعركة القادمة المؤكدة معركتهم.
أن يترك الأمر لمؤسسات من مثل جوجل وفيس بوك وأمازون وتك توك وعشرات من أمثالها، وهى كلها صاحبة مصلحة شخصية أنانية، فهذا سيكون خطأ العصر الأكبر والأتعس.