ترامب فى ظهوره الأول فى الأمم المتحدة.. يمينى ــ قومى ــ هجومى
من الصحافة الإسرائيلية
آخر تحديث:
الخميس 21 سبتمبر 2017 - 10:00 م
بتوقيت القاهرة
يمكننا أن نفهم حضور رئيس الحكومة وعقيلته خصيصا إلى قاعة الجمعية العامة فى الأمم المتحدة على أنه إرضاء للرئيس دونالد ترامب. وفى الحقيقة، فإن خطاب ترامب هو تحقيق لحلم اليمين القومى فى كل مكان بما فى ذلك فى إسرائيل. وباستثناء الحقيقة المحرجة المتمثلة فى امتناع ترامب عن استغلال المنبر فى الأمم المتحدة للإعراب عن تأييده لحليفته الدائمة فى الشرق الأوسط كما درج على ذلك الرئيس الذى سبقه باراك حسين [أوباما]، فإن الرئيس الـ45 ضغط على كل الأزرار الصحيحة، وقال كل الكلام المطلوب، بل وحتى استخدم أيضا لغة خطابية هجومية كانت تعتبر حتى الآن حصرا لغة الطغاة أنصاف المجانين من الدول المتخلفة. عن هذا الخطاب قال رئيس حكومتنا إنه لم يسمع أبدا خطابا أكثر حدة وأكثر شجاعة منه فى حياته.
فى سائر عواصم العالم، بما فى ذلك فى واشنطن، كثيرون قرصوا أنفسهم، كما فعلوا أكثر من مرة خلال سنة حكم ترامب، كى يتأكدوا أن هذا العرض السوريالى ليس كابوسا، أو جنونا خرج عن السيطرة. لم ينزلق ترامب هذه المرة إلى أقوال عفوية من شأنها تحويل الانتباه عن الرسالة التى يريد أن يبعث بها، مثلما يتصرف أحيانا، إنما هذه المرة كان يكفى النص المكتوب كى يثير الرعدة والفزع فى عواصم كثيرة فى العالم. وردا على السؤال حول ما إذا كان كلامه العنيف سيؤدى إلى ردع صحيح يمكن أن يمنع كارثة، أم أنه بمثابة صب الزيت على النار، سنعرف الجواب خلال الأيام والأسابيع المقبلة، على افتراض أن العالم سيظل موجودا.
العنوان الأبرز فى الخطاب كان من دون شك تهديد ترامب بتدمير كوريا الشمالية تدميرا كليا، كلام يرد فيه على جونغ ــ أون، الذى يسميه ترامب «الرجل الصاروخ» على اسم أغنية المغنى إلتون جون ــ بنفس اللغة التى يستخدمها.
كان نتنياهو بالطبع راضيا عن الكلام غير المسبوق فى حدته الذى قاله ترامب بشأن الاتفاق النووى مع إيران. لفظيا على الأقل، قام ترامب بتحول مقداره 180 درجة عن سياسة الرئيس الذى سبقه، سواء من حيث موقفه تجاه الاتفاق النووى أو محاولة التصالح مع الحكام فى طهران. وفى تصريحاته الهجومية، التى من الصعب رؤية كيف أنها لن تؤدى إلى انسحاب واشنطن من الاتفاق، تبنى ترامب اللغة الإنشائية لنتنياهو ومعارضين آخرين للاتفاق، ووصف الاتفاق بأنه «أحد أسوأ الاتفاقات الأحادية الجانب التى وقعتها الولايات المتحدة». وشتم وأهان الزعامة الإيرانية، ودعا عمليا إلى تغيير السلطة فى طهران.
يعتقد صقور متطرفون، وبينهم بضعة جنرالات يقدمون مشورتهم إلى ترامب، أن الموقف الجديد المتصلب للرئيس أدى إلى وضع «كل شىء أو لا شىء» winــwin: فإما أن ترتدع طهران، أو تحطم الولايات المتحدة عظامها. مراقبون آخرون، وبينهم معظم زعماء أوروبا يتساءلون ما إذا كان ترامب يدرك أن الولايات المتحدة يمكن أن تجد نفسها فى مواجهة سياسية مع سائر شركائها فى الاتفاق الذين يعارضون إلغاءه، وأنه مدرك لاحتمالات أن يجد نفسه فى وقت قريب يقاتل على جبهتين جديدتين وخطرتين لطرفين فى القارة الآسيوية. فقط على سبيل التذكير، أحد الوعود الانتخابية الأساسية لترامب كان إعادة الأبناء إلى منازلهم وعدم التورط أكثر فى مغامرات خارجية أغرت الذين سبقوه.
لكن الجوهر فى خطاب ترامب كله هو وقوفه القاطع إلى جانب دول قومية سيادية، واعتبارها حجر الزاوية فى العلاقات الدولية، ودعوته الاستفزازية الناتجة عن ذلك ضد المؤسسات الدولية العليا ومن بينها الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبى. هذه اللهجة التى تتعارض بصورة بارزة مع لهجة أوباما، كان لها وقع موسيقى فى آذان نتنياهو وكثيرين آخرين فى اليمين. وبذلك يكون ترامب قد لوح بانسحاب أمريكى من سياسة وجّهت العالم الغربى منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، عندما تسببت دول سيادية من النوع الذى يهلل له ترامب اليوم فى نيويورك، بحدوث حربين عالميتين، قتل فيهما وجرح عشرات الملايين من البشر.
حيمى شاليف
هاآرتس