فى رثاء شهداء الوطن
أحمد عبدربه
آخر تحديث:
السبت 21 أكتوبر 2017 - 8:00 م
بتوقيت القاهرة
أكتب هذه السطور فى الساعات الأولى من صباح السبت 21 أكتوبر حيث ما زالت العمليات دائرة فى منطقة الواحات بين جنود الشرطة المصرية وعناصر إرهابية، حتى اللحظة التى أكتب فيها هذه السطور لا أعلم تحديدًا حجم الضحايا من قوات الشرطة المصرية ولكن يبدو أن الأمر ليس بالهين. وكالات الأنباء الغربية لديها أرقام متضاربة وغير محدثة، والإعلام المصرى لم يتمكن حتى اللحظة من تحديد دقيق لعدد الضحايا ولا من طبيعة العملية الإرهابية ولا ملابساتها.
صور بعض الشهداء بدأت تتناثر هنا وهناك، بحسب الموقع الإلكترونى لجريدة «الوطن»، فقد تم تحديد أسماء بعض الشهداء مثل المقدم وحيد حبشى، والعميد إمتياز كامل، والنقيب عمرو صلاح والنقيب إسلام مشهور، بحسب الموقع الإلكترونى لجريدة «المصرى اليوم» فقد نقل عن مصادر أمنية أن عدد الشهداء قد ارتفع إلى ثلاثين شهيدًا، فيما حدد الموقع الإلكترونى لجريدة «اليوم السابع» المنطقة الجبلية بالكيلو ١٣٥ طريق الواحات كمسرح للعمليات الجارية الآن، وسائل التواصل الاجتماعى عجت ببعض صور أسر وأطفال الشهداء وبعضهم مما تربطنى بهم صداقات مشتركة ومعارف، الموقع الإلكترونى لجريدة «الشروق»، نقل عن مصدر أمنى قوله إن الأمن المركزى وفرق من العمليات الخاصة بتنيسق مع القوات المسلحة المصرية تشترك فى العمليات الآن.
لا يستطيع أحد تخيل حجم الوجع ولا مقدار المصاب الذى يلم بأسر وأبناء وزوجات هؤلاء الشهداء. بكل تأكيد هذه وظيفة ليست سهلة، أن يكون أحد أفراد أسرتك فى الخدمة على خطوط النار فى مواجهة مجموعة من المجرمين الإرهابيين ثم يفقد حياته فهذه خسارة فادحة ولا يمكن تخيلها! أسترجع الآن الشعور بالمرارة والحزن الذى قد انتابنى على شهيد قوات الصاعقة عمرو وهيب الذى استشهد قبل عام ونص تقريبا فى محافظة شمال سيناء أثناء مداهمة أوكار الإرهابيين هناك، وقد تضاعف هذا الحزن حينما أدركت أن الشهيد وهيب هو الأخ الأصغر لأحد أعز أصدقائى، وبعدها عرفت ببعض تفاصيل أسرة الشهيد ولا يمكن بأى حال وصف المشاعر فى سطور مهما حاولت، فما بالنا بأسرهم؟!
***
أمام هذه الحوادث تختلط الكثير من الأوراق، ويقف البعض عاجزًا عن اتخاذ موقف واضح بخصوص ما يحدث، يتحدث البعض عن تحمل السلطة للمسئولية، بينما يتهم البعض فصائل سياسية أو دولًا بالاسم بدعم الإرهاب، ويذهب البعض الآخر إلى المطالبة بمزيد من الإجراءات الأمنية والسياسية لضبط البلاد، وتذهب مجموعة رابعة إلى ضرورة إعدام مجموعات بعينها بدلًا من سجنها بل وقد يطالب البعض بتصفية الإرهابيين دون محاكمة وهكذا هى المواقف مختلطة ومضطربة أمام حدث جلل.
أعتقد أنه وأمام تكرار هذه العمليات الإرهابية وتزايد أعداد ضحايانا من جنود الجيش والشرطة، فلابد أن نفرق بين أربعة مساحات مهمة لتناول هذه الأحداث والتعاطى مع نتائجها وأسبابها:
المساحة الأولى هى مساحة النعى والرثاء والتعاطف والدعم، وهى مساحة إنسانية بحتة، لا مجال فيها إطلاقا للتسييس أو لخلط الأوراق، هى مساحة مشاعر حقيقية تتعلق بدماء بريئة تم إزهاقها وهى تؤدى واجبها ودورها تجاه الوطن، سيتيتم من بعدهم أطفال، وستترمل نساء، سيفقدهم الكثيرون من الأصدقاء والمعارف والأقارب، هذه مساحة لا يجب التعامل معها باستخفاف أو باستنكار، بل يجب أخذها على محمل الجد، ليس فقط عن طريق العزاء وإبداء التعاطف، ولكن أيضا عن طريق الدعم المباشر لتأمين مستقبل هؤلاء الأطفال ودعم هؤلاء الأسر بما يليق بهم، صحيح لن يعوض أحد طفلا فقد أبيه أو زوجة فقدت شريكها أو أما وأبا وأخا وأختا فقدوا فلذات أكبادهم، لكنه الحد الأدنى من الواجب على المجتمع والدولة تجاه هؤلاء الأبطال وسيرتهم العطرة.
***
المساحة الثانية هى مساحة دعم الدولة وأجهزتها فى مواجهة الإرهاب، وهذه مساحة بديهية أيضا، فالهدف من العمليات الإرهابية واضح وصريح ولا مجال فيه للبس، هناك محاولات حقيقة لهدم الدولة، أى محاولة إسقاط سلطتها المركزية وتفكيك جيشها وشرطتها والنيل من معنويات شعبها، هذه حقيقة أراها بوضوح، وربما ما كان غامضا أو ملتبسا فى ٢٠١٣ أصبح واضحا الآن، فالإرهاب ليس مصطنعا كما روج البعض سابقا، كما أنه ليس عشوائيا كما اعتقد البعض، نحن أمام جماعات إرهابية تتمتع بقدر كبير من التنظيم والمشكلة الحقيقة الكبرى أنها لم تعد محصورة على الأطراف كما كنا نعتقد، بل هى تقترب رويدا رويدا من الوادى وهو ما يعنى ضرورة مساندة الدولة فى هذه الحرب!.
المساحة الثالثة هى مساحة السياسة، وهذه المساحة متصلة بسابقتها، فكيف يمكن لأى مواطن أن يدعم أجهزة دولته دون أن يكون منخرطا سياسيا فى الشأن العام؟ الدعم عن طريق نشر الأدعية والتضامن مطلوب، لكن لا قيمة كبيرة له سياسيا ما دام أنه غير مرتبط بالحق الأصيل فى المشاركة فى الشأن العام! هنا من حق المواطن أن يفهم لماذا تتكرر الحوادث على هذا النحو، هذا ليس من قبيل المزايدة على أحد، لكنه من قبيل المحاسبة التى يقتضيها الشأن العام! هذه المساحة تشمل مناقشة جادة وموضوعية لتطبيق قانون الطوارئ، للعلاقة بين الدولة والمجتمع المدنى الذى لا غنى عنه لدعم الدولة فى مواجهة الإرهاب، للأوضاع الحقوقية، لجدوى اختصام الشباب والنشطاء والسياسيين والمثقفين المعارضين أو حتى المستقلين، هذه مساحة تبحث عن الأسئلة الكبرى لطرق مواجهة الإرهاب والإرهابيين، وهى مساحة تتطلب التعقل والرشادة والتوقف عن المزايدة إذا كان حقًا الهدف هو مصلحة الوطن!.
المساحة الرابعة والأخيرة هى مساحة الحق فى المعرفة، ولا أعلم ما هى المعضلة فى فهم حقيقة أثبتتها كل الأحداث التى مرت على مصر فى الأعوام الأخيرة؟! فى حادثة «لاس فيجاس» والتى راح ضحيتها العشرات فى دقائق معدودة من مجرم استخدم أسلحة آلية فى قنص مدنيين فى الشوارع، كان الأمن الفيدرالى يحدث الشعب الأمريكى وكل وسائل الإعلام المحلية والغربية أولا بأول، مؤتمرات صحفية، بيانات رسمية، مداخلات إعلامية، تقريبا كل ساعة، الشفافية مهمة، والحق فى المعرفة هو أهم أركان الأمن القومى والمجتمعى! نفس الشىء يحدث فى أى عاصمة أو مدينة أوروبية مهما كان حجم الهجوم أو فداحة المصاب، الدولة وأجهزتها تسيطر على سردية الحدث وتفاصيله من اللحظة الأولى، يتم ذلك بشفافية تامة وبلا تجميل، لكن للأسف فى مصر لا أحد يريد أن يتعلم ولا أحد يريد أن يفهم أين تقع المشكلة الرئيسية، فما تشتكى من كونه إشاعات بهدف البلبلة وما يسميه البعض بؤسا بحروب الجيل الرابع ما هو إلا ثغرة كبيرة لديك أنت! فأنت لا تطلع الناس على بيانات شفافة وتفاصيل ما يحدث، فتترك المساحة للاجتهاد والتسريبات سواء كانت حقيقية أو مزورة، تشجع الكل على حرب الإشاعات والتضليل ويصدق الكثير من الناس لأنهم فقدوا الأمل والثقة فى المعلومة الرسمية هذا بفرض وجود الأخيرة من الأصل!.
***
أختم هذه المقالة الآن ونحن على بعد أكثر من ١٤ ساعة على حادثة الواحات ولا نعلم أى شىء! أمامى ثلاثة منابر إعلامية غربية وأخرى عربية، كل منها تذيع قصة مختلفة وأرقام متضاربة للضحايا وكلاهما ينسبها لمصدر أمنى مجهول! لا أستطيع أن ألومهم، فأنت لم تسيطر على السردية منذ البداية وفضلت أن تكرر نفس الخطأ القديم مرارًا وتكرارًا بلا تعلم!.
فمن نلوم إذن؟!
رحمة الله على شهداء الوطن، وبارك الله فى أبنائهم وصبر الله أسرهم.