الصحافة فى قفص «المواطنين الشرفاء»
طلعت إسماعيل
آخر تحديث:
الإثنين 21 نوفمبر 2016 - 9:50 م
بتوقيت القاهرة
الصحفيون غاضبون، ولهم حق، فلأول مرة فى تاريخ نقابتهم العريقة، وما قبل وجودها، يصدر حكم بحبس النقيب واثنين من أعضاء مجلس النقابة عامين وغرامة 10 آلاف جنيه لوقف التنفيذ، فى قضية تدحرجت ككرة الثلج، بدأت بالقبض على الزميلين عمرو بدر ومحمود السقا، على خلفية الجدل بشأن جزيرتى تيران وصنافير والتظاهرات التى خرجت دفاعا عن مصريتيهما، وانتهت بأحكام السجن الصادرة بحق الزملاء الثلاثة، فمنذ شهر مايو الماضى، والخلاف بين الصحفيين والحكومة على أشده، وسط شكوك وتبادل اتهامات، فى سيناريو لم نكن فى حاجة إليه، خاصة أن تداعياته ستكون كارثية على الدولة المصرية ذاتها.
القضية ليست شخصية بين النقيب يحيى قلاش وجمال عبدالرحيم سكرتير عام النقابة ووكيلها خالد البلشى من جهة، ووزارة الداخلية من جهة ثانية، بعد اتهام الزملاء الثلاثة بالتستر على زميلين مطلوب استدعائهما أمام القضاء، وإنما فى وجود حالة من التربص بالأقلام ومستقبل حرية التعبير فى مصر، فى وقت كنا نظن كعاملين فى الحقل الصحفى والإعلامى، خاصة بعد ثورتى 25 يناير و30 يونيو، أننا إزاء فتح المزيد من الآفاق أمام حرية الرأى والتعبير، وأن الصحافة ستشهد فعلا لا قولا أزهى عصورها.
سيقول الكارهون لحرية الرأى والتعبير والغارقون فى المنافع الذى ينتمى بعضهم إلى مهنة الصحافة، أننا امام حكم قضائى واجب الاحترام، وهى كلمة حق يراد بها باطل، فنحن جميعا نحترم القضاء ونجل أحكامه، غير أن ما جرى لابد وأن يفتح باب الحديث عن الوضع الذى وصلت فيه قضية الحريات فى مصر، وقد رأينا كيف كانت ردود الفعل العربية والدولية على الحكم بحبس قلاش ورفيقيه.
طبعا بعض الزملاء المتحمسين للحكم، وبعضهم يتابع الموقف عن بعد ومن وراء بحار وفيافى، سارع لمهاجمة من أعلنوا تضامنهم مع قلاش وعبدالرحيم والبلشى، رغم أن التضامن بالأساس تضامن مع نقابة الصحفيين قلعة الحريات، وقدس أقداس العاملين فى بلاط صاحبة الجلالة، فقد شكلت النقابة على طول عمرها المديد، حصنا للحريات، ومظلة يلجأ إليها المظلومون وأصحاب القضايا، وهى لم تخذل يوما صاحب حق أو مضطهد.
فى مايو الماضى وعقب إلقاء القبض على الزميلين بدر والسقا من داخل نقابة الصحفيين، تداعى الصحفيون إلى نقابتهم فى وقفة احتجاجية، تعبيرا عن رفض اقتحام رجال الأمن، ووقتها شاهدنا كيف تم التعامل مع الصحفيين وحصار نقابتهم من كل جانب فى استعراض للقوة غير المبرر، بل وصل الأمر إلى استدعاء البطلجية والمسجلين خطرا، أو من يعرفوا بـ«المواطنين الشرفاء» الذين يتم استخدامهم كأدوات للتخويف والإهانة للخصوم على مرأى ومسمع وحماية رجال الأمن أنفسهم الذين جلبوا هؤلاء من مناطق بعينها لأداء مثل هذه المهام القذرة، وحتى تتبرأ منها الشرطة عند اللزوم؟!
غدا الأربعاء هناك دعوة لأعضاء الجمعية العمومية لـ«الصحفيين» للاجتماع فى نقابتهم، لبحث كيفية التعامل مع الحكم على قلاش ورفيقيه، وسط حالة من الاستنفار فى صفوف العديد من الصحفيين، فهل ستلجأ «الداخلية» إلى البلطجية و«المواطنين الشرفاء»، من جديد، لنرى المشهد المنفر ذاته الذى رافق اقتحام النقابة فى مايو الماضى؟!
صورة مصر جرى تشويهها بأيدى من يستعينوا بالمواطنين «الشرفاء» فى الخلاف السياسى، ولم تعد الصورة تتحمل المزيد من التشويه خاصة فى الخارج، وبعد أن تابعنا ردود الفعل فى المنظمات الصحفية والحقوقية الدولية التى سارعت إلى استنكار التضييق على الصحفيين المصريين، والأفضل لمن يسعون لجذب الاستثمارات من الخارج، أن يدركوا خطورة اللعب بورقة الحريات.