الأطفال الفقراء لا مصعد لهم
صحافة عربية
آخر تحديث:
الأحد 22 يناير 2023 - 6:55 م
بتوقيت القاهرة
نشرت صحيفة الشرق الأوسط اللندنية مقالا للكاتبة آمال موسى، تقول فيه إنه بمناسبة الاحتفال باليوم الدولى للتعليم غدا، الثلاثاء، لا يمكننا إغفال رأس المشكلة: الفقر. فأينما وُجد الفقر، يوجد الحرمان من التعليم. داعية الدول ومنظمات المجتمع المدنى إلى الاستثمار فى التعليم، لأنه لا يعمل على تنمية العقول والقضاء على الجهل فحسب، بل أيضا يعمل أيضا على مقاومة العنف والإرهاب... نعرض من المقال ما يلى:
يحتفل العالم غدا، الثلاثاء، بـ«اليوم الدولى للتعليم»، وهى مناسبة جد مهمة للحديث عن حق الطفل فى التعليم، وإلى أى مدى هذا الحق يجد الإنصاف والتلبية.
من المفارقات الكبرى أنه فى عصر العلم والذكاء الصناعى نجد 244 مليون طفل وطفلة، ومراهق ومراهقة فى العالم لا تُتاح لهم الفرصة للدراسة أو حتى إكمالها، وأيضا 617 مليون طفل ومراهق لا يستطيعون القراءة، أو حتى إجراء العمليات الحسابية الأساسية.
نحن فعلا فى وضع عالمى سريالى متفاوت بشكل لا يسمح ببناء توقعات إيجابية نحو المستقبل.
كما أننا من باب الواقعية أيضا، واستنادا إلى هذه الأرقام وغيرها، نعتقد أن الإيفاء بالوعود التى جرى قطعها فى الخطة الأممية للتنمية المستدامة، فإنه من الصعب أن نتحدث بثقة ومصداقية عن أنه لن يكون هناك أطفال خلف الركب من ناحية حقهم فى التعليم.
إن ارتباط الفقر ومظاهره وأبعاده المتعددة يعنى آليا ضربا عميقا للحق فى التعليم. وكلما ازدادت مظاهر الفقر فالتعليم هو أول ما يتعرض للتهديد بشكل يمكننا أن نجزم فيه بأن الفقر هو رأس الأفعى الحقيقى، ولا يمكن مقاومة ظواهر الحرمان من حق التعليم ومن العنف ومن الكرامة الإنسانية دون معالجة للفقر.
ومما يزيد فى تثبيت هذه الرؤية السوداوية أن الفقر فى تنامٍ، وعرفت الدول ارتفاعا فى نسبته، مع جائحة «كوفيد»، ومع تداعيات الحرب الروسية ــ الأوكرانية التى جعلت الحديث عن الأمن الغذائى يتصدر الأولويات، بمعنى أن العالم اليوم يقاوم شبح المجاعة وانهيار القدرة الشرائية وارتفاع عدد الفقراء والهشاشة الاقتصادية والاجتماعية.
تراجعت قدرة الدول اليوم على أداء الدور الاجتماعى، وعلى تأمين استحقاقات ذلك؛ من بنية تحتية، كالمدارس والمستشفيات وغير ذلك. ومثل هذا التراجع يضر بمصلحة الناس طبعا، والأطفال فى المقام الأول.
هناك مشكل مركّب يعيشه العالم اليوم، من دون أن نتنبه إلى أن الأطفال هم أكثر ضحاياه، الشىء الذى يجعل المشكل لا يتعلق بالحاضر فقط، بل بالمستقبل تحديدا، باعتبار أن ما يمس الأطفال سنجنى شوكه فى المستقبل.
ففى اليوم الدولى للتعليم، وفى سائر الأيام، يجب أن نناضل، دولا ومجتمعات مدنية ومؤسسات مانحة، من أجل القضاء على الفقر، لأنه رأس الأفعى الذى متى تم قطعه ستُقطع آليا ظواهر ومشكلات من نتاج الفقر وانعكاساته؛ فهاجس الخبز لا يختلف من حيث القيمة والأهمية عن هاجس التمتع بالحق فى التعليم، الذى أصبح، بحكم التغييرات، محل تهديد.
وفى الحقيقة، فإن مصلحة العالم المتقدم والدول الغنية اليوم الاستثمار فى هذه الحقوق، أى الحق فى التعليم، والحق فى ألا تكون فقيرا، لأن العالم الغنى هو أول المتضررين من ملايين من أطفال ومراهقين ومراهقات لا يجيدون القراءة، ويجدون صعوبة فى الالتحاق بمدرسة وتلقى العلم. أى إن الاستثمار فى التعليم يعنى الاستثمار فى مقاومة الإرهاب، وفى التنمية والعقل الإنسانى ككل.
ليس مقبولا فى هذه الألفية أن يكون التعليم حق الطفلة أو الطفل الذى تستطيع أسرته تأمين ذلك ماديا. بل يجب، ومهما كانت خيارات الدول ليبرالية، أن يظل الحق فى التعليم من واجب الدولة، حتى يجد الطفل الفقير المدرسة والمعلم، ويدرس ويحلم ويصعد اجتماعيا؛ فالفقراء لا مصعد لهم غير التعليم، وهكذا تقطع الدولة الطريق على الذين يستثمرون فى هشاشة الناس وفقرهم، وهكذا أيضا نعترف بالناس.
إن الاعتراف بالناس يعنى تلبية حقوقهم الأساسية فى العقل، وإيفاء الدولة ببنود العقد الاجتماعى التاريخى بينها وبين الناس الذين تخلوا عن قوتهم من أجل أن تستأثر الدولة وحدها بما يُسمى العنف المشروع.
تعج اليوم مجتمعاتنا بالجمعيات التى تقوم بدور مهم، غير أن هذا الدور لا يعلى من الشأن الاجتماعى بالشكل الذى يناسب تراكم المشكلات الاجتماعية، لذلك فإن المهمة الكبيرة والجوهرية للجمعيات اليوم فى البلدان الفقيرة والمتواضعة هى التركيز أكثر ما يمكن على حماية الأطفال والمراهقين من تداعيات الفقر والاستغلال متعدد الأوجه، ومساندة النساء والأسر التى تصارع الفقر وتحتاج إلى مَن يعزز صمودها.
لا يمكن الحديث غدا، دوليا عن الحق فى التعليم من دون إثارة أم المشكلات: الفقر الذى يمنع الإنسان من التمتع بحقوقه، ويجعل منه أشبه ما يكون بقنبلة موقوتة ضد ذاته وضد العالم.