نوبة صحيان في البرلمان
طلعت إسماعيل
آخر تحديث:
الإثنين 22 يناير 2024 - 6:40 م
بتوقيت القاهرة
«أن تأتى متأخرا خير من ألا تأتى»، هكذا استقبل البعض الأسئلة وطلبات الإحاطة، بل والهجوم الذى أمطر به أعضاء مجلس النواب وزير التموين الدكتور على المصيلحى، الأسبوع الماضى، فيما يشبه نوبة صحيان انتابت السادة نواب المجلس الموقر بعد طول غياب عن ساحة مساءلة ليس وزير التموين وحده، ولكن العديد من السادة الوزراء الذين لا تقوم وزاراتهم بالدور المطلوب لتخفيف الأعباء عن المواطنين.
ربما تكون وزارة التموين النموذج المثالى لمعاناة الناس خصوصا مع شح بعض السلع الاستراتيجية وتضاعف أسعارها من دون مبرر، كما هو الحال مع الأرز والسكر على سبيل المثال وهما السلعتان اللتان لا يمكن لبيت أن يستغنى عنهما إضافة لرغيف الخبز الذى خف وزنه وثقل ثمنه فى المخابز الحرة، مع بدء ظهور الطوابير الطويلة أمام أكشاك وأفران الخبز البلدى.
وقف وزير التموين أمام النواب لا يجد ما يقوله، بما سمح للنائب ضياء داود بمطالبته بالاستقالة لأسباب عدَّدها وفى مقدمتها القبض على عدد من كبار المسئولين فى وزارة التموين ومجمعاتها الاستهلاكية بتهم الفساد، وبدا وزير التموين حائرا أمام سيل الأسئلة فلم يجد ما يرد به هذا الهجوم الشرس على وزارته المسئولة عن إشباع بطون أكثر من 100 مليون مصرى صباح مساء.
وعلى الرغم من الهجوم الضارى على وزير التموين وتحميله عبء انفلات الأسعار واحتكار بعض التجار للسلع وربما إخفاؤها فى بعض الأحيان، أعتقد أن الوزير ليس وحده المسئول عن كل ما جرى ويجرى فى الأسواق، بل إن السادة أعضاء مجلس النواب يتحملون أيضا جزءا من المسئولية بتقاعسهم عن استخدام حقهم فى مراقبة الحكومة، وعدم الانتظار لأشهر حتى يبدأوا الهجوم على وزير التموين.
النيران المشتعلة التى أحاطت وزير التموين من كل حدب وصوب، ما كان لها أن تستعر على هذا النحو لو قام النواب بدورهم مع ظهور أول مشكلة وارتباك فى الأسواق عندما سجلت أسعار البطاطس والبصل أرقاما قياسية لم تشهدهما السلعتان على طول تاريخ إنتاجهما من أرضنا الطيبة، وهما سلعتان مصريتان خالصتان لا يتم استيراد أية حبة منهما، حتى لا يتعلل البعض بأزمة الدولار التى يعلق عليها كثيرون أزماتنا المتوالية.
من واجب النواب مساءلة وزير التموين وغيره من الوزراء شريطة أن يسبق حسهم الرقابى وقوع الأزمات وليس انتظار تفاقمها ومرور أشهر على بعضها، نعم هناك بعض النواب تقدموا بطلبات إحاطة وأسئلة فى فترات سابقة عن اختفاء سلعة وارتفاع أسعار أخرى لكن الأمر كان أشبه بالجهد الفردى وليس حالة برلمانية عامة يمكن التعويل عليها فى مراقبة الحكومة و النبش فى تقصيرها.
وحتى لا نعتبر ما جرى مجرد نوبة صحيان مؤقتة، بل استردادا لدور برلمانى كاد يغيب، وصحوة برلمانية حقيقة، هل سيمطر السادة النواب باقى الوزراء بطلبات الإحاطة والاستجوابات على غرار ما واجهه وزير التموين، وأن يفتح السادة النواب ملفات مثل انقطاع الكهرباء لأكثر من ساعتين فى بعض المناطق بدعوى تخفيف الأحمال، وهل سنعلم متى تنتهى هذه الظاهرة وخاصة فى فصل الشتاء الذى ينخفض فيه الاستهلاك إلى أدنى درجة؟
وهل سنشهد استجوابات مماثلة لوزير التنمية المحلية عن المعاناة الدائمة مع المحافظين الذى يكتفى بعضهم بإصدار البيانات الصحفية عن جولات تفقدية لا تسفر عن حلول جذرية لمشكلات مستعصية، ولعل مشكلة غياب الرقابة على التوكتوك، وبطون الشوارع التى أكل منها الزمان وشرب مع طول انتظار الرصف والنظافة، خير الأمثلة.
وزير التموين ليس وحده من تجب مساءلته بل يجب خضوع الحكومة ورئيسها وغالبية وزرائها للاستجوابات وأن يغرقهم النواب بسيول من الأسئلة لعلنا نشهد صحوة نيابية حقيقة تستهدف إلزام الحكومة بخطوات جادة لتخفيف العبء عن البسطاء والكادحين من أبناء هذا الشعب المكافح لتدبير لقمة عيش باتت صعبة المنال.