الأمن الأوروبى فى عصر ترامب
مواقع عالمية
آخر تحديث:
الخميس 22 فبراير 2018 - 10:50 م
بتوقيت القاهرة
نشر موقع project syndicate مقالا للكاتب «كارل بيلت» ــ وزير الخارجية السويدى السابق ــ والذى يتناول فيه حالة الخوف السائدة لدى الأوربيين والتى ظهرت فى مؤتمر ميونيخ فى العام الماضى جراء ضم روسيا لشبه جزيرة القرم والاستفتاء على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربى، بالإضافة إلى قدوم ترامب إلى السلطة فى الولايات المتحدة الأمريكية وتوجيهه انتقادات شديدة لحلف شمال الأطلسى واصفا إياه بـ«المنظمة التى عفا عليها الزمن».
فى البداية يتحدث الكاتب أنه فى مؤتمر ميونيخ للأمن العام الماضى، سادت حالة واضحة من الخوف والتوجس بين المسئولين الأمنيين الأوروبيين. فقبل ثلاث سنوات، ضمت روسيا شبه جزيرة القرم وشنت عمليات توغل فى شرق أوكرانيا. وفى العام السابق، قرر الناخبون البريطانيون بأغلبية ضئيلة إخراج بلادهم من الاتحاد الأوروبى، وانتخب الأمريكيون رئيسا انتقد حلف شمال الأطلسى وأبدى إعجابه بالرئيس الروسى فلاديمير بوتين علنا.
لكن الغرب نجا حتى الآن من عصر دونالد ترامب. فعلى الرغم من الارتباك المستمر بسبب الخروج البريطانى والصعوبة التى يواجهها القادة الألمان فى تشكيل حكومة جديدة، يبدو أن الاتحاد الأوروبى نهض بسرعة من وعكته. فكان أداء أغلب اقتصادات الدول الأعضاء طيبا، كما نفخت إدارة الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون حياة جديدة فى جسد الفكرة الأوروبية.
وعلى الرغم من أن إدارة ترامب واصلت إرسال إشارات مختلطة حول مدى استعدادها للالتزام بالتعهدات الأمريكية، فإن الولايات المتحدة لم تحترم تعهد الرئيس السابق باراك أوباما بتعزيز الموقف العسكرى لحلف شمال الأطلسى فى منطقة البلطيق وبولندا. وفى التحضير لقمة حلف شمال الأطلسى فى وقت لاحق من هذا العام، أشارت الولايات المتحدة إلى أنها تعتزم بذل المزيد من الجهد لضمان السلامة الإقليمية للدول الأعضاء فى منطقة البلطيق وإسكندنافيا.
علاوة على ذلك، تلاشت المخاوف من احتمال مفاده أن ترامب ربما يحاول التوصل إلى اتفاق على غرار اتفاق يالطا مع الكرملين ــ حيث تُترَك دول أوروبا الشرقية لمصيرها. ويتمثل التخوف الأكبر الآن فى العلاقات الأمريكية الروسية التى أصبحت على نحو متزايد مريرة، وبطريقة غير عقلانية وسخيفة.
فى الوقت نفسه، تبدو روسيا حريصة على فك اشتباك جيشها فى سوريا، حيث لعبت حتى الآن أوراقها على النحو الصحيح. ولا يمكننا أن نقول الشىء نفسه عندما يتعلق الأمر بأوكرانيا، حيث عَلِم الكرملين أن الغزوات ليست وسيلة جيدة لتكوين الصداقات. فمن خلال تنفير أوكرانيا لأجيال قادمة، جلبت روسيا على نفسها انتكاسة جيوسياسية ذات أبعاد تاريخية.
***
ويضيف الكاتب: إن عاجلا أو آجلا، سوف تكون روسيا راغبة فى تقليص خسائرها وفك الارتباط فى شرق أوكرانيا أيضا. وقد طرحت بالفعل فكرة إرسال عملية محدودة لحفظ السلام تابعة للأمم المتحدة إلى هناك. وعلى الرغم من أن روسيا لم تعرب بعد عن رغبتها فى التنازل عن سيطرتها على الحدود الروسية الأوكرانية، ولم تحرز أى تقدم فى المحادثات مع الولايات المتحدة، فمن المؤكد أن بوتين يعرف أن الوضع الراهن من غير الممكن أن يستمر.
تُرى هل يعنى كل هذا أن المخاوف التى كانت سائدة قبل عام واحد تبددت؟ كلا بكل تأكيد. فقد خلفت الصدمات الاستراتيجية فى السنوات الأخيرة جروحا عميقة ودائمة، ودفعت أوروبا إلى مناطق جديدة مجهولة. قبل عشر سنوات، كان قادة الاتحاد الأوروبى يتحدثون بثقة عن نشر الاستقرار فى الخارج. واليوم أصبحت الأولوية لمنع عدم الاستقرار من الامتداد إلى أوروبا.
فى الوقت نفسه، هناك إدراك متزايد لحقيقة مفادها أنه فى حين تظل الولايات المتحدة الضامن الرئيسى للأمن الأوروبى، فإن هذه الحال قد لا تدوم إلى الأبد. وحتى لو كانت بعض الخطابة المصاحبة للمقترحات حول إنشاء اتحاد دفاعى للاتحاد الأوروبى تتسم بالمبالغة الشديدة، فقد كان قادة الكتلة على حق فى التركيز بشكل أكبر على القضايا الدفاعية والأمنية. وسواء كان ذلك من خلال «السياسات الصناعية الدفاعية» أو أى شىء آخر، فإن الولايات المتحدة تحتاج إلى تطوير قدرتها على حشد استجابات مشتركة فى التصدى لتهديدات القوة الصارمة فى المستقبل.
ويصدق هذا حتى لو ندم الكرملين على تصرفاته فى عام 2014، والتى دفعت القوى العسكرية الغربية إلى نشر قواتها على حدودها. ذلك أن روسيا لا تزال متمسكة بشبه جزيرة القرم، حيث تحتفظ منذ فترة طويلة بقواعد عسكرية رئيسية. وبعيدا عن روسيا، تحيط بأوروبا صراعات جارية. وتزداد حدة التوترات من نهر السند إلى نهر النيل وعبر شمال أفريقيا، حيث تخلف أى اضطرابات تأثيرا مباشرا على الأمن الأوروبى. وكما يدرك الأوروبيون، لا يوجد سبيل لبناء جدار فى البحر الأبيض المتوسط.
***
ختاما، من المثير للقلق فضلا عن ذلك أن إدارة ترامب نادرا ما تتحدث عن دعم النظام الدولى الليبرالى الذى ساد بعد الحرب. بل تنظر إدارته إلى العالَم على أنه منافسة استراتيجية حصيلتها صِفر حيث ينبغى للولايات المتحدة أن تنظر إلى نفسها فقط. ومن المؤسف أن مخاطر نشوب حرب شاملة سوف تزداد بشكل كبير فى عالَم يفتقر إلى مؤسسات مشتركة تعمل على كبح جماح الدول ذات السيادة ومنعها من تصعيد الصراعات بين بعضها بعضا.
لا شك أن الولايات المتحدة تقول إنها حريصة على زيادة التزامها بالأمن الأوروبى. ولكن نظرا للقوة العسكرية الصينية المتنامية والأهمية الاستراتيجية التى تتمتع بها منطقة آسيا والمحيط الهادئ، فلن يكون أمام الولايات المتحدة أى خيار سوى تحويل محورها باتجاه الشرق. والواقع أن الولايات المتحدة، على الرغم من كل شكاوى ترامب حول مساهمة أمريكا الضخمة فى حلف شمال الأطلسى، توجه القسم الأكبر من إنفاقها العسكرى إلى منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
وعلى هذا، ففى حين هدأت المخاوف المباشرة التى نشأت فى عام 2017، وعلى الرغم من بعض الشعور بعودة الحالة السوية، فلم يعد بوسع الأوروبيين أن يتجنبوا تحمل المسئولية عن الدفاع عن أنفسهم. وحتى بعد رحيل ترامب بفترة طويلة، لن تكون القوة الناعمة كافية فى عالَم تسوده صراعات القوة الصارمة.
النص الأصلي: