مسؤوليات قمم مكة القادمة
علي محمد فخرو
آخر تحديث:
الأربعاء 22 مايو 2019 - 9:55 م
بتوقيت القاهرة
الدعوة لعقد اجتماعات طارئة متوالية لرؤساء دول مجلس التعاون الخليجى ورؤساء دول الوطن العربى ورؤساء الدول الإسلامية تمثل بادرة إقليمية عربية وإسلامية لمواجهة أخطار تحيق فى اللحظة الحالية بمنطقة الخليج العربى وما يحيط به من دول عربية وإسلامية. وكان الكثيرون فى الماضى القريب قد كتبوا عن أهمية تلك اللقاءات للقمم العربية والإسلامية للنظر فى مواجهة مختلف الصراعات والكوارث التى حلت بعموم الوطن العربى، بدرجات متفاوتة، وكذلك ببعض دول الإسلام.
وكانت فاجعة مأساوية عبثية بقاء تلك القمم متفرجة على الحرائق المشتعلة فى بلدان من مثل سوريا والعراق وفلسطين واليمن وليبيا، على سبيل المثال، دون أن تكون لها كلمة ويكون لها موقف، بل زاد الطين بلة أنها تركت أمور التعامل مع تلك الحرائق للدول الإمبريالية الطامعة فى ثروات بلاد العرب والراغبة فى تدميرها وإنهاك كل قواها، أو للمؤسسات الدولية المشلولة العاجزة عن الفعل المؤثر.
اليوم، وقد أقدمت الشقيقة المملكة العربية السعودية على تلك الخطوة الجريئة يحق لنا أن نطالب بإبعادها عن العثرات وتجنيبها أن تنقلب إلى ضجة مظهرية وتمنيات لا صلة لها بالواقع العربى والإسلامى ولا قدرة على المواجهة وإخراجه من الجحيم الذى يعيشه.
أولا، من الضرورى ألا تخضع المناقشات والقرارات لأية إملاءات من الدوائر الغربية، وعلى الأخص الأمريكية، ولا لأية توجيهات من القوى الصهيونية العالمية.
لقد آن الأوان أن تحترم تلك القمم نفسها واستقلاليتها الحقيقية وقدرتها على الفعل دون وصاية من أحد.
ثانياَ، ستكون أهمية تلك الاجتماعات باهتة ومحدودة لو اقتصرت مناقشاتها وقراراتها على مواجهة نذر الحرب المجنونة فى الخليج العربى فقط. ذلك أن الوضع فى الخليج هو جزء من مؤامرة كونية تمتد عبر الوطن العربى كله وكثير من دول الإسلام.
وإنه لمن المؤكد أن اليمين الصهيونى المتطرف يدفع، بقوة وصلافة، لكى يتبنى صقور الحرب فى واشنطن منطقهم السياسى والأمنى والدينى الخرافى ليجعلوا من أمريكا دولة وظيفية فى خدمة الصهيونية العالمية الساعية لإضعاف وإنهاك، إن لم يكن لتدمير، الوطن العربى برمته من خلال إدخاله فى عدد هائل من الصراعات فيما بين مكوناته من جهة وفيما بينه وبين دول الجوار من جهة أخرى. وإن مقارنة بين ما يقوله ويكتبه يوميا الرئيس الأمريكى ومساعدوه من صقور الحرب المجانين وبين ما يقوله رئيس وزراء الكيان الصهيونى ومؤيدوه من مجانين الصهيونية الأصولية الإجرامية فى فلسطين المحتلة لكافية لتظهر حجم المؤامرة والنيران التى سيكون حطبها دول الخليج العربية وإيران، بل والمشرق العربى برمته.
ثالثا، من هنا أهمية وصول القمم الثلاث إلى الإعلان عن أهداف عربية وإسلامية كبرى وإلى البدء بايجاد أدوات سياسية وأمنية لتحقيق تلك الأهداف فى الحال، وعلى المدى البعيد أيضا. إن البقاء بعيد عما يجرى فى الأرض العربية وفى بعض الدول الإسلامية مثل إيران وتركيا وباكستان وأفغانستان، واقتصار المداولات على قضايا منتقاة تهم هذه الجهة أو تلك لن يؤثر فى الواقع العربى والإسلامى الذى يقترب من النكبات التاريخية الكبرى.
رابعا، ولكبر حجم المشاكل المراد مواجهتها وتعقيداتها وترابطاتها الدولية فإن الأمل هو أن يتخذ قرار بعقد اجتماعين سنويين، خلال الفترة الحالية، لتلك القمم لإجراء التقييم المستمر ومتابعة التطورات المتلاحقة، وقرارات لتفعيل المؤسسات الإقليمية المشتركة من مثل مجلس التعاون والجامعة العربية والرابطة الإسلامية لتستطيع القيام بأدوارها المطلوبة منها، بدلا من شللها الحالى وغفوة الموت التى تحياها فى الفترة الحالية الحرجة.
خامسا، ولوجود تصميم أمريكى وصهيونى دولى لتصفية القضية الفلسطينية لصالح الاحتلال الصهيونى، وعلى حساب الشعب العربى الفلسطينى، وتجرُّؤ تلك الجهات على تقديم صفقات مشبوهة تحت شتى المسميات، فإن الشعب العربى، الذى يعتبر الموضوع الفلسطينى والصراع العربى ــ الصهيونى فى قمة أولوياته، ينتظر أن تقف القمم الثلاث موقفا واحدا تجاه رفض قاطع لما يعرف «بصفقة القرن» الأمريكية الصهيونية والتأكيد على أن حقوق الشعب العربى الفلسطينى فى وطنه ورجوع لاجئيه إلى أرضهم وبيوتهم أمر غير قابل للبيع والشراء ولا لبهلوانيات صهر الرئيس الأمريكى الساذجة.
لقد تعبت الشعوب العربية والإسلامية من رؤية الضعف والهوان الذى تميزت بها اجتماعات تلك القمم فى السابق، وسنة بعد سنة تتجذر فى نفوس أفرادها مشاعر الخذلان والعار واليأس، فهل لنا فى هذه المرة أن نرى بصيص أمل يشير إلى مستقبل أفضل وأكثر إشراقا؟ نحن بانتظار اجتماعات مكة، وعليها أن تعرف أن التاريخ لن يرحمها إن تعثرت مرة أخرى.