المعلومات: نعمة هذا العصر ونقمته
محمد زهران
آخر تحديث:
السبت 22 مايو 2021 - 8:30 م
بتوقيت القاهرة
كثيراً ما نسمع أننا في عصر البيانات الضخمة (big data) وقد يثير هذا التعبير الانبهار عند البعض والتساؤل عند البعض الآخر: ما معنى البيانات الضخمة؟ ما الذي سنستفيده منها؟ هل هناك خطر؟ هل سيجمعون عنا معلومات كثيرة ونكون تحت رقابة دائمة؟ الحقيقة أن عصر المعلومات الضخمة له ما له وعليه ما عليه، أحببت في هذا المقال أن أشارك القارئ بعض النقاط عن موضوع المعلومات وهل هو شيء جيد أم لا.
أول سؤال هو: ما معنى عصر البيانات الضخمة؟ ولماذا عصرنا هذا يسمى بهذا الاسم دوناً عن العصور الأسبق عليه؟ عصر البيانات الضخمة معناه أننا أصبحنا نمتلك التكنولوجيا التي تستطيع أن تجمع معلومات عن كل شيء وكل شخص تقريباً وتخزنها ثم تسترجعها وتحللها.
مثلاً تستطيع تلك التكنولوجيا جمع كل المعلومات عنك: ماذا تكتب وتقرأ وتشتري وتبيع على الانترنت وما هي الأفلام والأغاني والبرامج التي تعجبك وأين تذهب ومن هم أصدقائك وما هي حالتك الصحية،بل ومواعيد نومك وهل تنام نوماً عميقاً أم لا. تخيل جمع معلومات كهذه عن أغلب سكان الأرض.
تستطيع تلك التكنولوجيا جمع معلومات عن درجات الحرارة والرطوبة والتلوث في كل شبر في الكرة الأرضية وعلى مدار اليوم والساعة، ومعلومات عن الأراضي الزراعية ومدى خصوبة التربة والأراضي الصحراوية وأنواع الحياة البرية والبحرية، ومعلومات عن جميع الطرق في العالم والحوادث على كل طريق إلخ.
مع بدايات القرن الواحد والعشرين أصبحنا نمتلك التكنولوجيا التي تجمع تلك المعلومات (نطلق عليها انترنت الأشياء) والقدرة التخزينية لحفظها ثم البرمجيات والأجهزة فائقة السرعة لتحليلها واتخاذ قرارات بشأنها (نطلق على ذلك اسم الذكاء الاصطناعي).
سؤالنا الثاني: ما الذي نستفيده من كل ذلك؟ هناك الكثير الذي نستفيده فمثلاً يمكن للكمبيوتر أن يقترح عليك فيلماً جديداً أو برنامجاً تشاهده أو كتاباً تقرأه والاحتمال كبير أنك ستعجب بهذا الاختيار. إذا أردت أن تفقد وزناً فسيقترح عليك رجيم خاص لك أنت متماش مع صحتك ويقترح تدريبات بدنية مناسبة لسنك وحالتك الصحية. يستطيع الكمبيوتر أيضاً أن يقترح أفضل المزروعات والأسمدة في أرض معينة وأفضل الطرق التي يجب بنائها لتقليل الاختناقات المرورية، بل ونوع الرصف لهذا الطريق إلخ. باختصار يستطيع الكمبيوتر تقديم اقتراحات تزيد من رفاهية البشر ولا أقصد فقط الترفيه والخدمات اليومية، بل يمتد الأمر إلى التعليم والبحث العلمي.
سؤالنا الثالث: ما هي أخطاره؟ الأخطار تأتي من أن هناك من يعلم عنك كل شيء، ومن يمتلك تكنولوجيا أقوى يعلم أكثر وبالتالي يمكنه الاستفادة من المعلومات وتوظيفها لأهدافه بكفاءة أكبر. فمثلاً يمكنك التحكم في فئة معينة من الناس عن طريق إظهار إعلانات معينة أو أخبار معينة لهم عن طريق وسائل التواصل أو البرامج التليفزيونية والمجلات، وحملة أوباما الانتخابية الأولى مثال جيد على استخدام المعلومات للتأثير على كل فئة على حدة.
هناك كتاب مثير كتبه قائد ومهندس حملة أوباما الانتخابية دافيد بلوف يشرح فيها ما حدث بعنوان:
" The Audacity to Win: The Inside Story and Lessons of Barack Obama's Historic Victory" أو (الجرأة على الفوز: قصة النجاح التاريخ لحملة باراك أوباما).
بل أن هناك كتاباً ظهر العام الماضي (2020) من تأليف أستاذة التاريخ الأمريكي جيل لوبور (Jill Lepore) كشفت فيه النقاب عن شركة في ستينات القرن الماضي استخدمت المعلومات لتوجيه الرأي العام الأمريكي وهي من ساعدت جون كنيدي على الفوز بالانتخابات الرئاسية، الكتب بعنوان " If Then: How the Simulmatics Corporation Invented the Future" أو (لو: كيف اخترعت شركة سيميولماتيكس المستقبل).
المعلومات هي بترول القرن الواحد والعشرين بل أنها أكثر أهمية من البترول لأنها سلاح، الحرب العالمية الثالثة لن تحدث في أرض الواقع بل في الفضاء السيبراني وبين أجهزة الكمبيوتر وأسلحتها هي المعلومات والبرمجيات وأجهزة الكمبيوتر فائقة السرعة. مازال علماء الاقتصاد يتباحثون في كيفية تسعير المعلومات وهذا في حد ذاته يجعلها لا تقدر بثمن.
أعتقد أن موضوع المعلومات يمثل نقطة بحث تجمع الباحثين في مجالات عدة من هندسة وعلوم الحاسب إلى الرياضيات و علم الاجتماع والاقتصاد إلخ، فهل نأخذ هذا المجال الجديد ذريعة لنبني فرقاً بحثية من أقسام وجامعات مختلفة في مصر؟