من دولـة الأجهـزة لدولة الحرب
العالم يفكر
آخر تحديث:
الثلاثاء 22 يوليه 2014 - 9:00 ص
بتوقيت القاهرة
نشرت مبادرة الإصلاح العربى مقالا تحليليا لكاتبته دينا الخواجة، أستاذة العلوم السياسية بجامعة القاهرة ومديرة برنامج الحركات الاجتماعية بمبادرة الإصلاح العربى. يتحدث المقال عن محاولة عبدالفتاح السيسى تقديم نفسه ــ بعد وصوله لسُدّة الرئاسة ــ كمهيمن وزعيم للتحالف الحاكم ضد بعض شبكات المصالح القديمة، وربما ضد بعض الأجهزة أيضا. حيث صرح الرئيس عبدالفتاح السيسى عقب إعلان الحكومة تخفيض الدعم عن الوقود بأنواعه، بأن «مصر فى حالة حرب، وأن الكثير من الأعداء فى الداخل والخارج لا يريدون لهذا البلد النجاة»، ولم يقصد الرئيس هنا الحرب على الإرهاب أو الحرب على إسرائيل وإنما قصد الحرب على عجز الموازنة. قصد الرئيس التمايز عن شبكات المصالح فى المؤسسات، وفى صفوف النظام القديم، محاولا بناء شرعية بمعزل عن هذه الأجنحة، التى أوصلته لسدة الحكم.
•••
أشارت الكاتبة إلى إصدار المجلس العسكرى إعلانه الدستورى الشهير العام الماضى حاملا لخارطة طريق جديدة، اشتملت على خطوات عديدة كان من المقرر أن تتم فى خلال ستة أشهر، ويرجع التركيز على الإعلان الدستورى لعام 2013 كنقطة أساس لما يتيحه من رصد لعمليات الإحلال الدستورى. كما كان هذا الإعلان الدستورى هو المفتاح الأهم لفهم تنازع الشرعيات، التى شهدتها مصر خلال عام وانتهت بانتصار تحالف الأجهزة وتمكنها من إحكام القبضة من جديد على أية مقاومة أو أى حراك سياسى معارض، بل وإقصائها لكل الأجنحة الليبرالية، التى شاركت فى صنع «ثورة» ثلاثين يونيو. لم يبد الإعلان الدستورى منطقيا لكل المصريين وقت إصداره، ولم تتضح دلالته التقويضية، ليس لحكم الإخوان المسلمين فقط، وإنما للمسار الثورى السابق برمته، إلا بعد ذلك بشهور. وبدت مبادرة المجلس العسكرى بإصدار إعلان دستورى جديد متجاوزة قليلا للمطلب الشعبى بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وأرجع الرأى العام وقتها هذه المبادرة لأمرين: أولهما تزايد الحشد الإخوانى على شكل اعتصامين ضما مئات الآلاف باسم استرداد الشرعية، وافتقاد الزخم المناهض للإخوان لشرعية قانونية على المستوى الدولى الذى صور الأمر منذ اليوم الأول على أنه انقلاب عسكرى ضد سلطة منتخبة. وثانيهما ما عرف عن البرادعى شخصيا وجبهة الإنقاذ سياسيا من «مرارتهما» إزاء ملابسات صياغة ثم إصدار دستور 2012 والمسمى بدستور الإخوان.
طبعا، لم تكن صياغة دستور جديد هى البند الوحيد فى الإعلان الدستورى، بل رافقته بنود أخرى منها تحديد موعد للانتخابات البرلمانية ثم الرئاسية فور الانتهاء من صياغة الدستور وإقراره عبر استفتاء شعبى، ومن المهم هنا الإشارة إلى أن الإعلان الدستورى وما أعقبه من عمليات إلقاء قبض واسعة على قيادات الإخوان هو ما أشعل الموقف سياسيا وميدانيا بين مناصرى الإخوان ومناهضيهم أكثر بكثير من حشود ثلاثين يونيو.
•••
وأضافت الخواجة أن ثلاثة أسابيع فصلت بين الإعلان الدستورى، وما أثاره من جدل وتصعيد للحشد الإخوانى، وبين نزول الفريق أول عبدالفتاح السيسى إلى الجماهير، مطالبا إياها بتفويضه لمواجهة ما وصفه بالإرهاب الإخوانى، وتحول الاهتمام الشعبى من التركيز على إنقاذ الثورة إلى ما درجت أجهزة الإعلام على تسميته وقتئذ «ضرورة استرداد الدولة»، وبالطبع لم يكن هذا المطلب جديدا. فمنذ بدء حملة حركة تمرد فى الحشد لجمع التوقيعات المطالبة بسحب الثقة من الرئيس محمد مرسى، ظهر تيار كامل كان أساس خصومته مع الإخوان هو محاولتهم أخونة الدولة المصرية، ناهيك عن جبهة الصراع حول حدود الأسلمة المقبولة فى ميادين التعليم والثقافة والفن وإدارة التعددية الدينية. وقتها كتب الكثير من الإعلاميين أن هدف التفويض ليس إزاحة الأجنحة الأخرى فى التحالف، وإنما إثبات المساندة الشعبية ضد الإخوان للرأى العام الدولى المتشكك من الانقلاب العسكرى على سلطة منتخبة شعبيا. وهنا يجب التشديد على أهمية الدور المحورى الذى لعبته أجهزة الإعلام فى إعادة تأطير الصراع لصالح الأجهزة الأمنية، بل وخوضها حربا شعواء ضد معظم الرموز، التى شاركت فى ثلاثين يونيو.
•••
كما أشارت الخواجة إلى استنزاف الشرعيات البديلة عبر الدستور والقوانين، مؤكدة أن أجهزة الإعلام لم تلعب الدور الوحيد فى مساندة الجناح الدولتى فى جبهة الثلاثين من يونيو، قام كذلك قطاع الأمن الوطنى بمعظم المواجهات نيابة عن الجيش المفوض للقضاء على الإرهاب، كما قام قطاع التشريع ــ فى ضوء غياب البرلمان ــ ممثلا فى رئيس الجمهورية والمحاكم المهمة فى مصر (كالمحكمة الدستورية ومجلس الدولة) بإقرار عدة قوانين سمحت فى معظمها بغلق المجال السياسى، الذى فتحته ثورة يناير لمئات الآلاف من الفاعلين الجدد المطالبين بالتغيير، وتم طرح ترسانة من القوانين الجديدة تحت مسمى الحرب ضد الإرهاب، وقد كان لكل من هذه الأجهزة ثأر مؤسسى مع الإخوان، سواء الإعلام أو القضاء أو الداخلية.
وقد ساهمت سرعة التقاضى المفاجئة، فيما يتعلق بالمعارضين السياسيين والحكم بصددها لتصويرهم كخطرين على الاستقرار بل وكطابور خامس لقوى أجنبية وللمؤامرة الإخوانية فى استكمال ما بدأه الإعلام من حرب دعائية، أما فيما يتعلق بقوات الأمن، فقد كسر الإخوان ميدانيا وسحق مظاهراتهم سواء العنيفة أو السلمية بمثابة ثمن الصلح المجتمعى مع قوات الأمن الوطنى بعد خصومة استمرت لثلاثة أعوام.
•••
وجاءت الانتخابات الرئاسية وظهور صراع من نوع جديد كعنوان أخير للمقال، حيث شهدت الانتخابات الرئاسية الأخيرة إقبالا أقل بكثير من نسب التصويت فى الاستفتاء على الدستور قبل ذلك بشهرين. هكذا بدأت رئاسة السيسى بتوتر داخلى إلى جانب التوتر الإقليمى المترقب لدرجة مساندة مجلس التعاون الخليجى اقتصاديا للنظام الوليد، التى تعد شهادة ميلاده الحقيقية. على هذه الخلفية تلاحقت تصريحات الرئيس الجديد فى تصاعد بدا محيرا حول الحرب على الفساد، كما كان الرهان على قوة شعبية الرئيس فى صدور قرارات لم يجرؤ أى نظام على اتخاذها منذ ثلاثين عاما بتقليل دعم الدولة عن مواد الوقود ورفع ضرائب السجائر والخمور للرد على ضغوط الأجنحة المتطلعة للسيطرة على الرئيس كملحمة لانتصار النظام القديم فى شقه الدولتى. واختتمت الكاتبة مقالها قائلة: «ما أكثر الأحداث وما أكثر التحالفات التى قامت وكسرت فى سبيل تجاوز أزمة خلع الإخوان، وما أسرع عمليات التحول فى صياغة شرعية النظام فى إطار التحالف الحاكم الساعى لتوجيهه». وأشارت إلى أن الجواب على هذا كله سيعتمد على الهامش المتاح للقيادة الجديدة وقدرتها على التمايز أو الخضوع للتحالف الدولتى، ولكن ميزتها ترسيخ الرئيس كحكم للتحالف الجديد: تحالف دولة الحرب أكثر منه تحالف دولة الأجهزة التى صعدت به إلى سدة الرئاسة لضمان سحق كل البدائل، التى طرحت منذ يناير 2011.
للإطلاع على الموضوع كاملا برجاء زيارة الموقع التالي:
http://www.arab-reform.net/