ترامب بين المناظرة والاغتيال
بشير عبد الفتاح
آخر تحديث:
الإثنين 22 يوليه 2024 - 6:20 م
بتوقيت القاهرة
ما كادت مناظرة السابع والعشرين من يونيو الماضى تمنح المرشح الرئاسى الجمهورى المحتمل، وقتئذ، دونالد ترامب، نقاطا على حساب منافسه الديمقراطى، الرئيس الحالى جو بايدن ــ حتى وجد الرئيس السابق نفسه على موعد مع قوة دفع جديدة. تهديه إياها محاولة الاغتيال، التى تعرض لها خلال تجمع انتخابى فى بنسلفانيا، يوم 13 يوليو الحالى، وكانت الأولى من نوعها، منذ محاولة اغتيال الرئيس الأسبق، رونالد ريجان، عام 1981.
قبل مناظرة يونيو الماضى، كانت معظم استطلاعات الرأى تظهر تقاربا فى المنافسة بين ترامب وبايدن. وبينما كشف متوسط استطلاعات الرأى، التى أجرتها مؤسسة Real Clear Politics، تقدم ترامب بثلاث نقاط (47% مقابل 44% لبايدن)، عقب المناظرة ــ توقع أن تزداد نسبة تأييد ترامب، بعد محاولة الاغتيال، التى أربكت الاقتصاد العالمى، فيما حاولت دوائر أمريكية تحميل إيران مسئوليتها.
يجمع مشرعون ومراقبون أمريكيون على استفادة ترامب من محاولة اغتياله قبل يومين من المؤتمر الوطنى للحزب الجمهورى فى ميلووكى، الذى انعقد يوم 15 يوليو الحالى لتسميته مرشحا رسميّا يمثل الحزب فى الانتخابات الرئاسية، يوم الخامس من نوفمبر المقبل. فأثناء المؤتمر، بدا جليا أن المحاولة قد ساعدت على لملمة شتات الجمهوريين وتوحيد صفوفهم حول ترامب. فطوال فعاليات المؤتمر، تناسى الجمهوريون خلافاتهم، وأظهروا رسالة الوحدة الحزبية التاريخية تحت عباءة مرشحهم الرئاسى.
استشهد موقع «vox» الأمريكى، بمحاولات اغتيال عديدة سابقة، خرج من تعرضوا لها منها، بتأثير إيجابى على وضعهم التنافسى خلال الانتخابات، التى تلتها. فبعد محاولة اغتياله عام 1981، حظى الرئيس الأمريكى الأسبق، رونالد ريجان، بتعاطف ودعم شعبيين. وعقب طعنه عام 2018، استفاد الرئيس البرازيلى، جايير بولسونارو من دعم الناخبين. وبمجرد تعرضه لإطلاق نار عام 2022 بات رئيس الوزراء الباكستانى السابق ،عمران خان، رمزا للنضال الوطنى ضد الفساد.
لا يستبعد خبراء أن تولد محاولة اغتيال ترامب، تعاطفا معه، بعدما غدا هدفا للعنف السياسى والتطرف. ذلك أن وقوع المحاولة فى «بنسلفانيا»، التى تعد إحدى الولايات المتأرجحة الست، قد يدفع بمواطنيها نحو «التكفير عن الذنب»، من خلال التصويت لصالحه فى الاقتراع الرئاسى المقبل. وتظهر استطلاعات الرأى اتساعا تدرجيا فى فجوة التأييد لمصلحة ترامب، الذى باتت حملة الجمهوريين تتوقع فوزه فى معاقل للديمقراطيين مثل مينيسوتا وفيرجينيا.
رغم أن ترامب يواجه 34 إدانة قضائية، فإنه يرنو إلى أن تلعب محاولة الاغتيال دور «عصا موسى». بحيث تزيح تلك الإدانات إلى خانة «المؤامرة» ضده، من قبل «الدولة العميقة»، التى تريد منعه من العودة إلى سدة الرئاسة وإقصائه من المشهد السياسى. الأمر الذى من شأنه توسيع قاعدته الانتخابية، إذ سيتسنى لمحاولة الاغتيال، التى نهض منها، ترامب، رافعا قبضته، ومرددًا : «القتال.. القتال.. القتال»، بينما كانت الدماء تسيل على وجهه، والعلم الأمريكى يتدلى خفاقا فوق رأسه ــ استمالة الناخبين المترددين، الذين يرونه «المرشح الذى لا يهاب الموت من أجل أمريكا». وتوقع مراقبون أن تغدو قبضة، ترامب، المرفوعة، التى تبعث برسالة تضامن لمؤيديه، وإشارة تحد لمعارضيه، بمثابة الرمز الأيقونى للمؤتمر العام للحزب الجمهورى، وربما لحملته الانتخابية، أو لمسيرته السياسية. فإبان المؤتمر العام بميلووكى، الذى أعلن خلاله اختيار جيمس ديفيد فانس، ليكون نائبا له حال فوزه بالرئاسة ــ استُقبل دونالد ترامب استقبال الأبطال، وأطلق الجمهوريون زحفهم الأحمرلاستعادة المكتب البيضاوى.
فى حين، رصد موقع «بتكوين» تنامى احتمالات فوز، ترامب، بالانتخابات الرئاسية عقب محاولة الاغتيال، إلى 68%، أفاد مشرعون ديمقراطيون أن تمسك بايدن، بترشحه قد يقلص نسبة تصويت الناخبين الديمقراطيين فى الانتخابات. لاسيما بعد أن أعرب أكثر من 70 % منهم عن رغبتهم فى مغادرة بايدن، للسباق الرئاسى.
بدورها، أعلنت مصادر ديمقراطية مشاركة فى حملات جمع التبرعات لإعادة انتخاب بايدن، تعليق العديد من الحملات رغم تخطيط الحزب الديمقراطى لتسريع إعلان ترشيحه وتعهده بمواصلة الماراثون الرئاسى. فى المقابل، أعلن تايلور بودويتش ،رئيس لجنة جمع التبرعات لحملة ترامب، أن الحملة التى ترفع شعار «اجعلوا أمريكا عظيمة مرة أخرى»، جمعت أكثر من 50 مليون دولار عشية انعقاد المؤتمر العام للحزب الجمهورى؛ فيما يخطط الملياردير، إيلون ماسك، للتبرع بنحو 45 مليون دولار شهريا للجنة العمل السياسى الجديدة المؤيدة لترامب. كذلك، أعلن المستثمرون والمديرون التنفيذيون فى مجال التكنولوجيا، بوادى السيليكون، دعم جهود حملة ترامب. وهوما يشكل تطورا ملفتا، كون تلك المنطقة معروفة بأنها إحدى أكثر المناطق ليبرالية فى الولايات المتحدة، أبرز معاقل الديمقراطيين ومصدرا موثوقا لتمويل حملاتهم الانتخابية.
مبتغيا إضفاء مسحة دينية على «الترامبية»، عبر دغدغة مشاعر المتدينين الأمريكيين، اعتبر الرئيس السابق والمرشح الرئاسى الجمهورى الحالى، أن نجاته من تلك المحاولة إنما كانت «هبة من الله» أو «رعاية إلهية». وكتب ترامب، عبر منصة «تروث سوشيال»، تعقيبا على محاولة اغتياله: «شكرا للجميع على صلواتكم، لأن الله وحده هو الذى منع حدوث ما لا يمكن تصوره». وقد أقنعت نجاة ترامبمن الموت بأعجوبة، مؤيديه الإنجيليين، بأن المرشح الرئاسى الجمهورى، ينعم بـ«بركة الرب». الأمر الذى عزَّز الظلال المسيحية التى تتعمد حملته الرئاسية الشعبوية، إسدالها على دعايته الانتخابية. فخلال المؤتمر الوطنى العام للحزب الجمهورى، عبَّر 18 مندوبا انتخابيا، عن اعتقادهم بأن الرب كان له الفضل فى نجاة ترامب من الاغتيال، عبر معجزة ربانية وحماية إلهية. مشددين على أن العناية الإلهية هى الطريقة التى اختارها الرب ليظهر للناخبين الأمريكيين أن ترامب، وليس الرئيس الديمقراطى بايدن، هو الرجل المناسب، الذى يمكن أن يقود الولايات المتحدة، بعد الانتخابات الرئاسية المقبلة.
جدير بالذكر أن ترامب، قد حظى إبان انتخابات عامى 2016 و2020، بدعم الناخبين الإنجيليين. حتى أن بعض وسائل الإعلام المسيحية، لم تتورع عن تصويره على أنه إحدى أدوات إرادة الرب، التى تتعرض للاضطهاد على يد أعداء من الداخل. ولم يتورع ترامب، وأنصاره عن نشر صور له، عبر وسائل التواصل الاجتماعى، تشبهه بالمسيح. وخلال المسيرات المؤيدة له، كان مؤيدوه يرتدون قمصانا مطبوعا عليها صور للمسيح وهو يضع يديه على كتفى الرئيس السابق، والمرشح الجمهورى الحالى.
فى المقابل، وعلى وقع إدانته، فى مايو الماضى، بدفع أموال لشراء صمت ممثلة إباحية، كما التورط فى ممارسات أخلاقية مشينة، لم يتوان فى إنكارها والتبرؤ منها ــ اتهم منتقدون من الحزبين، الجمهورى والديمقراطى، ترامب، بأنه رجل لا يتحلى بالأخلاق الحميدة، ويسعى إلى تقويض الديمقراطية الأمريكية. كذلك، كال منتقدوه الاتهامات له بتديين حملته الانتخابية، عبر إضفاء صبغة مسيحية على دعايته الانتخابية، وطبع مسحة إلهية على شخصيته، بتقديمه على أنه «أسطورة يحميها الربّ من الأعداء»، وأنه الوحيد القادر على إنقاذ أمريكا؛ التى يحاول تصويرها، على أنها ضحية لفساد وانتهاكات الدولة العميقة، حتى باتت على شفا الانهيار.
منذ أدائه الكارثى أثناء مناظرته مع ترامب، أواخر يونيو الماضى، يواجه بايدن ضغوطا متزايدة من داخل حزبه، وكبار المانحين، لحثه على الانسحاب من الانتخابات بجريرة عمره المتقدم واعتلال لياقته العقلية والبدنية. لكن الرئيس لا يزال يصر، حتى كتابة هذه السطور، على مواصلة السباق. وإذا ما بقى الحال على ما هو عليه فلن يستعصى على ترامب، استثمار أصداء المناظرة وارتدادات محاولة الاغتيال، للإطاحة بخصمه الديمقراطى، يوم الخامس من نوفمبر المقبل، ما لم تتحفنا الأسابيع المقبلة بمفاجآت مدوية.