فتيات الشتات العربى الفرنسيات
صحافة عربية
آخر تحديث:
الجمعة 22 سبتمبر 2017 - 9:45 م
بتوقيت القاهرة
نشرت جريدة الاتحاد الإماراتية مقالا للكتاب «محمد عارف» جاء فيه: فى «مترو باريس» صرتُ «مجنون إلسا»، كتاب الشاعر الفرنسى «أراغون». «ألف لام سين ألف، تلك إشارات قلب يرى»، قال ذلك «أراغون»، وأنا قلت «السلام عليكم» لمن صادفتُ من فتيات الشتات العربى فى «مترو باريس»، ولولاهن لضعتُ.
«هاجر» المغربية تدرس اللغة الصينية، و«أميرة» الجزائرية تدرس سنة ثانية طب، قَضَتَا عشر دقائق معى بحثا عن الطريق من «المترو» إلى قطار الضواحى. ولولا «ريم» الجزائرية التى أنهت لتوها دراسة الدكتوراه فى موضوع «البكتيريا»، ما عرفتُ طريق العودة من قطار الضواحى إلى «المترو». والجزائرية «مليكة»، وقد ترددتُ أن أبادرها بقول «سلام عليكم» لأنها بدت كفرنسية، لولاها ما قفزتُ دون تذكرة بين محطتى «القطار» و«المترو».
كانت آلات التذاكر عاطلة عن العمل، فضمتنى «مليكة» ووضعت تذكرتها فى «شق» بوابة الدخول، وقفزت بى، وهى تقول بالإنجليزية ضاحكة: «مرحبا بك فى باريس»!
«لماذا نبدع لأنفسنا بلادا خرافية ما دامت تغدو منفى قلوبنا؟»، يسأل «أراغون»، ويجيب: «كل ما أسكرنى فى ماضىّ، كل الذى أدرت له رأسى، أكان موسيقى أم رسما أم بطولة أم شعرا، يبدو لى إذا التفت إلى وراء وكأنه يجرى إلى من كل ناحية». كذلك تجرى إلى زارعات القنابل الجزائريات الجميلات الثلاث «بوباشا»، و«بوحيرد» و«بوعزه»، ورفيقاتهن «زهرة ظريف» و«حسيبه بن بوعلى»، و«مليكه قايد».
وها أنا العراقى الضائع فى «مترو باريس» رفيقى «أراغون» وكلماته خريطتى. «أنا قادم من نسيان بعيد. أنا قادم على طرف مأساتى. ضعى قلبك على الأرض واثنى ركبتك فوق روحى المسكينة».
«دور نساء العرب الفرنسيات فى إعادة بناء فرنسا ما بعد الكولونيالية» عنوان بحث الأكاديمية البريطانية «نينا ساذرلاند» فاجأنى. لم يخطر ببالى أن تكون «فتيات فرنسا من أصل عربى فى طليعة حركة مراجعة الماضى الكولونيالى لفرنسا». «طرحة الرأس» التى أثيرت حولها ضجة رسمية وعامة كانت بالأحرى «طرحة» تركة الماضى الكولونيالى الفرنسى الثقيل والمعقد، فى الجزائر خصوصا، والتى كانت تعتبر على الصعيد الرسمى والشعبى جزءا من فرنسا. والآن هاجر الجزء إلى الكل. عدد الفرنسيين من أصل عربى يبلغ ستة ملايين، أى نحو 10% من سكان البلد، وبينهم «الحركيون» وهم الجزائريون الموالون لفرنسا. ومعظم فتيات الشتات العربى من الجيل الثانى والثالث ولدن فى فرنسا، ودرسن فى مدارسها. «فاطمة بسناشى لانكو»، و«ليلى صبار»، و«داليلا كرشوشه» و«يامينا بنغوغى»، و«فاضله عماره»، كاتبات وروائيات أبدعن روايات، وأفلاما سينمائية، وبرامج تلفزيونية، وحركات سياسية واجتماعية، شعارهن «نتكلم حتى لا نموت».
وفى الساعة الأخيرة من سفرتى كنت أنتظر قلقا فى محطة «باريس لندن» عودة حفيدتى «نوارة» من مدينة «والت ديزنى» التى أضحت من أشهر معالم باريس السياحية. كانت قد ذهبت بمعية «سارة»، طالبة الماجستير فى «السوربون» وابنة «الأمير الأحمر»، وهو لقب كان يطلقه اليسار الطلابى فى الستينيات على والدها الراحل «حيدر الحسنى الجزائرى»، حفيد الأمير عبدالقادر الجزائرى، القائد التاريخى للثورة الجزائرية.
وعندما انقطع اتصال الموبايل بيننا، ويئست من وصولهما قبل قيام القطار، فوجئتُ بالأميرة «سارة» تحمل «نوارة» على ظهرها راكضة فى محطة قطار «باريس لندن». وهكذا دَخَلَت حفيدتى، وعمرها تسع سنوات، تاريخ «فتيات الشتات العربى الفرنسيات» الملىء بالعجائب؛ بريطانية من أصل عراقى يمنى حملتها على ظهرها «سارة» حفيدة الأمير عبدالقادر الجزائرى من ناحية أبيها، ومن ناحية أمها حفيدة العقيد «وصفى طاهر» أحد قادة ثورة 14 تموز عام 1958 فى العراق.
قال «أراغون»: «مستقبل الرجل المرأة، إنها لون روحه. هى همهمته وضجيجه، دونها لا يغدو سوى شتيمة، بذرة بلا ثمرة. فمه ينفخ فى الريح المتوحشة، حياته ملك للخسران. يده نفسها تحطمه».
الاتحاد ــ الإمارات