الاعتراف بفلسطين.. خطوة مهمة في مشوار طويل
عماد الدين حسين
آخر تحديث:
الإثنين 22 سبتمبر 2025 - 8:05 م
بتوقيت القاهرة
السياسة لا تعرف اللونين الأبيض والأسود فقط، بل هى تعرف كل الألوان، وفى أحيان كثيرة يكون اللون السائد هو الرمادى أو الكاروهات، أو لون يصعب وصفه لأنه خليط من ألوان كثيرة.
وإذا صحت المقولة السابقة فإن الاعتراف البريطانى والفرنسى والغربى عموما بالدولة الفلسطينية أو حل الدولتين، هو خطوة سياسية جيدة جدا، تحتاج إلى خطوات أخرى كثيرة، حتى يتم ترجمتها على أرض الواقع، لكنها لا تعنى أن الدولة الفلسطينية ستقام غدًا، أو أن جرائم إسرائيل ستتوقف بل ربما تتفاقم.
مشكلة الكثير من العرب أنهم ينظرون للأمور بمنظار الأبيض والأسود فقط، ولذلك يتعاملون مع الخطوة الغربية الأخيرة على أنها إما عظيمة جدا وتمثل نهاية المطاف وتعنى قيام الدولة الفلسطينية، أو أنها بلا قيمة على الإطلاق ومجرد خطوة تآمرية وإبراء للذمة الغربية من الذنب التاريخى تجاه الشعب الفلسطينى.
بأى معيار فإن الاعتراف الأوروبى واسع النطاق بالدولة الفلسطينية هو صفعة قوية على وجه العنصرية والوحشية الإسرائيلية. وهو دليل إدانة واضح للعدوان الإسرائيلى المستمر على قطاع غزة والمنطقة منذ ٧ أكتوبر من العام قبل الماضى.
ولهواة اللون الأسود المتشائم دائما نسأل: أيهما أفضل أن تعترف الدول الأوروبية الكبرى بالدولة الفلسطينية، أم تستمر فى عدم الاعتراف؟! أليس هذا الاعتراف خطوة مهمة حتى لو كانت رمزية؟! أليس الانزعاج والقلق والخوف الإسرائيلى وتهديد الدول الأوروبية دليلا على أن إسرائيل تشعر بخطورة هذا التطور الغربى؟!
يقول البعض إن بريطانيا هى التى زرعت إسرائيل فى المنطقة، خصوصا حينما أصدرت وعد بلفور فى ٢ نوفمبر ١٩١٧، وهذا صحيح تماما، والدور البريطانى فى دعم إسرائيل كان واضحا ولا ينكره حتى البريطانيون أنفسهم، لكن حينما تعترف بريطانيا بالدولة الفلسطينية، أليس ذلك جيدا وينبغى الترحيب به والبناء عليه؟!
فى السياسة ينبغى عدم إهمال أى جانب، بل تعظيم ما هو موجود.
وفى الناحية الأخرى، فإن المتفائلين بقوة حيال هذه الخطوة عليهم أن يتواضعوا قليلا كى يدركوا أن هناك واقعا مريرا، جوهره أن إسرائيل تدمر كل ما يمكن أن يشكل نواة لقيام الدولة الفلسطينية.
هؤلاء المتفائلون لا يدركون أن هناك نحو ١٤٩ دولة تعترف بفلسطين من بين ١٩٣ دولة أعضاء فى الجمعية العامة للأمم المتحدة، وغالبية هذه الدول اعترفت بالدولة منذ عام ١٩٨٨، لكن هذا الاعتراف لم يتم ترجمته بصورة عملية ليتحول إلى دولة. بل صار هناك خوف حقيقى ليس فقط من احتلال إسرائيل لغزة أو إكمال تهويد الضفة الغربية، بل فى تمكن إسرائيل من تهجير الفلسطينيين من غزة والضفة كخطوة فى محاولة لتصفية القضية الفلسطينية وصولا إلى إقامة إسرائيل الكبرى التى تحدث عنها نتنياهو بكل وضوح قبل أسابيع قليلة.
المطلوب من العقل العربى سواء على المستوى الأهلى والإعلامى، أو على المستوى الرسمى، أن يتعامل بعقلانية مع القضايا العربية والتوقف عن «نظرية الأبيض والأسود»، بمعنى أن نرحب بالاعتراف الأخير، وفى نفس الوقت إخبار هذه البلدان وغيرها أن الاعتراف وحده لا يكفى بل لابد من ترجتمه إلى خطوات عملية ومنها مثلا فرض عقوبات متنوعة على إسرائيل حتى توقف العدوان وتقر بقيام الدولة الفلسطينية.
أخشى أن تنتهى عملية الاعتراف بالجانب المعنوى فقط وأن تستمر الدول الأوروبية التى اعترفت بفلسطين فى تقديم المساعدات المتنوعة لإسرائيل خصوصا العسكرية والاقتصادية، وتكتفى بأن تقول للفلسطينيين والعرب: «لقد أدينا ما علينا من دور، واعترفنا بفلسطين، وهذا أقصى ما يمكن أن نقدمه»؟!
لكن السؤال المهم الذى نكرره كثيرا وهو: هل من المنطق أن يطالب العرب والفلسطينيون الدول الأخرى بالتحرك ومعاقبة إسرائيل ولا يفعلون هم ذلك؟!
هل من المنطقى أن يطالب الفلسطينيون ما يسمى المجتمع الدولى بنصرة القضية، فى حين أنهم لم يتمكنوا من التوحد على كلمة واحدة منذ عام ٢٠٠٦ وحتى الآن؟!
هل من المنطقى أن يطالب العرب الدول الأخرى بفرض عقوبات على إسرائيل فى حين يستمرون هم فى إقامة كل أنواع العلاقات معها، ولا يجرءون حتى على وقف المجال الجوى أمام الطائرات الإسرائيلية المدنية، أو وقف العلاقات التجارية معها ناهيك عن سحب السفراء أو تجميد العلاقات؟!
ما الذى ينتظره العرب لاتخاذ خطوات عملية واضحة، بعد أن قال نتنياهو إنه لن يكتفى فقط بتهجير الفلسطينيين بل سيعمل على تنفيذ إسرائيل الكبرى؟!