نشرت مؤسسة Brookings الأمريكية مقالا لـ«رانج علاء الدين» ــ الباحث الزائر بالمؤسسة ــ يتحدث فيه عما ينتوى ترامب اتباعه فى سياسته الخارجية، خاصة بشأن محاربة داعش وما يعكسه ذلك من نتائج على منطقة الشرق الأوسط، وتحديدا دولتا العراق وسوريا.
يبدأ علاء الدين مقاله، قائلا: إنه انطلاقا مما نعرفه حتى الآن، ستقوم السياسة الخارجية لدونالد ترامب كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية بخفض «تدخلات أمريكا المكلفة» فى الشرق الأوسط. سيتم تقليص مبادرات بناء المؤسسات والدول، إذا لم يتم إيقافها بالكامل. تستمر الحرب على داعش، ولكن على الأرجح جوا على شكل غارات جوية مطردة، وربما مكثفة على أهداف فى العراق وسوريا. ومن المرجح أن تتفاوض إدارته مع نظام الأسد ورعاته فى روسيا للتوصل إلى اتفاق.
من شأن كل هذا وفقا لعلاء الدين أن يضع حدا لما يسمى بالخلافة إلا أنه لن «يسحق» داعش نفسها. لقد انبثقت داعش من قلب الصراع وستتخطى القنابل، التى تعترضها. فإن غابت الجهود التى تبذلها الولايات المتحدة لتحقيق الاستقرار وتركيزها على سيادة القانون والحكم الرشيد فى مناطق ما بعد الصراع، ستظل داعش (بالإضافة إلى العديد من المجموعات المسلحة الأخرى فى المنطقة) تجد المكان والموارد للتعبئة، وبالتالى لتهديد مصالح الولايات المتحدة.
يختلف الشرق الأوسط الذى يواجهه ترامب عن ذلك الذى واجهه أسلافه. قوض نظام المنطقة المتمركز على الدولة القومية ــ حيث انهارت دول أو تعرضت أخرى لخطر شديد، وأصبحت مجموعات مسلحة وجهات فاعلة غير حكومية عنيفة تسيطر أكثر فأكثر على الهياكل السياسية والأمنية، بدلا من القوات المسلحة التقليدية التى كانت موجودة من قبل وخاضعة للأنظمة، التى تعاونت معها الولايات المتحدة على مر التاريخ.
يقول علاء الدين إن داعش قد لا تسيطر على الأراضى بالطريقة نفسها التى سيطرت عليها خلال العامين الماضيين، إلا أنه من شبه المؤكد أنها ستستمر بالاستفادة من هذه الأراضى لإعادة بناء صفوفها وتنظيمها. وما سيأتى بعد داعش غير واضح. إذ تحت الضغط، قد تنقسم المجموعة إلى عدة مجموعات أو بدلا من ذلك، قد تندمج مع حركات جهادية أخرى لتشكيل جبهة مشتركة وموحدة.
بالتالى ما لم يخطط ترامب للجلوس مع المجموعات المسلحة فى المنطقة والتفاوض معها، يبقى الخيار الوحيد القابل للتطبيق أمامه هو أن يساعد على إنشاء هياكل سياسية ذات مصداقية تتمتع بالاحترام والشرعية فى سوريا والعراق. إن عملية بناء القدرات ــ وفقا للكاتب ــ هى التى تؤدى إلى استقرار الدول، وإنعاش الاقتصادات المحلية وجذب الاستثمارات الأجنبية للمساعدة فى إعادة تأهيل المدن المدمرة، والتى تضمن أن المجموعات الجهادية والمجموعات المسلحة الأخرى غير قادرة على تعبئة صفوفها من الضعفاء والفقراء.
لقد استثمرت الولايات المتحدة بشكل كبير فى أماكن مثل العراق وأفغانستان، وكانت التكاليف باهظة. ولكن، صحيح أنه ما من نية أو سبب منطقى لنشر عشرات آلاف الأفراد فى الجيش الأمريكى مرة أخرى، إلا أن ذلك لا يعنى أن الموقف يجب أن يصبح فى الطرف المعاكس.
كما يرى أن المكونات الإنسانية والأمنية للحرب على داعش تتداخل بشكل كبير. فالاستقرار يخلق بيئة أمنية أقوى واستقرارا سياسيا أكثر فعالية، وذلك من شأنه أن يساهم فى التخفيف من حدة الأزمات الإنسانية. على سبيل المثال، لقد ساعد تدخل الولايات المتحدة خلال الأشهر الأخيرة فى تخفيف التوترات العرقية والطائفية بين الفصائل العراقية المتناحرة، ويمكن تكرار ذلك فى سوريا.
قد يتوجب أن يكون نظام الأسد جزءا من التسوية للصراع، بيد أن ذلك لا يعنى إعطاؤه وروسيا وإيران تفويضا مطلقا. إذ إن الأسد وممارسات نظامه هى التى مكنت داعش من أن تصبح ما هى عليه اليوم. ويؤكد علاء الدين أنه سيكون لفكرة تسليم مسئولية الأمن الإقليمى والدولى لروسيا والطغاة والأنظمة الاستبدادية التى يعتقد ترامب أنها ستكون «جيدة فى محاربة الإرهاب» تداعيات أمنية خطيرة على الولايات المتحدة والمجتمع الدولى بأسره. ومن شأنها أيضا أن تغير ميزان القوى فى المنطقة أكثر فأكثر لصالح منافسى أمريكا، كما أنها تقدم لهم المزيد من النفوذ فى ما يتعلق بالصراعات والنزاعات خارج منطقة الشرق الأوسط.
فما إذا الذى سيمنع روسيا من استخدام نفوذها المتزايد فى الشرق الأوسط ضد مصالح أمريكا فى أوروبا أو منطقة آسيا والمحيط الهادئ.. وما الذى سيمنع الصين من الاستفادة من إطار أمنى شهد تغيرا كبيرا ومن الشكوك التى يخلقها؟ سيحتاج ترامب أن يكون أكثر إبداعا وطموحا. ويختتم علاء الدين المقال بأن وحدها الحوكمة الرشيدة والجهود المبذولة من أجل تحقيق الاستقرار، بالإضافة إلى استراتيجية عسكرية، من شأنها أن تمنع صعود نجم داعش مرة أخرى، وليس اهتمام أمريكا بقضاياها الداخلية فقط. فهذه الأخيرة، مهما حاولت، لا يمكنها أن تحمى نفسها من التهديدات العالمية من خلال الانفصال عن هذا العالم المترابط الذى نعيش فيه.