محمد المصري.. وداعا صائد الدبابات
ناجح إبراهيم
آخر تحديث:
الجمعة 22 نوفمبر 2024 - 6:45 م
بتوقيت القاهرة
• جيل نصر أكتوبر الذهبى بدأ يودعنا منذ عدة سنوات فنفتقد فى كل يوم واحدا من أبطاله العظام، ومنذ أيام ودعت مصر البطل العظيم/ محمد المصرى صائد الدبابات الذى كنا نتغنى ببطولاته فى شبابنا فى الجامعة، وتنطلق الأغانى باسمه، فلم يحدث فى تاريخ العسكرية الحديثة قيام جندى مشاة بتدمير ٢٧ دبابة حديثة فيها دبابة عساف ياجورى قائد الكتيبة ١٩٠ مدرع إسرائيلى الذى وقع فى الأسر.
• هذه البطولة الفذة سجلتها الموسوعات العسكرية الحديثة فقد قدم البطل محمد المصرى مع زملاء أفذاذ آخرين مثل عبد العاطى صائد الدبابات الذى دمر ٢٤ دبابة إسرائيلية فى حرب أكتوبر نماذج فريدة لمواجهة مقاتل المشاة للدبابة وتدميرها ولم يكن ذلك معروفا فى العسكرية الحديثة قبل حرب أكتوبر.
• بعد أسر عساف ياجورى فى مصر طلب من المحققين أن يرى المقاتل الذى دمر دبابته فأحضروا البطل/ محمد المصرى، فرفع رأسه وأدى له التحية العسكرية وقال له مشيرا إلى أصابع البطل محمد المصرى «أنت تدمر الدبابات بهذه الأصابع»، وطلب تقبيل يده، ولكن محمد المصرى خاف أن يأكل أصابعه انتقاما منه فرفض شاكرا وقائلا: لا أحب أن أقبل أحدا أو يقبلنى أحد.
• ومن المعروف أن الذى أسر عساف ياجورى هو النقيب يسرى عمارة المشهور بصاحب الساق المعلقة حيث بترت ساقه فى الميدان وحملها واحتفظ بها حتى اليوم وله كتاب شهير يحكى قصته «الساق المعلقة» ولكنه للأسف لا يطبع الآن.
• لقد أظهر ياجورى اندهاشا كبيرا لكون جندى مشاة يواجه دبابته الحديثة جدا بصدر عار ويدمرها وكان يردد «الجنود المصريون أصابونا بالرعب».
• ومن المعروف أن ياجورى طلب رؤية القاهرة عندما كان أسيرا فوافقت السلطات المصرية فاصطحبه اثنان من الضباط وتجولوا به فى شارع سليمان باشا وسار على قدميه متلفتا حوله فى دهشة وذهول، وأمام سينما مترو طلب أن يشرب عصير قصب، من أحد المحلات وقال إنها أول مرة يشرب فيها عصير قصب وذهب إلى كنيس لليهود فى شارع عدلى للصلاة وزار الأهرام وفندق شبرد ثم عاد إلى معسكر الأسرى التابع للمخابرات الحربية، وقال وقتها لرفقائه الأسرى: إن كل ما يقولونه عن مصر فى إسرائيل كذب فى كذب.
• وبعد عودته لإسرائيل عوقب على كلماته تلك للأسرى الإسرائيليين فأبعد عن الجيش الإسرائيلى، وعمل مديرا لأحد مكاتب الهجرة اليهودية من أمريكا اللاتينية إلى إسرائيل.
• وقد نقل وقتها الصحفى الراحل/ جميل عارف هذه القصة فى تحقيق نادر له بمجلة أكتوبر التى كانت تحظى برعاية الرئيس السادات شخصيا و أوكلها لصديقه الصحفى الأثير لديه/ أنيس منصور والذى كتب خطاب السادات فى الكنيست.
• وحينما أعلنت مصر وقتها أسر العقيد ياجورى قام الإعلام الإسرائيلى بتكذيب الخبر فما كان من رئيسة قسم الإذاعة المصرية العبرية إلا أن أجرت حوارا معه وأذاعته على العالم كله ففضح الأكاذيب الصهيونية، كان الإعلام المصرى وقتها عبقريا وصادقا ومختلفا عن ٥ يونيه تماما.
• مات «محمد المصرى» فى صمت وجلال وزهد وبساطة فى المحيا والممات، ويكفيه وسام نجمة سيناء أرفع وسام عسكرى مصرى، والذى تسلمه من الرئيس السادات شخصيا، وكرمه الرئيس السيسى منذ شهر تقريبا.
• مات المصرى فى مسقط رأسه فى أبو المطامير فى صمت وشموخ فى الدنيا مثلما عاش فى الدنيا يعمل كثيرا ويتكلم قليلاً.
• سلام على هذا الجيل العظيم، سلام على الأبطال والرجال حماة الدين والوطن، الذين لم يأخذوا من الدنيا شيئا، وربنا يعوض مصر عن هذا الجيل خيرا.