الرئيس والحزب.. والجيش
عماد الدين حسين
آخر تحديث:
الأحد 23 يناير 2011 - 9:08 ص
بتوقيت القاهرة
المعلوم عن المستبدين والطغاة بالضرورة ليس فقط فسادهم وتجبرهم، لأن ذلك يتوقف عندما يسقطون أو يموتون.. لكن جريمتهم الكبرى التى تستمر حتى بعد مغادرتهم الكرسى هى قتلهم للحياة السياسية، ونتيجة لذلك يمكن تفسير كيف أن الثورة التونسية أسقطت الحاكم لكنها لم تتسلم الحكم حتى الآن.
زين العابدين ترأس حزب التجمع الدستورى، وهو حزب كرتونى كان يفوز بمعظم مقاعد البرلمان فقط لأنه حزب السلطة.. ولا يترك إلا الفتات لأحزاب صغيرة وتافهة تدعى المعارضة، وهى غارقة لأذنيها فى أداء وظيفة عامل الديكور.
بجانب هذه الأحزاب المنافقة كانت هناك أحزاب وقوى قومية ويسارية ونقابية وحركات احتجاج جرى تهميشها ومحاصرتها ومطاردتها ودفعت ثمنا باهظا لمعارضة النظام.
كان هناك أيضا اتحاد العمال «الشغل» وهو ليس كتلة واحدة، فجزء كبير منه كان مواليا للحكومة، لكن جزءا حيا كان له دور فاعل فى الثورة، ولعب دور الموجه وصمام الأمان للانتفاضة الشعبية، لكن ولأنه حركة نقابية بالأساس فلم يستطع تسلم السلطة.
قتل الحياة السياسية ليس هدفا عشوائيا للطغاة، معظمهم يفعل ذلك عامدا، حتى يقنع الناس أنه لا يوجد بديل له، لكن بعضهم أكثر دهاء، عندما يسمح لقوى متطرفة بالوجود المحدود، كى يقنع الناس والغرب، بأن البديل لنظامه هو البعبع الإسلامى. «بن» على كان مختلفا، حيث قمع الجميع وترك الحياة السياسية قاعا صفصفا.
إذن ما هى آفاق الصورة الغامضة فى تونس الآن؟!
لدينا شعب حر أنجز ثورته، لكنه لم يجن ثمارها على الأرض، ولدينا بقايا نظام يتشبث بالسلطة بكل الطرق؟. ولدينا قوة منظمة ووحيدة، هى الجيش الذى يدير البلاد فعليا الآن.
وأمام الجيش عدة سيناريوهات.
أولها أن ينجح السيناريو الراهن وأن يقود حزب التجمع الدستورى أو بقايا أنصار الرئيس الحكومة الانتقالية، حتى تنتهى الانتفاضة وبعدها يمكن إعادة تجميل النظام. لكن الاحتجاجات الشعبية تعطل إنجاز هذا السيناريو.
ثانيها: أن يخرج الجيش إلى واجهة الصورة ويحكم مباشرة، وهو سيناريو مستبعد لأنه مرفوض دوليا ومكروه محليا.
ثالثها: أن يسعى الجيش إلى إسناد الحكومة لوزراء تكنوقراط محايدين فعلا، تكون مهمتهم إجراء انتخابات نزيهة فعلا.. لكن خطورة هذا السيناريو أنه قد يأتى بقوى لا يريدها الجيش، ولا يفضلها الغرب، خصوصا أن تسريبات تقول إن القاعدة العامة فى الجيش علمانية، وبالتالى فهم لا يحبذون مجىء حكومة ذات خلفية إسلامية أو عروبية.
السيناريو الرابع: أن يلجأ الجيش إلى تشكيلة من كل هذه السيناريوهات السابقة.. يستبعد بموجبها الجزء الفاسد من حزب الرئيس ويبقى على بعض الوجوه غير الملوثة، ويشرك مجموعة من المعارضين غير الجذريين.
هل رأيتم خطورة قتل وتجريف السياسة، والتكويش على كل شىء؟!.
النموذج التونسى يقدم لنا إجابة صادمة وهى أنه فى غياب القوة المنظمة ومحاصرة وإفساد الأحزاب المدنية فإنه حتى لو نجحت الثورة فإن الذى يبقى فى الساحة فقط هو الجيش وقوى التطرف التى تعمل تحت الأرض.
الجيش خلص الشعب من الطاغية لكنه سيرفض ترك السلطة لهذا الشعب.