بانت سعاد
سيد محمود
آخر تحديث:
الثلاثاء 23 يناير 2018 - 9:52 م
بتوقيت القاهرة
(سأنجب طفلا أسميه آدم.. لأن الاسامى فى زماننا تهمة.. فلن أسميه محمد ولا عيسى.. لن أسميه عليا ولا عمرا.. لن أسميه صداما ولا حسينا.. ولا حتى زكريا أو إبراهيم.. ولا حتى ديفيد ولا جورج.. أخاف أن يكبر عنصريا وأن يكون له من اسمه نصيب.. فعند الأجانب يكون إرهابيا.. وعند المتطرفين يكون بغيا.. وعند الشيعة يكون سنيا.. وعند السنة يكون علويا أو شيعيا.. أخاف أن يكون اسمه جواز سفره. أريده آدم مسلم مسيحى.. أريده أن لا يعرف من الدين إلا أنه لله.. وأريده أن يعرف أن الوطن للجميع.. سأعلمه أن الدين ما وقر فى قلبه وصدقه وعمله وليس اسمه،...سأعلمه أن العروبة وهم.. وإن الإنسانية هى الأهم.. سأعلمه أن الجوع كافر والجهل كافر والظلم كافر.... سأعلمه أن الله فى القلوب قبل المساجد والكنائس...، وأن الله محبة وليس مخافة.. سأعلمه ما نسى أهلنا أن يعلمونا.. سأعلمه أن ما ينقصنا هو ما عندنا.. وأن ما عندنا هو الذى ينقصنا.. سأعلمه أنى بدأت حديثى بأننى سأنجبه ذكرا.. لأن الأنثى ما زالت توأد.. وأن الخلل باق فى المجتمع العربى).
هذا ما كتبه الشاعر السورى الكبير محمد الماغوط واختارت الفنانة التشكيلية سعاد مردم بك أن تضعه كنص افتتاحى لمعرضها المقام حاليا بجاليرى الزمالك.
النص على بساطته التى ميزت نصوص الماغوط كاشف عن الفكرة التى قادت الفنانة خلال رحلة العمل على معرض استثنائى حاولت فيها تأمل حضور «آدم أبو الانبياء» فى الذاكرة الإنسانية وتم تشكيله بفضل تراكم أنواع مختلفة من الميثولوجيا الدينية.
وكلنا نعرف أن صور (آدم) اختلفت ومعها اختلفت التأويلات لكن القصة النواة التى تناسلت منها قصص كثيرة لم تكن محل اختلاف وتقول إن الله سبحانه وتعالى جمع قبضة من تراب الأرض، فيها الأبيض والأسود والأصفر والأحمر، ولهذا يجىء الناس ألوانا مختلفة ــ ومزج الله تعالى التراب بالماء فصار صلصالا من حمأ مسنون.
وهذه هى النقطة التى انطلقت منها الفنانة التى يبدو كل معرض لها أقرب لمغامرة أوسؤال، وسؤالها هذه المرة يشتبك مع أسطورة الخلق وعناصر تشكلها، إذ غامرت برسم «آدم» ونزعت عنه سماته الغامضة وقربته كثيرا من التصور الذى رسم به جبران خليل جبران لوحاته الأولى لكن مردم بك ترده باللون إلى «الكهف» الذى خرج منه ليبدو أقرب لمنحوته فيها الكثير من التجريد.
قدمت «سعاد» لوحاتها فى تجاور شكل سرديتها الخاصة لتصور حالات الخلق فى تناميها وتناسلها.
تنتصر اللوحات بوضوح لحضور المرأة لكن ليس انطلاقا من موقف نسوى اعتدناه فى تجارب سابقة، فالجسد هنا كيان جمالى ومفردة تستجيب معها لفكرة «التنوع» فهى خامة طيعة تحت الطلب.
لا تستسلم مردم بك لغواية الفانتازيا فى مقاربة موضوعها الميتافزيقى بالأساس، فليست السوريالية هنا هى مفتاح اللوحة وإنما السؤال والرهان على أن جمالية العمل الفنى تكمن فى بساطة الوصول بالفكرة وعمق التناول لذلك تبدو البطلات برسوخهن مثل « أيقونات» نعرفها لكن المسافة قائمة.
ترسم «مردم بك» ببساطة رسوم الأطفال بفضل عفويتها وقوة تدفقها لكنها تؤطر أعمالها بحرفية بالغة تجلت فى قوة التمازج اللونى الذى جعل اللون فى «حالة الطين» بنداوته وطزاجة حضوره وتعاملت مع الموتيفات كزخارف لا تكف عن إنتاج الدلالات ( تفاحة الغواية / الطيور/ القطط ) لكنها هنا جاءت لغرض «ترصيع» اللوحة كما يفعل الجواهرجى مع قطعة الماس وهى ليست أقل أبدا من ذلك.