مشكلة خطيرة ما زالت فى بداياتها

العالم يفكر
العالم يفكر

آخر تحديث: الأربعاء 23 فبراير 2022 - 9:25 م بتوقيت القاهرة

نشرت مؤسسة الفكر العربى مقالا مترجما للكاتبة رفيف رضا صيداوى، تقول فيه إن مسألة الهجرة ستكون القضية الأساسية ضمن الأحداث الدولية للعقد المقبل، متناولة بشكل مفصل موجة الهجرة الآتية من الشرق الأوسط لأوروبا وكذلك الأحداث التى تجرى حاليّا على الحدود بين بيلاروسيا ولتوانيا.. نعرض من المقال ما يلى.
«مشكلة خطيرة تكاد تبدأ»، هو عنوان مقالة نَقَلَتْها دوريّة «كورييه إنترناسيونال» الفرنسيّة فى عددها الصادر فى 25 نوفمبر ــ 1 ديسمبر 2021 عن صحيفة «روسّيسكاى غازيتا» الروسيّة؛ والمقالة المنشورة فى التاسع من نوفمبر 2021، عائدة لعالِم الجيوبوليتيك الروسى «فيودور لوكيانوف»، الذى حذَّرَ فيها بقوله إنّ هذه المشكلة ليست سوى «مويجة» ممّا ينتظر أوروبا ما بعد الكولونياليّة فى السنوات القادمة.
• • •
مَوجة الهجرة الآتية من الشرق الأوسط، والتى اجتاحت أوروبا فى العام 2015، سلَّطت الضوءَ على الاختلاف أو التعارُض الشديد بين الدول الأعضاء للاتّحاد الأوروبى. فلأسباب عدّة، خمَّنت أوروبا الغربيّة، المعتادة على تدفُّق السكّان من المناطق الأقلّ ازدهارا فى العالَم، أنّه سيكون من الأقلّ خطرا أن تفتح أبوابها وتستقبل هؤلاء المُهاجرين بأعدادٍ كبيرة. الموقف الذى تبنّته المستشارةُ الألمانيّة أنجيلا ميركل كان حاسما. فإذا كانت هى قد اتّخذت قرارا باستقبال مليون مُهاجِر، فذلك لم يكُن، أو لم يكُن حصرا، لأسبابٍ إنسانيّة فحسب، بل لتجنُّب الانفجار الداخلى تحديدا فى البلدان المُجاورة للمراكز الأوروبيّة الكبرى. ففى الواقع، شهدت الدولُ التى عَبَرَتها قافلةُ المُهاجرين هذه أوضاعا متفجّرة.
بعد سنواتٍ ستّ، يُمكننا أن نلاحظ أنّ أحلك التوقّعات والتكهّنات السياسيّة لذلك الوقت لم تتحقّق. البلدان الأوروبيّة الأكثر غنىً نجحت فى امتصاص تدفُّق الهجرة، حتّى ولو كانت لهذه الأحداث نتائج سيكون من المناسب تحليلها على المدى الطويل. وقد ظَهَرَ من ثمّ أنّ الأعضاء الجُدد للاتّحاد الأوروبى لم يفهموا على الإطلاق منطق الدول الأوروبيّة الكبرى. لم تنجح مُحاوَلةُ برلين وبروكسل فى فرْضِ كوتا لتوزيع اللّاجئين فى كلّ أرجاء الاتّحاد الأوروبى. فمن جهة لم يكُن المُهاجرون يرغبون بالبقاء فى بلدان الاتّحاد الأوروبى الأقلّ نموّا، فى ظلّ غياب أيّ دعمٍ اجتماعى. ومن جهة أخرى، كانت دول أوروبا الوسطى والشرقيّة أساسا ضدّ فكرة استقبالهم.
• • •
مسرحيّة تراجيديّة. فى ألمانيا وفى غيرها من بلدان أوروبا الغربيّة، بدا الرأى العامّ شديد الانتقاد لجيرانه فى الشرق. وكانت الفكرة العامّة كالآتى: لقد غَمَرْنا جيرانَنا بالنِّعم بقبولهم فى الاتّحاد الأوروبى، وهُم يرفضون المُشاركة فى الجهد الجماعى، ولو باستقبالِ بعض مئات المُهاجرين. الخلاصة: هُم ليسوا ناضجين كفاية ليكونوا حقّا جزءا من العالَم المتحضِّر. المعلّقون الأكثر خبرة فى أوروبا الشرقيّة ردّوا مُنتقدين عجز البلدان الأوروبيّة الأكبر حجما والأكثر ازدهارا عن فهْم حقيقة أنّ «بعض مئات اللّاجئين هؤلاء» يشكّلون بالنسبة إلى البلدان الأصغر والأقلّ ازدهارا حِملا مُختلفا تمام الاختلاف. فبعيون الألمان مثلا، القادرين على استقبال مئات آلاف الأشخاص من ثقافات وديانات مُختلفة، فإنّ بعض المئات وحتّى الآلاف من الغرباء لا يؤثّرون على بلغاريا أو سلوفاكيا. غير أنّ لهذه الدول الصغيرة، التى لم تحصل على سيادتها الوطنيّة أو لم تحقِّقها إلّا مؤخّرا، رأيا آخر فى القضيّة. وخوفها من فقدان هويّتها الذاتيّة ليس نظريّا أو مجرّدا، بل حقيقى، على الرّغم من أنّه مبالغ فيه.
هكذا، فإنّه فى منتصف العام 2010، أضحت أزمة الهجرة نقطة خلاف رئيسة فى قلب الاتّحاد الأوروبى. صحيح أنّ القضايا الخلافيّة كانت قائمة، غير أنّ هذه القضيّة تجلّت على مستوى ذهنى أعمق بكثير.
الأحداث التى تجرى حاليّا على الحدود بين بيلاروسيا ولتوانيا، وبخاصّة بولندا، تفتح فصلا جديدا فى دراما الهجرة، من شأنه أن يصبح، كما نرى، منعطفا فى مسرحيّة تراجيديّة. لندَعْ جانبا مسألة معرفة كيف وُجِدَ هؤلاء النازحون من الشرق الأدنى تحديدا هنا. للأسف، فإنّ ظاهرة الهجرة تسمح للبعض باستغلال تطلّعات هؤلاء الأشخاص إلى حياةٍ أفضل لغاياتٍ سياسيّة وتجاريّة. من الواضح أنّ تجربة الرئيس التركى أعطت أفكارا للآخرين. أمّا ردودُ أفعال الدول التى توجد على طريق هؤلاء الأشخاص السائرين نحو مستقبلٍ مُشرق، فظهرت متدفّقة كالشلّال.
نحنُ نُشاهد دائما هذا الهلع من تدفُّق الأجانب من جهة، كما نلاحظ من جهة ثانية ذاك الإحجام الدائم والقوى عن عدم تسييس هذه الموضوعات المهمّة. من الواضح أنّ تدفُّق المُهاجرين من أراضى بيلّاروسيا ينبغى أن يُناقَش مع السلطات البيلّاروسيّة على وجه الخصوص. وهذا ما كان عليه الأمر مع تركيا خلال مَوجة الهجرة السوريّة. غير أنّ وارسو تبنّت، شأنها فى ذلك شأن الاتّحاد الأوروبى، موقفا متصلّبا برفضها الحوار مع مينسك، عاصمة بيلّاروسيا، طالما أنّ «ألكسندر لوكاشينكو» لا يزال فى الحُكم؛ الأمر الذى كان من نتائجه تقديم مشهد غير مُستحَبّ للعالَم بأسره، تتصدّره بولندا، المُدجَّجة بالسلاح، وهى تصدّ اللّاجئين وتطردهم أمام عدسات الكاميرات (حينها، تحدّثت أنجيلا ميركل هاتفيّا مع ألكسندر لوكاشينكو).
• • •
إذا ما راقبنا هذه الأحداث من ضمن سياقٍ أكثر شموليّةً، يكون منفصلا عن أحداث العالَم ما بعد السوفياتى، سنرى أنّ ظاهرة الهجرة الكثيفة للسكّان تؤذِن أو تَعِدُ بأن تكون القضيّة الأساسيّة من ضمن سلسلة القضايا والأحداث السياسيّة الدوليّة للعَقد المُقبل. فى البلدان الغنيّة، أصبحَ خطاب اليسار الذى يدين الكولونياليّة وما يستتبعها، شعارَ التقدّميّين. وهذه الأفكار تُضاف إلى إرادة إغلاق الباب أمام الذين يظنّون أنّ العالَم المتطوِّر مدينٌ لهم منذ الحقبة الكولونياليّة.
يُحتمل لهذه المواجَهة أن تكون قابلة للانفجار. فكلّما ابتعدنا عن القرن العشرين، بانَ كم كان إنهاء الاستعمار فى نهاية المطاف الحدثَ السياسى الرئيس للقرن الفائت، وذا التأثير الأكثر استدامة. وهكذا فإنّ تداعياته سوف ترسم وتشكِّل صورةَ العالَم التى سيكون عليها خلال خمسٍ وعشرين سنة، وربّما أكثر، أى خلال خمسين سنة. دوّامات اليوم أو اضْطراباته ليست سوى البداية.
النص الأصلى:

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved