مستقبل العالم مرهون بمستقبل الذكاء الاصطناعي ورقائق الكمبيوتر
محمد زهران
آخر تحديث:
الجمعة 23 فبراير 2024 - 7:55 م
بتوقيت القاهرة
عنوان هذا المقال قد يثير عند القارئ عدة تساؤلات: ما هى رقائق الكمبيوتر؟ وما العلاقة بين الذكاء الاصطناعى ورقائق الكمبيوتر؟ ولماذا اخترنا الكلام عن مستقبلهما دونا عن تكنولوجيات أخرى؟ مقال هذا الأسبوع يناقش تلك الأسئلة ويلقى الضوء على العلاقة بين التكنولوجيا والاقتصاد والسياسة فلا انفصال بينهم فى عصرنا هذا. ما شجعنى على كتابة هذا المقال هو الخبر الذى انتشر كالنار فى الهشيم عن سام التمان (Sam Altman) المدير التنفيذى لشركة OpenAI (مصممة برنامج «chatGPT») الذى دخل فى مفاوضات مع شركات كبرى ورجال أعمال للحصول على تمويل لبناء مصانع رقائق كمبيوتر، حتى الآن الخبر قد يبدو عاديا لكن التمويل الذى يبحث عنه الرجل غير عادى، إنه يريد أن يجمع من خمسة إلى سبعة تريليونات دولار، نعم تريليون وليس مليارا. لكى نعرف حجم هذا المبلغ فهو أكبر من الناتج القومى لإنجلترا وضعف عائد سوق السيارات العالمية فى 2023 وأكثر من 12 ضعف عائد سوق رقائق الكمبيوتر سنة 2023. لماذا يريد كل هذا المبلغ من أجل بناء مصانع لرقائق الكمبيوتر؟...
ما علاقة رقائق الكمبيوتر بالذكاء الاصطناعى؟
رقائق الكمبيوتر (chips) هى ببساطة «عقل» جهاز الكمبيوتر، هى الدوائر الإلكترونية المختصة بتشغيل البرمجيات. هناك رقائق أخرى للذاكرة ولوظائف أخرى لكن عندما تذكر كلمة رقائق ففى الغالب الأعم المقصود هو تلك الرقائق التى تقوم بالعمليات الحسابية وبالتالى هى أهم قطعة فى أجهزة الكمبيوتر كلها. تلك الرقائق أنواع وما نقصده فى هذا المقال الرقائق المصممة خصيصا لتشغيل برمجيات الذكاء الاصطناعى (AI Chips) بسرعة وكفاءة عاليتين. وهذا النوع من الرقائق هو ما يريد سام التمان الذى ذكرناه فى بداية المقال أن يحصل على تمويل لبناء مصانع لإنتاجها بكميات كبيرة لأنها تدخل فى تصميم كل شىء تقريبا: بخلاف أجهزة الكمبيوتر العادية نجدها أيضا فى السيارات والطائرات والكثير من الأسلحة والأجهزة الطبية والكثير من الأجهزة المنزلية إلخ....
لماذا نركز على الرقائق والذكاء الاصطناعى؟
الذكاء الاصطناعى يتغلغل فى كل مناحى الحياة وبالتالى سنحتاج تلك الرقائق التى تكلمنا عنها بغزارة. مستقبل أغلب التكنولوجيات، بل والتقدم العلمى فى مختلف المجالات يعتمد على الذكاء الاصطناعى الذى يعتمد بدوره على تلك الرقائق. الأبحاث الطبية والفيزيائية والكيميائية إلخ أصبحت تعتمد فى الكثير من عملها على نظم المحاكاة والذى أصبح يعتمد على أجهزة الكمبيوتر فائقة السرعة وبرمجيات الذكاء الاصطناعى. لذلك فهاتان التكنولوجيتان: الذكاء الاصطناعى ورقائق الكمبيوتر هما الأهم وتتصارع عليهما الدول الكبرى ونعنى بذلك أمريكا والصين....
أمريكا والصين وحرب الرقائق
حاليا تعتبر أمريكا أن الدولة الأكثر خطرا عليها هى الصين، لذلك فهى حساسة جدا ناحية أى تحرك صينى على المستويات السياسية، والاقتصادية، والعسكرية، والاقتصادية. سنركز هنا على الجزء التكنولوجى. الموضوع بدأ من إدارة أوباما وتكمله إدارة بايدن التى قررت منع بيع الرقائق الحديثة للصين. شركة انفيديا (Nvidia) وهى من أكبر مصممى تلك الرقائق فى العالم غير مسموح لها ببيع آخر جيلين للصين. هنا يجب أن نفرق بين تصميم الرقائق وتصنيعها (سام ألتمان كان يتكلم عن التصنيع). أكبر مصنع هى شركة (TSMC) حيث تصنع نحو 54% من الرقائق فى العالم، وتقع تلك الشركة فى تايوان ومن هنا نرى وميض جمر يوشك أن يشعل حربا إذا حاولت الصين اجتياح تايوان. الرقائق الحديثة جدا هى ما يحتاجه العالم الآن فى ظل عصر المعلومات الكبيرة الذى نعيش فيه ومنع تلك الرقائق عن الصين يضعها فى مأزق. إذا ما حاولت الصين تصنيع رقائق حديثة عندها فالموضوع ليس بتلك السهولة لأن التصنيع يحتاج أجهزة متقدمة جدا وكذلك برمجيات متقدمة لإدارة تلك الأجهزة والتى تمنعها أيضا أمريكا عن الصين.
يجب أن نضع فى الاعتبار أن الرقائق التى نحتاجها فى السيارات والطائرات لا تحتاج أن تكون من الأجيال الحديثة وهو ما يساعد الصين قليلا. هناك أيضا تكنولوجيا جديدة تسمى (chiplets) تحاول الصين استخدامها للوصول إلى رقائق متقدمة دون الحصول على المنتجات الممنوعة. هذه التكنولوجيا الجديدة هى وسيلة تصنيع ومنشورة فى المجلات العلمية المحكمة ويمكن استخدامها فى مصانع أقل تقدما وهذا ما تحاول الصين استخدامه الآن.
لكن فى وسط حرب الرقائق هذه هل الصين فعلا متأخرة عن أمريكا فيما يتعلق ببرمجيات الذكاء الاصطناعى؟...
أمريكا والصين وحرب الذكاء الاصطناعى عندما نتكلم عن الذكاء الاصطناعى فى أيامنا هذه فإنما نعنى نوع معين من الذكاء الاصطناعى يسمى تعليم الآلة (machine learning)، وهذا النوع من البرمجيات يجب «تعليمه» أو تدريبه باستخدام كم كبير من البيانات قبل استخدامه، إذا نحتاج رقائق كمبيوتر متقدمة توضع فى أجهزة كمبيوتر فائقة السرعة من أجل خطوة «التعليم»، ونحتاج رقائق أقل تقدما من أجل استخدام البرمجيات لاتخاذ القرارات بعد أن تم تعليمها، ونحتاج برمجيات الذكاء الاصطناعى نفسها، ونحتاج بيانات ضخمة تستخدم فى تعليم الآلة. ما هو وضع أمريكا والصين فى كل واحدة من تلك النقاط الأربعة؟
• أمريكا متفوقة فى تصميم الرقائق الأكثر تقدما والحاسبات فائقة السرعة التى تستخدم فى تعليم الآلة.
• أمريكا والصين متعادلان فى تصميم وتصنيع الرقائق المستخدمة لتشغيل برمجيات الذكاء الاصطناعى، وإن كان هناك نقطة فى صالح الصين حتى الآن وهى أن حكومتها مركزية وبالتالى «تأمر» الشركات الصينية الكبرى فى أبحاث الذكاء الاصطناعى مثل (Baidu) و(Alibaba) و(Tencent) بالتكامل وليس التنافس، بعكس الشركات الأمريكية التى تتنافس فيما بينها ومتروكة لاقتصاديات السوق.
• برمجيات الذكاء الاصطناعى نفسها والأبحاث المتعلقة بهذا المجال متروكة للمنافسة فى العالم كله، كثير من الدول عندهم متخصصون فى هذا المجال على درجة كبير من البراعة، وتحاول الشركات الكبرى استمالتهم.
• بالنسبة للبيانات الضخمة فالصين لها اليد العليا لأن عندها معلومات مليار ونصف من المواطنين واستخدام تلك المعلومات لا يخضع لرقابة شديدة بعكس أمريكا مثلا التى تهتم بموضوع خصوصية المعلومات أكثر من الصين.
ما زال التنافس مشتعلا ولا يوجد فائز واضح حتى الآن على الأقل....
هناك من يعارض مشروع سام التمان، أولا هناك من يرى أن تطوير كفاءة الرقائق وصرف الأموال نحو هذا الهدف أهم من صرف الأموال فى بناء مصانع تهدف فقط لزيادة عدد الرقائق. ثانيا هناك من يرى أن 4% من المبلغ الذى يطلبه التمان يكفى لحل مشكلة الجوع فى العالم حتى سنة 2030 حسب تقدير الأمم المتحدة، لكننا فى نعيش فى عالم قاس لا قلب له والربح المادى أهم من أرواح الناس.
الاقتصاد هو سلاح الدول الكبرى للتحكم فى الدول الأخرى وهذه سياسة الامبراطوريات على مر الزمان، لكننا نغفل عنصر التكنولوجيا فى هذه المعادلة. التكنولوجيا والعلم والتعليم يمثلون مثلث القوة الذى يمكنه التغلب على قمع الدول الكبرى على المدى الطويل.