«شرعية النصر» على كورونا
طلعت إسماعيل
آخر تحديث:
الإثنين 23 مارس 2020 - 10:00 م
بتوقيت القاهرة
عالم ما قبل ظهور فيروس «كوفيد 19» الشهير بكورونا، لن يكون كما بعده، ثمة اتفاق بين العديد من المحللين والمتابعين لتفاعلات الوباء الذى صنفته منظمة الصحة العالمية «جائحة عالمية»، بأن الحياة وسلم أولويات الناس والحكومات، سيتغير بقوة، بدءا من العلاقات الاجتماعية بين البشر بعضهم البعض، ومرورا بتعامل الحكومات مع شعوبها، بل وسنشهد قطيعة بين الماضى القريب والمستقبل الذى يتشكل.
ها هم البشر يغيرون من سلوكهم «مقتنعين» كانوا أم «مجبرين»، تحت وطأة الخوف من غزو الوباء عقر دارهم إن لم يتبعوا التعليمات الصحية، والأخذ بالإجراءات الاحترازية التى تضعها السلطات للحد من انتشار الفيروس، حتى وإن حدت من حرية الناس وقمعت حاجتهم الطبيعية للتواصل باعتبار الإنسان كائنا اجتماعيا مجبولا على «الونس»، وحب الرفقة.
وفى المعركة الممتدة على كورونا اضطرت الحكومات إلى تبديل قائمة أولوياتها اليومية فى حكم البشر، وأصبح القطاع الصحى، القطاع الأولى بالاهتمام والرعاية، فرصدت الميزانيات، ووجهت التحية لأبطاله الذين يخوضون حربا لا هوادة فيها على فيروس لعين نشر الهلع فى العالم، شرقه وغربه، شماله وجنوبه، وباعتبار الأطباء وباقى فرق التمريض المعاونة خط الدفاع الأول عن البشرية فى مواجهة عدو شرس لا يفرق بين فقير أو غنى، ولا بين حاكم أو محكوم.
اليوم يتابع الناس فى كل مكان، وفى ظل وسائل إعلام، متنوعة الشكل والمضمون، كيف يخوض كل بلد حربه مع القاتل الخفى، ويرصدون تجربة هذه الحكومة أو تلك، وهذا الشعب أو ذاك فى كيفية تحصين دفاعاته، وطريقة صده للهجوم الضارى على جميع الجبهات، لعل البشر يتعلمون من بعضهم البعض طرقا أفضل للنجاة من الموت المخيم على الأجواء.
لا تزال التجربة الصينية التى عزلت إقليما بكامله، وحاصرت الوباء فى منطقة شاسعة يسكنها عشرات الملايين من البشر، تحظى باعجاب البعض، وتلقى الاستحسان حتى وسط أولئك المختلفين مع النظام الصينى الذى يتهمونه بالاستبداد والقمع، فى مقابل انتقادات واسعة لحكومات ديمقراطية يرون أنها فشلت «بطراوتها ولينها» فى احتواء الأزمة القائمة، بل والتسبب فى تفاقم الآثار السلبية لكورونا، والأصابع هنا تشير إلى الحكومات فى أوروبا، تحديدا، وإن تفاوتت حدة الانتقاد واللوم التى تبلغ ذروتها مع إيطاليا.
وبين الإعجاب بتعامل الصين، ومن اتخذ طريقتها دليلا مرشدا فى مكافحة الفيروس، والنقد العنيف لتباطؤ غالبية البلدان الغربية فى الحد من انتشاره، تتشكل حاليا شرعية جديدة لكل حكومة، ديمقراطية كانت أم ديكتاتورية، اسمها «شرعية النصر» على كورونا، فليس مهما أن تكون ديمقراطيا أم سلطويا، لكن الأهم أن تصل إلى الطريقة الأنجع لصد الوباء.
فمع كل فعل إنسانى كبير يمنع خطرا، أو يغير مسارات الأمم والشعوب، كالثورات والحروب، تكتسب الأنظمة شرعية، أو تسقط عنها، فالنجاح أو الفشل فى صد الأوبئة قد يعزز أنظمة، أو يخلق غيرها، لا يهم هنا فى نظر الشعوب، عقب انقشاع الغمة، من كان ديمقرطيا، أو لجأ إلى الاستبداد، فعملية الإنقاذ الجماعى من الهلاك، هى معيار التقويم عندما تأتى ساعة الحساب.
ومن هذا المنظور اعتقد أن «شرعية حرب كورونا»، ستسقط الدعم والتأييد الذى كانت تحظى به بعض الحكومات، إذا فشلت فى التعامل بحزم مع انتشار الفيروس، فى الوقت الذى ستنال فيه حكومات كانت أقل شعبية، بل ومتهمة بالاستبداد، مصداقية أكبر بمقدار نجاحها فى الخروج من الأزمة الحالية بأقل خسائر بشرية، وإن تكبدت أعباءً مادية هائلة.
الحرب على كورونا تحتاج إلى استخدام كل الأسلحة، وألا ترتعش الأيدى، أو تخاف النفوس عند اتخاذ القرارات التى تضمن تجنيب الناس الموت بالفيروس اللعين الذى قد يستهين به البعض، فالحد من الحريات الفردية والتضييق على تحرك الجماعات، وإغلاق دور العبادة، وإلزام الناس بيوتهم، لفترات مؤقتة، طالت أم قصرت، هو السم الزعاف الذى نواجه به الأوبئة.