مستقبل الحروب الهجينة فى أفريقيا بعد أزمة أوكرانيا
العالم يفكر
آخر تحديث:
السبت 23 أبريل 2022 - 7:35 م
بتوقيت القاهرة
نشر مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة مقالا بتاريخ 19 أبريل للكاتب حمدى عبدالرحمن تناول فيه التهديدات التى تفرضها الحروب الهجينة على أفريقيا... نعرض منه ما يلى:
تشكل الحروب الرقمية والحروب الإعلامية الركائز الأساسية «للتهديدات الهجينة» التى تصاعدت وتيرتها، لاسيما بعد احتدام الصراع الدولى بين الدول الغربية وكل من روسيا والصين، والذى بلغ ذروته وجسدته الأزمة الأوكرانية الحالية. وقد امتدت مسارح الحروب الهجينة لتشمل العالم بأكمله وفى القلب منه أفريقيا.
فقد أكد معهد الدراسات الأمنية فى جنوب أفريقيا، أن أفريقيا أصبحت مسرحا للتهديدات الهجينة، ومن أهم أمثلتها مزاعم الحملات والروايات الإعلامية، المدعومة من دول خارجية، والمصممة بعناية لهندسة الانقسامات السياسية فى الدول الأفريقية وعلى رأسها مالى وأفريقيا الوسطى وبوركينا فاسو، وهى الدول التى تعانى من تزايد مخاطر الجماعات الإرهابية العنيفة وأضيف لها التهديدات غير التقليدية النابعة من الحروب الهجينة. والتى كان منها أيضا توجيه هجمات إلكترونية على منظمات الإغاثة الإنسانية، مثل اللجنة الدولية للصليب الأحمر.
كما أن استخدام الطائرات من دون طيار كأسلحة فعالة فى مناطق الصراعات بالقرن الأفريقى والساحل وموزمبيق، من قبل كل من الجماعات المسلحة العنيفة أو الجهات الحكومية أو وكلائها، يشير أيضا إلى مخاطر هذا الاتجاه الناشئ الذى تمثله الحروب الهجينة فى الواقع الأفريقى.
• • •
لقد أعادت الحرب الأوكرانية الروسية الاعتبار للنقاش الدائر فى حقل العلاقات الدولية عن مفهوم الحروب الهجينة، والذى تم استخدامه منذ بداية القرن بمعان متعددة. وهو المفهوم الذى اكتسب زخما كبيرا بعد قيام الولايات المتحدة والدول الغربية بفرض عقوبات على موسكو، وانتشار الروايات المتضاربة على وسائل التواصل الاجتماعى حول جرائم الحرب المزعومة فى أوكرانيا، وذلك فى الوقت الذى يظل فيه الموقف الأفريقى من الحرب منقسما بشدة كما ظهر فى التصويت الأممى على قرار إدانة الغزو الروسى لأوكرانيا.
فقد أصبحت الحرب الهجينة خيارا مفضلا لإدارة فن الحكم، الذى يستبطن أهدافا خبيثة غير أخلاقية فى المنطقة الرمادية بين السلام والحرب. وأصبحت مهاجمة نقاط ضعف الخصوم، خاصة المرتبطة بشبكات الطاقة الوطنية، والبنية التحتية الحيوية، اتجاها دوليا متزايدا.
يشير الهجوم الهجين إلى استخدام الأساليب غير التقليدية كجزء من نهج الحرب متعدد المجالات وذلك بهدف شل حركة الخصم من دون الانخراط فى أعمال عدائية مفتوحة. ومما يزيد من خطورة هذه التهديدات المختلطة أنها ترتبط بشكل شائع بالإرهاب والجريمة المنظمة والقوى المتطرفة داخل المجتمع.
ويعتبر كثيرون أن الحرب الهجينة تم تبنيها من قبل جهات دولية فاعلة، ردا على التفوق العسكرى التقليدى الغربى. وقد حققت الحرب الهجينة بالفعل نجاحات كبيرة فى مجال السياسة. وقد أدى ذلك إلى حديث المحللين عن ظهور مجموعة كبيرة من «التهديدات الهجينة» الجديدة قد ظهرت إلى عوالم الصراعات المتعددة، منها استخدام الفضاء الإلكترونى باعتباره من الأدوات الصراعية، وهو ما يعنى رقمنة الحروب.
• • •
يمكن تحديد ثلاثة مجالات أساسية للتهديد الهجين فى الواقع الأفريقى
إشكالية الوصول إلى المعلومات ووسائل التواصل الاجتماعى: تُظهر خبرة الممارسة العملية أن العديد من المواقع الإلكترونية ومنصات التواصل الاجتماعى تعمل كمصادر لبث الأخبار المزيفة ونظريات المؤامرة، وتضلل المستخدمين من خلال المعلومات الكاذبة، والأفكار المسبقة والمفاهيم الخاطئة التى تنتشر بسرعة مذهلة.
وقد أظهرت الحروب الأهلية فى ليبيا وإثيوبيا، على سبيل المثال، دور التضليل الإعلامى، ونشر المعلومات الكاذبة على وسائل التواصل الاجتماعى، فى بث روح الانقسام والفرقة المجتمعية.
وقد كشف المجلس الأطلنطى فى فبراير 2022، عن حملة منسقة بعناية وبدعم من روسيا عبر الإنترنت موجهة لمالى، وكان هدفها، وفقا للباحثين، إثارة المشاعر المعادية للغرب، وتقويض بناء الديمقراطية من خلال حشد الدعم الشعبى نحو حكومة الرئيس المؤقت، عاصمى غوتا، والجيش المالى فى أعقاب انقلاب مايو 2021. وتزامن ذلك مع الوقت الذى كانت تستعد فيه فرنسا للإعلان عن سحب قواتها من مالى. وقد روجت المنشورات على وسائل التواصل الاجتماعى لخطاب شعبوى مؤيد للمجلس العسكرى الانتقالى فى مالى، كما أيدت وصول مجموعة فاغنر المدعومة من الكرملين قبل نشرها فى مالى.
ومن جانبها، استخدمت القوى الغربية أيضا تكتيكات هجينة للتأثير على المنطقة. ففى عام 2020، أزال فيس بوك منشورات صادرة من حسابات مزيفة فى فرنسا والتى كانت تروج لخطاب عدائى ضد روسيا. ولم تكن مالى وحدها ضحية هذه الحروب المعلوماتية الهجينة، وإنما انجرفت دول أخرى مثل بوركينا فاسو وأفريقيا الوسطى لتصبح ضحية للحرب بالوكالة بين الشرق والغرب.
استغلال الثغرات فى قدرات الدولة: من المرجح أن الافتقار إلى وظائف محددة للدولة يفتح فرصا واسعة للتأثير والتدخل. ففى جمهورية أفريقيا الوسطى، أتاح ضعف الأجهزة الأمنية الفرصة أمام روسيا لتتمتع بنفوذ كبير فى البلاد من خلال قطاعات الاستخبارات والأمن والدفاع.
وتوجد هذه الفجوات فى الخبرة فى مختلف القطاعات، وذلك فى الوقت الذى أصبحت فيه الحاجة ملحة لتطوير البنية التحتية وشبكات الطاقة وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات السلكية واللاسلكية، مما يوفر مداخل متعددة للوصول إلى المعلومات والبنية التحتية الحيوية للجهات الحكومية من قبل القوى الخارجية.
ومن الأمثلة على ذلك الهجوم الذى حدث فى منتصف نوفمبر عام 2021، الذى استهدف محطتين استراتيجيتين لتوليد الطاقة فى جنوب أفريقيا مما أدى إلى تجدد نوبات انقطاع التيار الكهربائى فى البلاد. وبعد التحقيقات أصدر الرئيس التنفيذى لشركة اسكوم بيانا قال فيه إن هناك أدلة على حدوث تخريب، وعليه يمكن تصنيف هذه الحادثة داخل نطاق التهديدات الهجينة، أو بشكل أكثر ملاءمة، الهجمات الهجينة.
وتساوى بعض التفسيرات بين سوء الإدارة والفساد والإرهاب المحلى. ومن ثم فقد يكون المصدر الآخر المحتمل للهجوم أولئك الذين يسعون وراء المصالح التجارية الكبيرة فى سوق الطاقة المتجددة المتنامى فى جنوب أفريقيا. على سبيل المثال، ستستفيد دولة مثل الصين، وهى أكبر مصنّع ومنتج للألواح الشمسية، بشكل كبير من ازدهار سوق الطاقة المتجددة فى جنوب أفريقيا بعد زعزعة استقرار شركة اسكوم لإنتاج الكهرباء.
الفساد وأعمال السمسرة المزيفة. إن مشاريع البنية التحتية الضخمة فى أفريقيا ــ التى تمولها وتنفذها بشكل رئيسى الشركات الأجنبية والقروض الأجنبية ــ معرضة بشدة للفساد وسوء الإدارة، غير أنها، بفضل حجمها، تشكل تحديا مباشرا للدول الأفريقية ويوقعها فى فخ الديون. فعلى سبيل المثال، يعتبر البعض أن الصين قد عرضت عن عمد قروضا ضخمة على زامبيا، وهى تدرك تماما أن لوساكا لن تكون قادرة على سدادها، مما يمكن بكين من الاستيلاء على إدارة مطار كينيث كاوندا الدولى فى حالة العجز عن السداد. ويمكن الإشارة إلى حالات مماثلة فى حالة ميناء مومباسا الكينى، وهو البوابة التجارية الرئيسية لشرق أفريقيا. كما أن احتكار قطاعات الاتصالات ــ مثل الدور الحصرى لشركة زد تى إى كوربوريشن، وهواوى، وشركة الصين للاتصالات السلكية واللاسلكية فى إيثيو تيليكوم الإثيوبية ــ يجعل هذه الأطراف الخارجية (الصين) تمارس نفوذا غير محدود تقريبا فى البلدان المتضررة.
بالإضافة إلى ما ذكر سابقا، فإن الوصول إلى التقنيات المتقدمة، وانتشار الأسلحة والاستخدام المبتكر للأسلحة التقليدية (مثل الطائرات من دون طيار) إلى جانب صعوبات إسناد المسئولية عند حدوث أى هجوم، يشكل التحدى الأكبر فى النزاعات المستقبلية، ويصعب من تحديد استجابات مناسبة ضد خصم غير محدد. لقد أدى تطور قطاع تكنولوجيا المعلومات والاختراق المتزايد للاتصالات السلكية واللاسلكية فى الإدارة والتمويل، إلى جعل عالم الإنترنت للجهات الفاعلة الأفريقية أكثر عرضة للخطر من أى وقت مضى. ومع كل ما سبق فإن التهديدات الهجينة ليست مجرد ظاهرة سلبية فى القارة الأفريقية.
• • •
إن قيام العديد من الجهات الفاعلة باستخدام الحرب الهجينة كجزء من أدواتها غير المتكافئة باعتبارها عمليات مؤثرة، بدلا من صراع عسكرى مفتوح، يساعد على تقليل مستوى العنف وعدد الضحايا ــ على الأقل على المدى القصير ــ وهذا يترك مساحة أكبر للمفاوضات ومجالا للمناورة لمختلف الجهات الفاعلة. وربما يبدو ذلك أكثر وضوحا إذا قارنا هذا النهج بالمراحل التاريخية المختلفة للحروب والصراعات الأفريقية العنيفة، بينما أدت التدخلات الخارجية فى القرنين التاسع عشر والعشرين إلى عنف ممتد وموت الملايين، كانت النزاعات فى العقود الأخيرة منخفضة الحدة نوعا ما، أكثر تطورا وأقل دموية. ومع ذلك، فإن الآثار طويلة المدى للحرب الهجينة ربما تكون أكثر تدميرا بسبب تقويض قدرة الحكومة والمجتمع على الصمود أمام هذه التحديات التى يفرضها عالم ما بعد الحقيقة.
لقد أضحت الحرب الهجينة تجمعا بين الأشكال التقليدية للنزاع المسلح والأدوات الاستراتيجية الأخرى التى تشمل العمليات المعلوماتية للتأثير على الأحداث وتخريبها أو إعادة تأطيرها. كما أنها تنطوى على هجمات إلكترونية تستهدف أجهزة الكمبيوتر بشكل مباشر أو تستخدم الإنترنت لتنفيذ جرائم تقليدية، مثل الابتزاز والاحتيال. فى جميع أنحاء أفريقيا، يتم نشر الأسلحة الهجينة فى أوقات الصراع والسلام، مما يقوض مفاهيم دولة النظام والقانون. كما يتم استخدامها لجمع الأموال للمؤسسات الإرهابية أو الإجرامية. وعلى أية حال فإن التهديد الناشئ فى القارة من استخدام الهجوم السيبرانى وحرب المعلومات المزيفة من قبل كيانات الدولة ووكلائها وخصومها على السواء للحصول على مزايا جيواستراتيجية يجعل صراعات المستقبل أمرا بالغ التعقيد والتشابك. وعلى سبيل المثال، فإن انتشار تكنولوجيا الطائرات من دون طيار عبر أفريقيا يمثل مظهرا مهما من مظاهر التهديد الهجين. إذ إن عمليات التحكم عن بعد فى أماكن مثل إثيوبيا ودول الساحل تخاطر باستخدامها لتسوية النزاعات المحلية فى غياب تدابير رقابية صارمة.
تحتاج الدول الأفريقية إلى دراسة هذه الأحداث والتطورات والتعلم منها. ربما تبدو هذه التهديدات الهجينة بعيدة أو تمثل ترفا فكريا فى نظر البعض نظرا للاحتياجات الإنسانية الملحة للقارة، لكن العواقب بالنسبة للأمن الإنسانى بالغة الخطورة، وقد يتجاهلها صانعو السياسات. سيمكن الوعى بهذا التطور فى حروب الجيل الرابع والتهديدات الهجينة الدول الأفريقية من صياغة الاستجابات المناسبة بناء على الممارسات الدولية فى بناء القدرة على الصمود.
النص الأصلى هنا