مستقبل العلاقات مع واشنطن
محمد المنشاوي
آخر تحديث:
الجمعة 23 مايو 2014 - 7:50 ص
بتوقيت القاهرة
جاء وصف المرشح الرئاسى المشير عبدالفتاح السيسى للعلاقات مع الولايات الأمريكية بأنها علاقة استراتيجية مستقرة وثابتة، إضافة لتفهمه، كما ذكر، للمنطق الأمريكى فيما يتعلق بتجميد المساعدات العسكرية عقب أحداث الثالث من يوليو، لتعكس عدم حدوث مراجعة من جانب فريق المشير السيسى لعلاقات القاهرة مع واشنطن. ورغم أن الرئيس بارك أوباما أكد أن علاقات بلاده مع مصر لن تعود لما كانت عليه، ومطالبته أركان إدارته بطرح تصورات جديدة للعلاقات بين الدولتين، يبدو أن القاهرة لا تريد لنمط العلاقات أن يتغير. ودلت خبرة علاقات الدولتين على محورية دور ورؤية الرئيس المصرى لهذه العلاقات، ومنذ بداية النظام الجمهورى فى مصر عقب نجاح حركة الضباط الأحرار عام 1952 وحتى بدء ثورة 25 يناير، حكم مصر فعليا ثلاثة رؤساء، وأثر كل منهم بصورة مركزية فى تحديد طبيعة العلاقات مع واشنطن. وفى نفس الفترة شهد البيت الأبيض 12رئيسا، ولم يغير شخص أى منهم طبيعة العلاقات مع القاهرة، حيث ارتبط التوجه الأمريكى دائما بالمصالح الأمريكية شبه الراسخة فى مصر والشرق الأوسط. وذلك على النقيض من شخصنه الموضوع من جانب الرئيس المصرى.
•••
أظهر الرئيس السادات اهتماما خاصا بالعلاقات مع واشنطن، حتى من قبل عودة العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين فى نوفمبر 1973. ففى صيف عام 1972، فاجأ السادات العالم بطرد الآلاف من الخبراء السوفييت من مصر. وكان رد الفعل الأمريكى دليلا كافيا للتعرف على ما تمثله مصر من أهمية للاستراتيجية الأمريكية، إذ قال وزير الخارجية الأمريكى الشهير، هنرى كيسنجر «لو اتصل الرئيس السادات بواشنطن تليفونيا، قبل طرد الخبراء السوفييت، وطلب أى شىء، لحصل عليه، لكنه قدم هذا العمل الجليل لنا مجانا».
أما الرئيس الأمريكى، ريتشارد نيكسون، فسارع بتوجيه رسالة عاجلة لنظيره السوفييتى، ليونيد بريجينيف، قال فيها إنه لم يعلم مسبقا بما أقدم عليه الرئيس المصرى أنور السادات، مشددا على عدم وجود دور لبلاده فى هذه الخطوة المفاجئة، وأن واشنطن لن تتخذ أى خطوات بناء على هذه التطورات المهمة.
وبعد حرب أكتوبر 1973 زاد إيمان السادات بأن مفاتيح حل صراع الشرق الأوسط وسبيل عودة أراضى مصر المحتلة فى سيناء، وبقية الأراضى العربية، لا يمكن لها إلا أن تمر عبر بوابة واشنطن، معتقدا أن الولايات المتحدة تملك 99% من أوراق حل صراع العرب مع إسرائيل. ومن هذا المنطلق بدأت مفاوضات السلام مع إسرائيل، ووصلت لتوقيع معاهدة السلام 1979 برعاية واشنطن. كما شهدت العلاقات المصرية الأمريكية فصلا جديدا بتعاون غير مسبوق تجاه مقاومة الغزو السوفييتى لأفغانستان، والعداء للثورة الإسلامية فى إيران، والتضييق على ليبيا فى عهد الرئيس الليبى الأسبق معمر القذافى.
•••
ثم شهدت العلاقات المصرية الأمريكية تطورا كبيرا خلال العقود الثلاثة لحكم الرئيس حسنى مبارك من خلال التعاون فى كافة المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية. ووصل التعاون العسكرى فى ذروته لدرجة لم يتخيلها أحد عقب وقوع الغزو العراقى للكويت عام 1990، ومشاركة ما يقرب من 40 ألف جندى مصرى فى جانب القوات الأمريكية ضد الجيش العراقى، وهو ما دفع إدارة الرئيس جورج بوش الأب إلى إلغاء ما يقرب من 7 مليارات دولار من ديون مصر لها.
وخلال حكم مبارك حرصت واشنطن على الحفاظ على ثلاثة أهداف علنية لتعاونها مع القاهرة، وهى التقدم فى عملية السلام بالشرق الأوسط، والحفاظ على الاستقرار الإقليمى، والتصدى للإرهاب الدولى. وارتبط ذلك باستمرار التزام مصر بعدم عودة العلاقات لطبيعتها مع إيران، مقابل تطور كبير فى العلاقات المصرية الإسرائيلية.
ورغم ما أوحت به أحداث 11 سبتمبر الإرهابية للكثيرين باحتمال تغيير هذه الاستراتيجية الأمريكية، وما حاولت إدارة الرئيس السابق جورج بوش القيام به من الضغط على بعض الأنظمة العربية، ومنها مصر، من أجل إحداث إصلاح ديمقراطى بعد أن أعلنت هذه الإدارة أن غياب الديمقراطية عن الشعوب العربية هو سبب تفريخ الإرهابيين. إلا أن هذه الاحتمالات تبخرت على صخرة المصالح الاستراتيجية لواشنطن. وعلى الرغم من التراجع الشكلى الذى حدث فى العلاقات المصرية الأمريكية قبل تولى الرئيس أوباما الحكم خلال سنوات حكم جورج بوش، إلا أن هذا التراجع لم يمنع من استمرار مجالات التعاون الثنائى السياسى والأمنى والعسكرى والاقتصادى.
•••
وفى تقديرى الشخصى لم يغير وصول الرئيس محمد مرسى لسدة الحكم منصف عام 2012 كثيرا فى طبيعة العلاقات المصرية الأمريكية عما كانت عليه خلال سنوات حكم مبارك. ومع تدهور سجل حكم مرسى بدء من نوفمبر 2012، نصحته إدارة باراك أوباما بضرورة تبنى ديمقراطية تشمل كل المصريين، ولم يستطع مرسى العمل بالنصيحة الأمريكية إلى أن انقلب الجيش عليه وتمت ازاحته من الحكم فى الثالث من يوليو الماضى. وبعد انتخاب المشير السيسى رئيسا لمصر ستحثه إدارة أوباما على اتباع مسلك ديمقراطى منفتح يتضمن الافراج عن قيادات جماعة الإخوان المسلمين، وإلى مد أغصان الزيتون لكل المعارضين السياسيين، والسماح بوجود تعددية حقيقية. إلا أن واشنطن تدرك جيدا أنها لا تملك ترف تهديد علاقاتها بمن يحكم مصر، لذا ستتعامل بواقعية مع تجاهل مطالبها، وهذا لسبب بسيط وهو معرفة دوائر الحكم الأمريكية بأهدافها الحيوية من هذه العلاقات مع مصر التى ليس منها الديمقراطية. أما القاهرة فيبدو أن أكثر ما تريده مستقبلا فى علاقاتها بواشنطن يتلخص فى عودة نمط العلاقات الخاصة التى جمعت الدولتين خلال عقود حكم الرئيس السابق حسنى مبارك.