الكيان المنبوذ!
خالد سيد أحمد
آخر تحديث:
الجمعة 23 مايو 2025 - 7:00 م
بتوقيت القاهرة
الانتقادات المتصاعدة داخل إسرائيل، جراء جرائم الحرب والإبادة الجماعية التى يرتكبها جيش الاحتلال الصهيونى فى قطاع غزة، سواء بالقتل العبثى أو بالتجويع المتعمد للمدنيين الفلسطينيين، تؤشر إلى وجود شعور متزايد بالخطر من تحول دولة الاحتلال إلى كيان منبوذ ومعزول على المستوى الدولى.
هذا الرفض الداخلى المتنامى لاستمرار توغل بنيامين نتنياهو فى الدم الفلسطينى منذ السابع من أكتوبر قبل الماضى، والذى أسفر عن سقوط أكثر من ١٧٥ ألف شهيد ومصاب، فضلا عن تدمير شبه كامل لكافة مظاهر الحياة فى قطاع غزة لم يكن موجودا فى بداية الحرب، التى حظيت بدعم كبير من كافة الشرائح والقطاعات والأحزاب السياسية فى الكيان الصهيونى، وكان دافعهم الأساسى فى ذلك الوقت، الانتقام بلا رحمة من الفلسطينيين بعد هجوم طوفان الأقصى، الذى شكّل صدمة حقيقية وخطرا وجوديا على الدولة العبرية لم تعهده من قبل.
مع مرور الوقت، اتضح للجميع داخل الكيان أن نتنياهو يستبيح الفلسطينيين قتلا وتهجيرا وتجويعا، ليس لاسترداد الأسرى الإسرائيليين فى غزة، ولكن للبقاء فى السلطة والهروب من المساءلة وربما السجن جراء قضايا الفساد المتهم فيها، ومن ثم بدأت أصوات داخل الدولة العبرية تحذر من تحولها إلى كيان منبوذ، خصوصا مع التحول البارز من جانب عدد من الدول الأوروبية والغربية، إلى درجة التهديد بفرض عقوبات قوية ضد إسرائيل ما لم تتوقف عن جرائم القتل والتجويع فى غزة.
من بين هذه الأصوات، رئيس الحزب الديمقراطى الإسرائيلى يائير جولان، الذى قال إن «إسرائيل فى طريقها لأن تصير دولة منبوذة بين الأمم - كما كانت جنوب إفريقيا من قبل - إذا لم تعد إلى التصرف كدولة عاقلة. والدولة العاقلة لا تشن حربا على المدنيين، ولا تقتل الأطفال كهواية، ولا تضع أهدافا لتهجير السكان». وأضاف أن «هذه الحكومة تعج بالأشخاص المنتقمين، الذين يفتقرون إلى الأخلاق والقدرة على إدارة البلاد فى حالات الطوارئ».
كذلك دعا رئيس وزراء إسرائيل الأسبق إيهود أولمرت إلى «وضع حدٍّ لتجاوزات الحكومة الإسرائيلية وغطرستها، التى تُسبب كارثة لإسرائيل، وستؤدى إلى عزلتها ونبذها من العالم أجمع»، مشيرا إلى أن «الحرب على غزة بلا هدف وبلا أى أمل للنجاح، وإنما خداع وتباه متعجرف لا أساس له».
أما وزير الدفاع الإسرائيلى الأسبق موشيه يعالون، فأكد على أن قتل حكومة نتنياهو للفلسطينيين أصبح «أيديولوجية قومية وفاشية».
فى السياق ذاته، قالت صحيفة «هاآرتس» الإسرائيلية إن «إسرائيل تغرق فى مستنقعها وتضع وصمة قابيل على جبينها ستبقى لأجيال، مع استمرار القصف فى إزهاق أرواح العشرات، إن لم يكن المئات، من السكان (الفلسطينيين)، بمن فيهم الرضع والأطفال، وانتشار المجاعة (فى غزة)».
وأشارت الصحيفة إلى أنه «لم يعد العالم يتحمل المشاهد القادمة من غزة.. لا جثث النساء والأطفال وبعضهم رضع، ولا حشود الجياع وهم يلوحون بالأوانى فى نقاط توزيع الطعام، ولا أكوام الأنقاض».
لا شك أن هذه الانتقادات العنيفة لسلوك وسياسات وجرائم نتنياهو ضد الشعب الفلسطينى، تمثل تطورا لافتا فى الداخل الإسرائيلى، واستشعارا لخطر كبير يتمثل فى تعرض دولة الاحتلال للعزلة الدولية، لاسيما وأن مشاهد القتل والتدمير فى غزة، فضلا عن الحصار والتجويع ومنع المساعدات والماء والكهرباء عن المدنيين الفلسطينيين منذ ما يقارب العامين، لم يعد يتحملها أى ضمير حى فى العالم.
صحيح أن تلك الأصوات الرافضة والمعارضة والمنتقدة لسياسات نتنياهو لن توقف حرب الإبادة ضد غزة بين ليلة وضحاها، لكنها ستتحول بالتأكيد إلى «كرة ثلج»، يزداد حجمها وقوتها مع مرور الأيام، لتشكل ضغطا حقيقيا على الحكومة الإسرائيلية المتطرفة من أجل وقف هذا الجحيم، حتى لا يصبح الكيان الصهيونى منبوذا وتفرض عليه العزلة الدولية، خاصة وأن هناك تحولا حقيقيا فى مواقف الكثير من دول العالم، التى باتت تعبر بكل وضوح وقوة عن رفضها لحرب الإبادة ضد المدنيين فى القطاع، وتأييدها لحصول الشعب الفلسطينى على حقه فى تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة على أرضه المحتلة.