وجه غير صراعي للسياسة.. عن التكيف البيئي وبرامج مبادلة الديون في مصر
عمرو حمزاوي
آخر تحديث:
الجمعة 23 مايو 2025 - 7:10 م
بتوقيت القاهرة
بينما الأزمات الإقليمية والدولية تطرق أبوابنا فى مصر من كل صوب وحدب وفى الأوقات التى تزداد بها الضغوط المعيشية على الناس، يندر أن تتعامل التحليلات الإخبارية ومقالات الرأى مع مجالات للعمل الحكومى تشهد نجاحات هامة وتقل بها مناسيب الصراعات والتوترات والطاقات السلبية التى تكاد تخنقنا، ومن بين هذه المجالات ذات الديناميكية الإيجابية تبرز سياسات ومشاريع التكيف البيئى والتنمية الخضراء المستدامة.
فقد سعت مصر خلال السنوات الماضية إلى تطبيق العديد من أفضل ممارسات وأدوات التمويل الأخضر لجذب رأس المال بكفاءة أكبر نحو مشاريع التكيف والاستدامة، ومن خلال تحديد أولويات واضحة عبر خرائط طرق وطنية مثل استراتيجية تغير المناخ، عززت مصر مبادرات تمويل المناخ عبر مختلف مستويات الفعل الحكومى. وتستند خطة الاستثمار الوطنية التى وُضعت بالتعاون مع الصندوق العالمى للمناخ الأخضر إلى استراتيجية تغير المناخ وتستهدف تحويل البلاد إلى نموذج ناجح للتعامل مع التحديات البيئية والمزج بين الحلول على المستوى الوطنى مثل مبادرة المشاريع الخضراء الذكية وبين الحلول على المستوى المحلى كمبادرات بناء القدرات الأهلية من خلال ورش العمل والدورات التدريبية والاستثمار فى المشاريع الخضراء على مستوى المحافظات والوحدات المحلية.
على المستوى الوطنى، وضعت الدولة أهدافًا واضحة للاستثمار من أجل البيئة والتنمية المستدامة. فهناك، من جهة، زيادة حصة رأس المال العام المخصص للاستثمارات الخضراء من 15% فى السنة المالية 2020-2021 إلى 50% فى السنة المالية 2024-2025. كذلك حددت وزارة التخطيط هدفًا طموحًا يتمثل فى توجيه 75% من استثماراتها العامة نحو الاستثمارات الخضراء بحلول عام 2030.
وبذلك، تعمل الحكومة المصرية على إنشاء بنية تحتية تنظيمية لتعبئة رأس المال لتحقيق أهدافها فى مجالات البيئة والتكيف مع التغير المناخى. وتتضمن هذه البنية التحتية أيضا تسهيل مشاركة القطاع الخاص المحلى فى المشاريع الخضراء والاستفادة من أسواق رأس المال الدولية. كما أنها تستخدم العديد من الأدوات المالية مثل تحويلات الدعم، والتعريفات الثابتة للطاقة (وهى نظام تنظيمى يُلزم المرافق العامة بشراء الطاقة من المصادر المتجددة بسعر ثابت وأعلى من سعر السوق على مدى فترة زمنية محددة مما يُسهم فى تعزيز الرؤية طويلة الأجل وتسريع الاستثمارات)، والإعفاءات الضريبية لتعزيز مشاريع الطاقة النظيفة، وتحفيز القطاع المصرفى الأخضر، وتشجيع التنافسية.
• • •
أما فيما خص تمويل المشاريع الخضراء الهادفة للتنمية المستدامة والتكيف البيئى، فإن مؤسسات الدولة فى مصر تستخدم مجموعة متنوعة من الأدوات المالية مثل مبادلات الديون وسندات الخزانة الخضراء أو السندات المستدامة والقروض الميسرة وكذلك هياكل التمويل المختلط أو المرن.
ويهمنى هنا التوقف عند برامج مبادلة الديون نظرا لأهميتها المتصاعدة. تعنى برامج مبادلة الديون إلغاء جزء من الدين الخارجى للبلد المعنى فى مقابل استثمار محلى فى مشروع ما أو بنية تحتية ما أو منشأة ما، وجرت العادة على أن يُحوّل الدين المُلغى إلى العملة المحلية، وأن يُخصص لمشاريع معتمدة من قبل حكومة البلد المعنى لتعزيز أهداف التنمية المستدامة والأهداف البيئية. وخلال السنوات الماضية، استخدمت مصر برامج مبادلة الديون الخارجية كأداة لإلغاء جزء من الديون التى تراكمت ولتمويل أولوياتها الاستثمارية. على سبيل المثال، يعود البرنامج المصرى لمبادلة الديون الخارجية من من أجل التنمية مع إيطاليا إلى عام 2001، وبلغ إجمالى الديون المُحوّلة فى سياقه إلى استثمارات محلية 350 مليون دولار أمريكى وجهت إلى مجالات الأمن الغذائى والزراعة ودعم المجتمع المدنى ومعالجة مياه الصرف الصحى.
* • •
على مدار العقدين الماضيين، مكّنت مبادلات الديون مع دول مختلفة مصر من تمويل أكثر من 120 مشروعًا فى مجالات التنمية المستدامة. وأحد أبرز هذه المشاريع وأقربها إلى قلبى نظرا لتنفيذه فى المحافظة التى أنحدر منها وهى عروس الصعيد، محافظة المنيا، أحد أبرز هذه المشاريع يعود تاريخه إلى عام 2014 وتمثل فى إعادة تخصيص مبلغ 70.5 مليون جنيه مصرى (ما قارب آنذاك 5 ملايين دولار أمريكى وفقًا لأسعار الصرف السائدة) من حصيلة مبادلة الديون الخارجية لإنشاء محطة لإدارة النفايات الصلبة فى المحافظة مما رتب تحسين معدلات الصرف الصحى وقلل من انبعاثات غاز الميثان.
يعيش فى محافظة المنيا ما يقرب من 4.9 مليون نسمة يتوزعون على 9 مدن ومراكز رئيسية أبرزها مغاغة وبنى مزار وسمالوط والمنيا وأبو قرقاص وملوى ودير مواس والعدوة ومطاى وعلى 57 قرية كبيرة (كقرية المحرص مسقط رأسى) و346 قرية صغيرة. وينتج أهل المنيا ما يقرب من 350 ألف طن من النفايات المنزلية سنويا والتى وفرت المحطة المشار إليها وسائل لإدارتها على نحو مستدام. فقد حسنت محطة المنيا من كفاءة جمع النفايات بحيث وصلت إلى ما يقرب من 60%.
وقد واجهت الحكومة المصرية فى أعقاب إنشاء محطة المنيا فى 2014 معضلة نقص الكوادر البشرية ذات الخبرة ومحدودية فاعلية أنظمة التحكم والإدارة، وهى ما دفعها إلى تخصيص مبلغ إضافى يصل إلى 70.5 مليون جنيه مصرى للمرحلة الثانية والثالثة من تطوير مشروع إدارة النفايات. وتشمل المرحلتان إنشاء محطة إعادة تدوير حديثة بسعة معالجة 182,500 طن من النفايات البلدية سنويًا من مدينة المنيا (المدينة الأعلى كثافة سكانية على مستوى المحافظة) وكذلك المراجعة التحديثية لخطة إدارة النفايات بما يتناسب مع الأهداف البيئية وتنفيذ إطار عمل لرصد مدى التوافق بين الخطط والبرامج الوطنية لتغير المناخ وبين طرق إدارة النفايات الصلبة فى المنيا. وفقا للمعلن من قبل الحكومة، فإن المرحلتين الثانية والثالثة سيشهدان أيضا إشراك القطاع الخاص فى توسيع قاعدة إدارة النفايات وفى تطوير البنية التحتية للصرف الصحى فى المحافظة، بعد أن اضطلعت الدولة بتمويل المرحلة الأولى كاملا.
* • •
والشاهد أن ارتفاع نسبة الدين العام (المحلى والخارجى) إلى الناتج المحلى الإجمالى فى مصر، وهى النسبة التى بلغت 85.6% بنهاية عام 2023، يجعل من التوسع فى برامج مبادلات الديون سياسة بالغة الأهمية إذ إنها تتيح فرصة لإعادة توجيه رأس المال لدعم مشاريع التنمية المستدامة وبرامج التكيف البيئى مثل إدارة النفايات وتوسيع شبكات الصرف الصحى وتحسين الوصول إلى المياه ومشاريع إنتاج الطاقة المتجددة.
أخيرا، تجدر الإشارة إلى أن مصر لديها اتفاقيات مماثلة لاتفاقيتها مع إيطاليا لمبادلة الديون الخارجية مع دول أخرى. على سبيل المثال، وقعت مصر وألمانيا اتفاقية مع ألمانيا عام 2011 لمبادلة 240 مليون يورو (ما يقارب 260 مليون دولار أمريكى بسعر صرف 2011) لتمويل مشاريع للتنمية المستدامة، ولدينا اتفاقية أخرى مع الصين وقعت عام 2023 لمبادلة ما يوازى 220 مليون دولار أمريكى من الدين الخارجى لتمويل مشاريع للتكيف المناخى.
ليس كل السياسة صراعات صفرية، وليس جل نتائجها المزيد من الضغوط والتحديات.