زمن اللاعقل أو الجنون الجماعي
خولة مطر
آخر تحديث:
الأحد 23 يونيو 2019 - 9:50 م
بتوقيت القاهرة
كيف تحافظ على صحتك العقلية فى مراحل الجنون الجماعى هو عنوان الكتاب القادم لأحدهم والذى حتما سيكسب أكثر من كاتبه هارى بوتر وسينتشر لأعداد أكبر من «قواعد العشق الأربعون!».
فالصور تنتقل سريعا والذباب الإلكترونى منتعش جدا فهو كالحانوتى أو حفار القبور ينتعش عند كثرة الموت والدمار.. الصور هى لبواخر تحترق تحت القصف وطائرة دون طيار تقصف فتسقط وما هى إلا ساعات وتتقدم البوارج الحربية وحاملات الطائرات وهى لم تكن بعيدة أصلا اسألوا كم قاعدة عندنا فى دول الخليج وكم كبرت وكبرت القواعد حتى أصبحت مدنا بأسماء ومسميات عدة مرات مستترة ومرة مواربة وأخرى علنية كما بيوت الدعارة فى ذاك الحى الشهير عندنا وفى كل مدينة حى شبيه كما أنه فى كل مدينة مقبرة.
***
فى هذه المرحلة لا خطاب يعلو على خطاب الكراهية وكثير من الأكاذيب والتلفيق.. عندما اشتعلت الحرب على العراق بكينا جميعا سقوط الضحايا المدنيين ومدن العراق الشامخة وتاريخ من الحضارة مخزن فى كل قطرة دم.. عندها بكينا أن ما نعرفه هو القليل ولا يأتينا سوى عبر محطاتهم وإذاعاتهم ووكالات أنبائهم.. فرحنا بعد سنين عندما أصبحت لدينا فضائياتنا الإخبارية وجاءوا بمذيعين عرب من ال بى بى سى وغيرها ليدربوا الآخرين.. وما هى إلا بضع سنين لنردد «يا فرحة ما تمت» قلت المعرفة وقل الخبر أكثر عن الشارع المحاذى لبيت والدى العتيق بنخلته الوافرة فى موسم الرطب.. وعندنا لا نعرف ما يحصل حقيقة.. ثم بدأ الغزو التويترى وتحولت الجيوش من تلك الجالسة فوق حاملات الجنود والدبابات إلى الجالسة خلف جهاز للكمبيوتر تنشر الأكاذيب وتلفق الحكايات والقصص وتعيث فسادا وكراهية..
***
تتحلق النسوة فى مساء خليجى حار لا يشعر به أحد وأجهزة التكييف تطاردك أكثر من زوجك! هن فى حفلة زواج صيفية والموائد عامرة بما لذ وطاب وعلى زاوية بعيدة تحلق الشباب والشابات حول «البار».. له تسميات عديدة للمحافظة على مشاعر المحافظين من النسوة والمخالفين لعادة تقديم الخمور فى ليل الخليج المحافظ! فى هذا المساء يبتعد حديثهن بعض الشىء عن آخر صرعات الموضة ومعرفة أى مدينة أوروبية سيقضون فيها موسم الصيف الطارد بعيدا عن بيوتهم ومدنهم وأوطانهم التى هى أكثر قربا من النيران.. زمان كان يقال إن أردت أن تحتل تلك البلد اغزوها وقت قيلولة الظهيرة فالكل نائم بفعل الحر أو الأكلة الدسمة على الغداء.. الآن يقال كل مدن الخليج تتحول إلى مدن للأشباح فى الصيف ويبقى كثير ممن هم دون الطبقة الوسطى والعمالة الوافدة والمتعسرين الذين عرفهم عادل إمام فى فيلمه الشهير «بوبس»..
***
تتساءل تلك المتزينة بحلق من الألماس الخالص وخاتم يساوى سعره ثمن بيت لمواطن ينتظر دوره منذ سنين على قوائم وزارات الإسكان! «ماذا سنفعل لو قامت الحرب؟».. تتململ الجالسة قربها وهى تردد «لا تضايقوا صدرنا الحين».. يكمل الجمع حديثه وهن مقتنعات بأنهن قد لا يكن أصلا فى البلد عندما يقرر أحدهم أن يشن ضربه على الآخر وأنهن سيتابعن كل ما يجرى عبر الإعلام الحديث و«القديم» ويعودون إلى المشاوير ودعوات العشاء عند شواطئ ماربيا فى الجنوب الإسبانى حيث حكم أجدادهن لـ770 عاما أو حتى عند الشاطئ الفرنسى أو الإيطالى!
***
تعرج الحديث ليصل إلى التغريدة التى كتبها ذاك الصحفى والكاتب المخضرم عن الوطن فى ذاك اليوم أو قبله هو الذى يشتكى من إيقافه والتحقيق معه كلما غرد كالنوارس عند شواطئ الخليج الهادئه.. قال: «تحب أمك، تحب أختك، تحب أصغر، تحب أكبر، اعشق من تبغى أكثر.. مو مهم إنك طويل.. مو مهم إنك قصير، الحب ما فيه مستحيل، إنما حب الوطن ما له مثيل»..
***
تركت النسوة بعض ما بأيديهن من طعام ربما محافظة على الرشاقة خاصة والصيف قادم وملابس البحر فضاحة، وقالت احدهن ولكن كيف نترك بلدنا والوطن فى خطر.. لم يطل الحديث كثيرا عندما قالت صاحبة الألماسة بسعر منزل، وما هو الوطن؟ «أنا أصلا لا أحب هذا الوطن» وطيارتى فى انتظارى وبيتى هنا وشقتى هناك وكل المدن ستفتح أذرعها وشوارعها ومحلاتها لى!
***
انتهت السهرة وبقيت تلك حائرة ألا «يدافع الحالمون دوما عن الأوطان ويرحل عنها سارقوها وناهبوها والمحرضون على الحرب والكراهية؟».