سلاح المظاهرات الشامل
عماد الدين حسين
آخر تحديث:
الثلاثاء 23 أغسطس 2011 - 8:18 ص
بتوقيت القاهرة
أخيرا اكتشفنا ان لدينا سلاحا خطيرا وفتاكا ويفوق أسلحة الدمار الشامل الفعلية اسمه سلاح الرأى العام.
أقل من عشرة آلاف مواطن تظاهروا واعتصموا وهتفوا ضد العدو الصهيونى أمام سفارته بالجيزة فحققوا لنا فى ساعات ما عجز عن تحقيقه نظام مبارك فى 30 سنة.
هذا العدد الذى لا يزيد عن أصغر جمهور يحضر مباراة للأهلى أو الزمالك تمكن من لفت أنظار العالم أجمع لدرجة جعلت صحيفة كبرى ومؤثرة مثل النيويورك تايمز تخاطب الإسرائيليين بالقول: «احذروا.. هذه مصر بعد الثورة».. وجعلت صحيفة أخرى مهمة هى لوس أنجلوس تايمز تقول إن الثورة المصرية خلقت حقائق جديدة فى المنطقة.. وعلى إسرائيل تغيير طريقة تعاملها مع العرب.
قبل أسابيع سمعت من وزير الخارجية المصرى السابق محمد العرابى ــ خلال لقاء ضم بعض الصحفيين والكتاب ــ يقول إن الثورة المصرية قدمت خدمة ذهبية للدبلوماسية المصرية هى سلاح الرأى العام.. وأسهب الرجل فى شرح الفوائد التى عادت على دبلوماسيتنا لدرجة جعلتنى أعتقد ان الثورة ان لم تحقق إلا إسقاط مبارك وتقوية دور الرأى العام لكفاها.
قبل الثورة كانت إسرائيل تبتزنا باسم سلاح الرأى العام وانها لا تستطيع الاستجابة للقرارات الدولية وإعادة الحققوق العربية لأصحابها خوفا من رد فعل مواطنيها الرافضين لذلك.
كانت إسرائيل «تتفنن» فى ذلك بل كان الأمر يبدو أقرب إلى «استكرادنا».. من قبيل ان قادة حزب العمل الإسرائيلى وهم فى الحكم أمثال بيريز وباراك وقبلهما رابين يقولون «لأصدقائهم» فى مصر والأردن وفلسطين والخليج: «لا نستطيع ان نتنازل لأننا لو فعلنا ذلك فإن جمهور الناخبين سوف يعاقبنا ويقصينا عن الحكم ويعاقبكم بانتخاب المتطرفين من الليكود وسائر الأحزاب الدينية.
وبالطبع كانت كل الحكومات العربية ــ المصنفة معتدلة ــ تصدق ذلك وتضع يدها على خدها باعتباره أمرا قدريا لا فكاك منه.
كانت أمريكا تمارس الأمر ذاته معنا و«تبتزنا» بكل ما تعنيه الكلمة لأن سلاح الرأى العام ــ الممثل فى الكونجرس بمجلسيه ــ سيرفض أى قرار لا يرضى إسرائيل. خصوصا فى قضايا الأقليات ومبيعات الأسلحة والمعونات والديمقراطية.
كانت هذه الأطراف إسرائيل وأمريكا والاتحاد الأوروبى «وكل من هب ودب» يستغل «مرض نقصان الديمقراطية المكتسب» المصابة به كل حكوماتنا كى يحصل على المزيد من التنازلات العربية دون أن يقدم أى مقابل حقيقى.
نظامنا السابق ومعه معظم النظم العربية كان يتعامل مع المظاهرات والاعتصامات والاضرابات وكل أشكال الاحنجاجات باعتبارها «رجسا من عمل الشيطان ينبغى تجنبه واجتثاثه بكل الطرق» لأنها كانت تعتقد ــ ومعها حق ــ أن السماح بأى احتجاج ضد إسرائيل وأمريكا سوف يتحول لاحقا إلى احتجاج ضدها.
المظاهرات أمام السفارة الإسرائيلية قد ينتقدها البعض من أصحاب نظرية «بس كفاية».. وقد يراها البعض تعطل المرور على كوبرى الجامعة.. وأنها لن تعيد الشهداء الخمسة.. لكن الأكثر تأكيدا أن تأثيرها سوف يظهر لاحقا وربما بأسرع مما نتصور.
قبل الثورة كانت إسرائيل تكتفى بالتفاهم مع شخص واحد اسمه حسنى مبارك وربما ثلاثة من مساعديه.. الآن صار مطلوبا منها أن تتفاهم مع أكثر من 80 مليون مصرى.. والأهم ان ترضيهم.