ملاحظات على العدوان الإسرائيلى على قطر
يحيى عبد الله
آخر تحديث:
الثلاثاء 23 سبتمبر 2025 - 7:25 م
بتوقيت القاهرة
يطرح العدوان الإسرائيلى على دولة قطر، الذى استهدف اغتيال قيادات حركة «حماس”»، المقيمين بها، يوم 9 سبتمبر 2025م، الذى أسمته إسرائيل «قمة النار»، كثيرًا من الأسئلة، أهمها: لماذا الآن، تحديدًا، بعد أن لاح فى الأفق تقدمٌ فى مفاوضات إطلاق سراح الأسرى؟ وما دور الولايات المتحدة الأمريكية؟ ولماذا على أرض قطر، وهى وسيط فى المفاوضات، وحليف لأمريكا؟ قبل الإجابة على هذه الأسئلة، تجدر الإشارة إلى أن مجرم الحرب، رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، بحسب معظم التقارير الإسرائيلة، هو من دفع فى اتجاه اغتيال قادة «حماس» فى «الدوحة»، يدعمه فى ذلك، القائم بعمل رئيس جهاز الأمن العام «الشاباك» - رغم معارضة رئيس الأركان، إيال زامير، وقادة كبار بوزارة الحرب الإسرائيلية، ومسئولين بمجلس الأمن القومى الإسرائيلى، ورئيس «الموساد»، دادى برنياع، ليس لعملية الاغتيال، فى حد ذاتها، وإنما لتوقيت العملية.
قد نُقل عن برنياع، المتناغم مع نتنياهو، قوله: «عندما يكون هناك تفاوض، فمن الخطأ أن تغتال من تتفاوض معه». يقدّر، بن درور يمينى، أن كل من كان مطلعًا على الأسرار قال لنتنياهو: «ليس هذا هو الطريق. ليس الآن. هذا الأمر سيورط إسرائيل»، مشيرًا إلى أن نتنياهو «يتبنى منذ ما يقرب من عامين استراتيجية نتيجتها العملية هى الفشل المطلق. لا تهمه الإخفاقات، ولا يحرك الانهيار السياسى له جفنًا، وإلى أنه منغلق على رأيه هو فقط. ليس له مستشارون جادون، ولا يعمل باحترافية». ويخلص بن درور يمينى إلى أن الوضع فى إسرائيل «خطير لدرجة أن أصدقاء إسرائيل يفصلون بين الرجل الذى يتخذ القرارات والدولة. هم يدركون أن شيئًا ما على غير ما يرام». نحن، إذا، أمام شخصية أصابها جنون العظمة، شخصية منبتة الصلة بالواقع، تتخذ قرارات متهورة، شخصية صدامية حتى مع الجيران، الذين يرفضون مخططاته المنفلتة.
• • •
للإجابة على السؤال الأول، لماذا الآن، تحديدًا، وقد كان هناك مقترح على الطاولة لإطلاق سراح كل الأسرى، والتفاوض حول سبل إنهاء الحرب؟ مقترح الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب. فإن ثمة إجماعًا بين المراقبين على أن عملية الاغتيال، الفاشلة، كانت تستهدف تخريب مفاوضات إطلاق سراح الأسرى، ومواصلة حرب الإبادة على غزة، والدليل على ذلك أن نتنياهو لم يرد، على الإطلاق، على مقترح الصفقة الجزئيةـ إطلاق سراح عشرة من الأسرى الأحياء وعشرين جثةـ، الذى توصلت إليه كل من مصر وقطر مع قادة «حماس»، وتظاهر بقبول مقترح ترامب، الأخير، لكنه مضى، قدما، وبخطى حثيثة، فى تنفيذ محاولة الاغتيال الغادرة لوفد «حماس» للمفاوضات، أثناء اجتماعه فى «الدوحة»، لبحث الرد على مقترح ترامب، وهو يعلم، بوضوح، أنها ستنسف كل فرصة للتوصل إلى صفقة ومن ثم إلى تسوية تنهى الحرب.
هذا الأمر يؤكد بما لا يدع مجالًا لأى شك، أن نتنياهو يعيش أوهام حسم الأمور عسكريًا فى غزة. من ناحية أخرى، يدرك مجرم الحرب، نتنياهو، أن استمرار الحرب ضرورة سياسية لبقائه فى سدة الحكم، إذ إن التوصل إلى تسوية تعيد جميع الأسرى وتنهى الحرب، سيحتم إجراء انتخابات مبكرة، لن تكون فى صالحه على الأرجح. ومن هنا، ندرك إصراره على اجتياح مدينة غزة، رغم تحذيرات رئيس أركان الجيش من أن ذلك قد يعرض حياة بعض الأسرى للخطر، ويوقع مزيدا من القتلى فى صفوف الجنود.
وقد نقلت «وول ستريت جورنال»، عن ترامب قوله عن نتنياهو، وهو ما لا ينبغى أن نأخذه على محمل الجد، لأسباب باتت معلومة: «إنه يؤذينى». يفضل استعمال القوة العسكرية من أجل إرغام حماس على الاستسلام بدلًا من التفاوض. بل إن مجرم الحرب، نتنياهو، يهدد دولًا أخرى، فى الجوار، غير قطر، باستهداف قادة «حماس» على أراضيها، قائلًا: «هذا هو المبدأ الذى حددناه. وهو مبدأ نعمل بموجبه، ولم يتغير». عن هذا السلوك المتمادى، يشير باراك سرى - وهو ما لا أتفق معه فيه لأن جميع أعضاء الائتلاف الحكومى، بلا استثناء، يؤيدون نتنياهو على طول الخط، بل إن زعيم المعارضة، يائير لابيد بارك الهجوم على قطر- إلى أن «المزيد والمزيد من الوزراء ومن أعضاء الكنيست من حزب الليكود يدركون أن نتنياهو يقودنا إلى نوع من الضياع».
• • •
أما فيما يخص الإجابة عن السؤال الثانى، بشأن الدور الأمريكى، فإن من المرجح أن عملية الاغتيال، الفاشلة، لقادة «حماس» فى «الدوحة»، جرى تنسيقها، حسب شواهد عديدة، مع أمريكا بوقت كاف سلفًا، ولذا لم تتفاجأ القاعدة العسكرية الأمريكية، الكبيرة، فى قطر- قاعدة «العديد» الجوية- بالهجوم الإسرائيلى، ولم تحرك، بالتالى ساكنا. صحيحٌ، أن الأمريكيين أبدوا، ظاهريًا، عدم رضاء عن الهجوم على قادة «حماس» فى قطر، لكنهم لم يوبخوا إسرائيل، واكتفى ترامب بتصريح، بائس، قال فيه: «من الواضح أنه فى كل مرة يحدث فيها تقدمٌ فى المفاوضات، فإن نتنياهو يقصف شيئًا ما»، وهو تصريح يضاف إلى العديد من التصريحات المماثلة، التى مارس فيها خداعا، مفضوحًا، لصالح إسرائيل.
من المرجح أن ترامب بحسب مايكل أورن، السفير الأمريكى السابق لدى أمريكا، «لم يكن ليستنكر الهجوم إذا نجحت عمليتنا فى الدوحة. كان سيثمنه»، فيما يشير، ناحوم برنياع، إلى أن ترامب يدرك جيدًا أن الهدف من الهجوم هو «نسف صفقة الأسرى، والتمهيد لاحتلال مدينة غزة». بل إن البيت الأبيض حاول التضليل، والزعم بأنهم أبلغوا بالهجوم قبل وقوعه بوقت قصير. من ناحية أخرى، لم يوجه وزير الخارجية الأمريكية، مارك روبيو، الذى زار إسرائيل بعد الهجوم، أى انتقاد للعدوان الإسرائيلى على سيادة دولة حليفة للولايات المتحدة الأمريكية.
فى واقع الأمر، ما كان لإسرائيل أن تقدم على عملية كهذه، بحسب يوسى يهوشواع، من دون إطلاع القيادة الأمريكية الوسطى - «سنتكوم» - خاصة وأن قائدها الجديد، برادلى كوبر، كان فى زيارة لإسرائيل، قبل الهجوم بيومين، وحل ضيفًا على رئيس الأركان الإسرائيلى، إيال زامير. نحن، إذاً، أمام شخصين- نتنياهو وترامب. استقوائييْن، ينسقان كل أشكال البلطجة العسكرية، التى يمارسانها فى جميع أنحاء منطقتنا، مع ما يمثله ذلك من تهديد حقيقى لاستقرار الإقليم، من دون رادع حقيقي، فضلاً عن ممارسة الخداع والتضليل، بلا توقف.
• • •
أما الإجابة عن السؤال الثالث، لماذا استهداف قطر، تحديدا، وهى وسيط مهم فى المفاوضات، وحليف لأمريكا، فإنه يمكن القول إن جميع الأسباب التى تلوكها الصحافة الإسرائيلية، والمسئولون الإسرائيليون، أسباب داحضة، وخبيثة، ومرسلة، يستشف منها الحقد على مكانة هذه الدولة، صغيرة الحجم، عظيمة التأثير، التى نجحت فى اختراق مكتب نتنياهو، واشترت ذمم بعض كبار المسئولين فيه، فيما صار يُعرف فى الدوائر الإسرائيلية، باسم «قطر جيت»، وتمكنت من إيجاد موطئ قدم لها فى بعض دوائر البيت الأبيض، من دون المرور عبر البوابة الإسرائيلية، وفى كبريات الجامعات الأمريكية، وكلها مواقع نفوذ يحتكرها اللوبى الصهيونى، فضلاً عن فضحها المستمر للممارسات الإجرامية الإسرائيلية فى غزة عبر قنوات «الجزيرة»، الإخبارية، العربية، وغير العربية. تتهم بعض الدوائر الرسمية، الإسرائيلية، قطر بأنها حوَّلت مليارات الدولارات إلى خزانة «حماس»، وبأنها أسهمت، بذلك، فى تعزيز ترسانتها العسكرية، وهى تهمة سخيفة، ومردود عليها.
هل كان التحويل فى السر، أم فى العلن؟ هل كان بموافقة نتنياهو، وأجهزته، أم كان بغير موافقتهم؟ هل كانت قطر تمد يد العون المادى لـ «حماس»، فقط، أم أنها أمدت السلطة الفلسطينية، أيضًا، بالمال، ومولت بعض المشاريع الاستثمارية بها؟ هل كان إسهام قطر فى بعض مشاريع البنية التحتية بقطاع غزة فى صالح إسرائيل أم كان فى غير صالحها؟ لقد جنبت المساعدات القطرية للقطاع إسرائيل تداعيات انهيار الوضع الاقتصادى به، والأهم من كل ما سبق، أن تقديم قطر للمساعدات إلى القطاع كان يصب فى مصلحة التصور الذى تبناه مجرم الحرب، نتنياهو، لتصفية القضية الفلسطينية، ولمنع قيام دولة فلسطينية ذات تواصل جغرافى من خلال الفصل بين القطاع والضفة الغربية.
• • •
فى الختام، من الصعب، فى هذه المرحلة، تقييم تأثير الهجوم البربرى الإسرائيلى على قادة «حماس» فى قلب «الدوحة» على مسار مفاوضات إطلاق سراح الأسرى، وإنهاء حرب الإبادة فى غزة. لكن، من المرجح، فى نظرى، أن قطر ستستمر فى لعب دور الوسيط، وقد عبَّر مسئولوها عن أنهم سيستمرون فى الوساطة. ربما تحت تأثير الضغط الأمريكى؟ قد يستغرق الأمر بعض الوقت للعودة إلى مسألة التفاوض بشكل تدريجى. إذ إن الطرفين، الإسرائيلى، والحمساوى، فى حاجة ماسة إلى ذلك. لقد اغتالت إسرائيل معظم قيادات حركة «حماس»، سواءٌ من كان يعيش منهم فى الخارج- إسماعيل هنية- أم فى داخل القطاع- يحيى السنوار، ومحمد الضيف، وغيرهم- لكن كل هذه الاغتيالات لم تزد من بقى من قادة الحركة على قيد الحياة إلاَّ صمودًا وإصرارًا على تحقيق مطالبها، وفى مقدمتها، وقف حرب الإبادة فى غزة، والانسحاب من القطاع، ووقف مشروع طرد الغزاويين من أرضهم.