على موعد مع أصيلة

سيد محمود
سيد محمود

آخر تحديث: الثلاثاء 23 سبتمبر 2025 - 7:20 م بتوقيت القاهرة

تنطلق الجمعة المقبلة الدورة رقم 46 لموسم أصيلة الثقافى، وذلك تحت رعاية الملك محمد السادس ملك المغرب، وتستمر إلى الأحد 12 أكتوبر 2025.

تواجه هذه الدورة تحديات كثيرة فهى الأولى بعد وفاة الدكتور محمد بن عيسى مؤسس المنتدى وصاحب فكرته لذلك تشهد فعاليات هذه الدورة ندوة تكريمية حول مسيرته بعنوان «محمد بن عيسى.. رجل الدولة وأيقونة الثقافة» تخصص لتكريم جهوده فى خدمة الفكر والإبداع، وإسهاماته المتواصلة فى تعزيز حوار الحضارات والثقافات.

‏‎وعلى الرغم من الخسارة الفادحة التى يعانيها المنتدى بوفاة بن عيسى إلا أن اختيار الكاتب حاتم البطيوى خلفا له فى رئاسة المنتدى أرسل رسالة اطمئنان للمهتمين بمصير المنتدى وبالموسم الثقافى الذى يميزه، فقد عمل البطيوى على مدى سنوات مستشارًا إعلاميًا للمنتدى وكان أقرب الناس لمحمد بن عيسى ومن ثم هضم تجربته تمامًا ووقف على أسس نجاحها.

لم يكن مفاجئًا لأحد أن يتم اختيار البطيوى لرئاسة المنتدى وبإجماع الأصوات ما عكس حجم الثقة فى قدراته من قِبل مجلس أمناء المنتدى، لكن هذه الدورة ستكون بمثابة عتبة لابد من اجتيازها لكى يبلور سياسات جديدة تضيف إلى ما تحقق طوال السنوات السابقة.

فى كتاباته الصحفية يولى البطيوى اهتمامًا بملفين أساسيين، الأول يتعلق بالجامعة العربية وما يدور حولها وذلك بحكم خبراته كمحررًا للشئون العربية ومراسلا لصحيفة الشرق الأوسط، فيما يرتبط الملف الثانى باهتماماته الإفريقية كأحد الخبراء المميزين فى هذا الشأن وقد طلبت منه أكثر من مرة أن يتفرغ لكتابة سيرته مع الزعماء الذين التقاهم خلال مناسبات متفرقة، إذ تتسم كتاباته دائما بتقديم رؤية من أسفل لوقائع وأحداث كبرى لكنه يعالجها بحساسية وطرافة تخفف من طابعها السياسى الثقيل ويحررها من قيود الدبلوماسية والتزاماتها المعقدة.

أتوقع أن يستفيد البطيوى للحد الأقصى من خبراته فى إدارة الملفين بحيث ينمى المساهمة العربية لتأكيد الطابع القومى للمنتدى، كما سيحافظ على صلة المنتدى بالثقافة الإفريقية كملمح رئيس من ملامح أنشطة المنتدى.

هذا العام ينظم المنتدى ندوة تؤكد على هذا البُعد وهى بعنوان: «نحو رؤية إفريقية مندمجة للفضاء الأطلسى»، كما توزع جائزة الدورة الثالثة عشرة لجائزة فليكس تشيكايا أوتامسى للشعر الإفريقى، والتى نالتها هذا العام الشاعرة  تانيلا بونى وهى مناضلة نسوية من ساحل العاج.

بخلاف دوره فى توثيق العلاقة مع الثقافة الإفريقية يماثل منتدى أصيلة فى أهميته منتدى دافوس العالمى وبالتالى يعد من أهم مصانع الأفكار فى العالم العربى، كما أنه من النادر جدا أن تجد حدثا ثقافيا له الشعبية التى حققها مهرجان أصيلة إذ إنه بإمكان أى مواطن من سكان البلدة الصغيرة المرور أمام الفنادق التى تستضيف المشاركين والجلوس معهم فى جلسات مطولة؛ حيث يتحرك هؤلاء ببساطة وأريحية فى دروب المدينة العتيقة دون حاجة لحرس أو قيود دبلوماسية، فالأصل هو النقاش الحر لذلك لابد من استثمار نقاشات أصيلة والاستفادة منها فى القرارات المصيرية التى نحتاجها فى هذه الأوقات الحرجة التى نشهدها منذ حرب الإبادة التى تشنها إسرائيل على غزة.

حافظ المغرب على المهرجان طوال ما يقرب من نصف قرن وأبقى على طابعه الأهلى رغم جميع صور الدعم والمساندة وهى مسألة يندر تكرارها فى العالم العربى الذى اعتادت بعض حكوماته معاداة الاستقلال والتهام كل التجارب الملهمة فى قدرتها على تطوير الفضاء المحيط، لذلك وقفت الدولة هناك أمام أول محاولة أرادت تشويه الجمال الذى صار سمة للمدينة.

أعود إلى أصيلة وداخلى سعادة حقيقية ليس فقط لأننى أعود إلى مدينة أحب بياضها الذى يشبه جناحى نورس صغير، بل لأننى على موعد مع طفلة قابلتها العام الماضى داخل معرض لرسوم الأطفال، وأهدتنى لوحة أذهلتنى واشترطت علىَّ أن أعود لأرى رسومها فى العام الجديد. يكفينى أن أرى عشرات الأطفال الذين يشبهونها ويتطلعون مثلها إلى لوحات جديدة تلون أيامنا لكى أتأكد أن أصيلة لابد أن تستمر.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved