عامل الدولة العربية مع شبابها
علي محمد فخرو
آخر تحديث:
الخميس 23 أكتوبر 2014 - 8:10 ص
بتوقيت القاهرة
من المتفق عليه فى الكثير من الأدبيات السياسية العربية أن نظام الحكم الذى تدار به الدولة العربية فى أغلب الوطن العربى، ومنذ القدم، قائم على مفهوم حكم الغلبة وكملكية خاصة حيث يعتبر ما فوق وما تحت وما فى الدولة هو موروث خاص.
من هذا المنطلق تصبح الدولة دولة ريعية تتوزع خيراتها من قبل الحكم، وعلى أساس مقدار الولاء والزبونية والانقياد لصاحب الثروة.
ولذا، عندما طرح فى اجتماع ضمَّ خبراء ومفكرين سؤال يتعلق بماهية السياسات التى تتبنّاها الحكومات العربية تجاه رعاية الشباب العرب وماهية نتائج تلك السياسات، كان جوابى الشخصى بأنه، فى الواقع، لا توجد سياسات، وإنما توجد سياسة واحدة تتلخَّص فى ضرورة احتواء شباب الأمّة تحت جناح سلطة الحكم. قد تتجلّى تلك السياسة فى صور شتّى ولكنها تبقى فى حقيقتها سياسة واحدة.
وتحقّق الدولة العربية ذلك الاحتواء من خلال أدوات وطرق متعددة. فمن خلال وزارات الشباب والرياضة يتمُ الصهر والإشراف، الثواب والعقاب، الأولويّات والممنوعات والتوجيه والإغواء. ولذلك فالرياضة، البعيدة عن السياسة والتساؤلات، تحظى بالرعاية الأكبر، بينما الثقافة المليئة بالتساؤلات وإيقاظ الفكر والضمير، تحصل على الرعاية الأدنى. أما لعبة الجزرة والعصا فتمارس من خلال الأجهزة الأمنية المحصية لكل شاردة وواردة، لكل الطموحات والأحلام والمواقف. فالدخول إلى الجامعات والحصول على البعثات. وامتلاك جواز السفر، والالتحاق بوظيفة، والترقيات وأمثالها يقررها التقرير الأمنى وتوصياته وتحذيراته.
•••
وفى عالم الإعلام المقروء والمسموع والمرئى يمّرر إلى ذهن الشاب الغض البريئى كل ما يوجُّه ويسيطر ويخدع ويشوش ذهنه ومشاعره ونفسيته ليبقى مستسلما للوضع الذى يعيشه وقابلا لمحدداته ومبررا لنواقصه.
ثم هناك مؤسّسة فقهاء السّلاطين بعدم الخروج على طاعة وليّ الأمر لكيلا تكون فتنة. وإذا أريد غمس المجتمع فى فتنة طائفية فإنّ لديها التاريخ وكتب التراث وأساطير الصّراعات السّابقة وكل الرمزيات والتفاسير الدينيّة لتغرف منها جميعا ما تشاء.
عن نتائج تلك السياسة أشرت إلى المفارقة المذهلة لحصيلة تلك السياسة الاحتوائية وأدواتها الهائلة،
والتى مورست عبر عقود طويلة منذ استقلال الدولة العربية.. الحصيلة التى تمثّلت فى ثورات وحراكات الربيع العربى، الرّافضة لكل ما قامت عليه سياسة الاحتواء تلك، بل والرافعة لشعارات تغييرية جذرية كبرى.
لا يمكن تفسير تلك المفارقة إلا بالتأكيد على أن سكون شباب الأمة العربية عبر السنين لم يكن نتيجة بلادة فهم أو قبول بخطابات الاحتواء المتعدّدة. لقد أثبتت أكثرية شباب الأمة العربية بأنها كانت تختزن فى داخلها خطابات أخرى هيّأتها لذلك الألق الذى أضاء فى سماء العرب قبل أربع سنوات.
لذا فإن أيّ تقرير سيصدر من أية جهة بشأن تمكين الشباب العربى يجب أن يشير إلى أن الخطابات السّابقة، فى شكل دساتير وقوانين لا تطَبق ولا تحترم، أو فى شكل إعلام ترفيهى مضلّل، أو فى شكل توجُّه للولاء الخطأ أو للزبونية الانتهازية... مثل هكذا خطابات ذهب زمانها. المطلوب هو الفعل الصّادق الشفّاف المبنى على مبادئ المواطنة والعدالة والتساوى فى الفرص، الفعل المعبّر عن الحقّ الطبيعى والإنسانى والإلهى وليس عن المكرمات والاستجداء والعطايا المذلُّة للكرامة الإنسانية.
•••
لنعد إلى المقُّدمة لنطرح السؤال التالى: هل هكذا دولة إرثية ريعية، مثقلة بنفقات عسكرية تزيد أحيانا عن ضعف المتوسط العالمى، مبتلاة بضعف وتخلُّف الإرادة السياسية لإدارة النزاعات المذهبية والإثنية والقبلية التى تتفاقم وتهدد الوجود العربى.. هل هكذا دولة يعتمد عليها لبناء جماهير شبابية عربية مستقلة فى فكرها، حرة فى ممارسة التزاماتها المدنية، مساهمة فى عملية التنمية الإنسانية، متجددة فى ثقافتها ومتفاعلة مع حضارة عصرها؟.
دعنا نكون صادقين مع النّفس: سواء أتحدثنا عن الشباب أو المرأة أو الفقر أو الانتقال إلى عالم المعرفة أو أهداف الوحدة العربية والحرية أو الاستقلال الوطنى أو القومى فإننا فى النهاية سنعود إلى إشكالية الدولة العربية التى عجزت عن أن تحل المسألة التى تقوم عليها شرعية سلطتها لتصبح شرعية ديمقراطية عادلة فى السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة.