فى فراغ اللحظة وبهتانها
خولة مطر
آخر تحديث:
الأحد 23 أكتوبر 2022 - 10:00 م
بتوقيت القاهرة
فى مقهى شديد الأناقة هو بتفاصيله باريسى وقد اكتظ فى ساعات الصباح للباحثين والباحثات عن وجبة إفطار شهية وغنية. كانت هى جالسة مع ما يبدو أنه زوجها تتناول الطعام من خلف النقاب فمع كل رشفة شاى أو قضمة للكرواسون ترفع غطاء الوجه وتعيده، فيما هو جالس بكثير من الارتياح يتناول ما لذ وطاب ويتجول بنظره ليلتقط تفاصيل كل فتاة وامرأة تمر من أمامه أو تجلس مع بعض الرفيقات.
• • •
لم تكن هى الوحيدة، فجأة بدأت أفواج من الرجال الذكوريين جدا السائرين بفخر فى مقدمة مجموعة من النساء ربما هن زوجاتهن أو بناتهن المتعلمات بالطبع كما تشير التقارير والإحصائيات إلى أن عدد النساء المتعلمات وبدرجات علمية عالية فى ارتفاع شديد فى مجتمعات الخليج وربما فى الكثير من الدول العربية الأخرى. المشهد يتغير بشكل أو آخر وتبقى كثير من التفاصيل اليومية لحياة النساء هنا كما هى أو ربما تتراجع بسرعة لا تتناسب مع الشعارات و«مانشيتات» الصحف و«التطبيل» اليومى لاهتمام القائمين على هذه الدول بدور المرأة وتعزيزه.
• • •
هناك فئة بالتأكيد تمكنت من كسر هذا الحاجز ليس بفضل المجتمع والقوانين بل بفضل سيدات قدمن الكثير من التضحيات فى مجتمعات لا تزال تستخدم لفظ «حرمة» بكثير من السهولة بل يستغرب البعض إذا رفضت هذه التسمية أو أبدت امتعاضها.
• • •
تتكرر المشاهد واحدة خلف الأخرى، كلها بالفعل تبدو وكأن النساء عدن لزمن الجاهلية الأول فيما الكلام واللبس والشعارات وبعض التقارير الرسمية تعرض صورة أخرى مختلفة تماما.
• • •
هناك فرق بالطبع بين الشعب نفسه فهناك فئة تعيش حياة توازى كل فئات الشعب الأخرى. فلا تلتقى حياتهم بأولئك ولا يتم الاحتكاك بكل فئات البشر الآخرين إلا عند الضرورة وفى المناسبات الرسمية أو عند الدوائر الرسمية لإنجاز بعض المعاملات، وهذه الأخرى قد تحولت لتصبح عبر إلكترونية وليست ورقية وليس هناك حاجة لذهاب الشخص بنفسه. إذن فهناك شريحة واسعة تعيش حياة بعيدة كل البعد عن حياة فئة صغيرة جدا هى «كريم دو لا كريم» المجتمعات كما يقال ليس بقدراتها وعلمها ولكن بمالها وجاهها ونفوذها واهتماماتها وحتى لغتها!
• • •
تلك الشرائح الواسعة ومنها تلك النساء الراضيات، بإرادتهن أو بإرادة العائلة والقبيلة والمجتمع، أن تكن فى الخلف دوما حتى لو كان المتقدم عنها «ذكرا» قليل العلم والفهم والذوق أيضا! مذهل كم تتقبل النساء فى أوطاننا «الذل» فى تغليفة جميلة تسمى احترام العادات والتقاليد أو حتى الدين أو أقوال لرجل دين لم يتخط الجهل بعد!
• • •
لا تلتقى حيوات النساء هنا وهناك ولا تتقاطع دروبهن إلا ربما إذا اضطر البعض للقاء فى المقاهى العامة رغم أن مقاهيهم غير مقاهى فئات الشعب الأخرى! تنظر تلك المرأة من خلف نقابها للقادمة بالبنطلون الجينز الملتصق بجسدها وبلوزة شفافة، تنظر بكثير من الازدراء وقد تتلفظ بكلمات أحيانا «ما فى حشمة أو بلا أخلاق» وأحيانا لتسهيل الأمر عليها وعلى الأخريات مثلها تردد هذه ليست من بلدنا بل أجنبية أكيد، وربما تضيف أيضا أنها «مش مسلمة!» فهن يرون من خلف فتحة ضيقة فى النقاب هى نفسها ربما النافذة الوحيدة التى تطللن منها على العالم الواسع أن غير المسلمات هن النساء غير المحتشمات فى فهم ضيق للأديان حتى السماوية منها.
• • •
نساء هنا ونساء هناك ومثلهن رجال ولكن فى حالة النساء يبدو الوضع مع تلك الفئة الواسعة التى تكدح ليلا ونهارا لتربى وتعلم وتساهم فى المدخول مع الذكور بالعائلة، يبدو الوضع مختلفا جدا فهذه فئة لا تعرف كيف تعبر الحواجز أو ربما تكسرها ولا تتصور أن هناك حياة بل حيوات أخرى غير تلك التى عرفتها منذ صغرها عندما قرر والدها وهى فى سن العاشرة أن يلبسها غطاء لشعرها تحت ذريعة أنها كبرت وعليها أن تحتشم. تذكرت حديثا قديما لزميل أمريكى كنا سوية فى الجامعة وكان يكثر من الأسئلة عن مجتمعات الخليج والعرب ككل فيكرر لماذا لا يبدو رأس الرجل عورة، ولماذا لا يثير الرجل المرأة أيضا كما تثيره هى؟ ثم يعود ليقول من قال إن شعر المرأة هو الأكثر إثارة، ومن قال إن الطفلة فى العاشرة تبدو مثيرة لرجل «غير مريض؟» وكثرت أسئلته وهنا توقفت عن التفكير والإجابات غير المتوفرة وغير المنطقية للكثيرين.
• • •
كثرت المدارس والجامعات ولم تتغير العادات والتقاليد وخاصة فيما يتعلق بالنساء وربما كما قال الأولون أن النساء هن من يخلقن رجالا ذكورا غير قادرين على احترام آدمية المرأة وعدم النظر لها كسلعة أو مادة للإغراء فقط. والمحزن أن هذه المشاهد لم تكن موجودة فى معظم مجتمعات الخليج حتى السبعينيات من القرن الماضى فماذا حدث؟ ومن جعل من المؤسسات الدينية المختلفة أداة ووسيلة للسيطرة على المجتمعات بشكل أو آخر ومنحها قوة حتى تحولت إلى غول ومرض ينخر فى مجتمعات كانت يوما مشرعة على العالم؟ هى بالفعل لحظة باهتة وفارغة جدا.
كاتبة بحرينية