من السويس إلى غزة.. «الصمود»
طلعت إسماعيل
آخر تحديث:
الإثنين 23 أكتوبر 2023 - 6:50 م
بتوقيت القاهرة
تلوح إسرائيل باجتياح قطاع غزة بريا على الرغم من التحذيرات الأمريكية بأن الأمر لن يكون نزهة، وهناك مخاوف حقيقية فى صفوف الجيش الإسرائيلى من حرب شوارع فى مناطق تعج بالسكان والمقاومين الذين هم أدرى بشعاب القطاع وأنفاقه، وقد حاولت قوات الاحتلال جس النبض بعملية توغل محدودة للاستطلاع، منيت بالفشل، وقتل على إثرها جندى، وجرح ثلاثة آخرون.
تعلم إسرائيل مدى خطورة التوغل البرى فى غزة، ويتحدث وزير دفاعها عن عدوان ربما يتواصل لثلاثة أشهر، وتحشد تل أبيب آلاف الجنود، وتكثف ضرباتها الجوية التى تخلف يوميا مئات القتلى والجرحى فى صفوف المدنيين الفلسطينيين، تمهيدا لاجتياح تتلقى من أجله دعما عسكريا وسياسيا غير مسبوق من واشنطن، وحلفائها فى أوروبا، وجميعهم يتكالب على شعب أعزل، لكنه يبقى صامدا.
الأرض لمن يدافع عنها، والفلسطينيون فى غزة ليس أمامهم خيار سوى الصمود، على الرغم من ميزان القوى المختل ظاهريا، فقد اختبأ جنود الاحتلال تحت الأسرّة صباح السابع من أكتوبر، وترك بعضهم الدبابات والمدرعات وولى الدبر فرارا من المقاومة، وهو ما يبث الرعب فى نفوس من يفكرون فى الاجتياح البرى، ويجعلهم يتحدثون عن حرب طويلة الأمد، على الرغم من ظهير البوارج الأمريكية والعتاد البريطانى والدعم الفرنسى والألمانى.
نعم.. الحرب فى غزة «حياة أو موت» لأهل فلسطين وليس للإسرائيليين فقط، كما يتبجح نتنياهو، لكن عقيدة القتال الفاسدة لن تجدى نفعا مع من يدافعون عن وجودهم وحقوقهم المشروعة، فى مقابل من جاءوا للقتل والدمار، والغلبة دائما لأصحاب الأرض، وهو ما تسجله دفاتر النضال للأمم والشعوب، ولعل فى ملحمة السويس التى ضرب أبناؤها فى مثل هذا اليوم، 24 أكتوبر 1973، أروع المثل فى الصمود، درسا وعبرة للمحتل المتغطرس.
صباح 24 أكتوبر الذى اتخذته السويس عيدا قوميا يحتفل به من عام إلى عام، حاول العدو الإسرائيلى بعد أن زلزل أركانه العبور العظيم للجيش المصرى، البحث عن أى نصر يحفظ ماء الوجه، ويعيد لجيش مهزوم ثقته فى قدراته، وهو ما تسعى إلى تحقيقه الآن فى غزة بأى ثمن، فكان التفكير فى إحداث ثغرة تنفذ منها إلى الضفة الغربية لقناة السويس.
فى البداية حاولت القوات الإسرائيلية احتلال مدينة الإسماعيلية لكنها منيت بفشل ذريع ردها على أعقابها، ولم يتمكن قادة إسرائيل من الحصول على لقطة يمكن تسويقها داخليا وخارجيا بدخول الإسماعيلية، فكان العزم على احتلال السويس.
وبعد قصف جوى مكثف، وقطع للكهرباء والمياه والاتصالات عن السويس، اعتقدت قوات العدو الإسرائيلى أن المدينة باتت لقمة سائغة، غير أن عمليات المقاومة التى جرت وقائعها فى الشوارع والمبانى ومن بيت لبيت، كان لها رأى آخر.
وفى مذكراته عن حرب أكتوبر (ص 448ــ الهيئة المصرية العامة للكتاب) يقول المشير عبدالغنى الجمسى، رئيس هيئة العمليات بحرب أكتوبر 1973 عن معركة السويس: إن «لواءين من فرقة أدان المدرعة حاولا اقتحام المدينة من الشمال والغرب بعد قصف بالمدفعية والطيران مدة طويلة لتحطيم الروح المعنوية للمقاتلين داخل المدينة. ودارت معركة السويس اعتبارًا من 24 أكتوبر بمقاومة شعبية من أبناء السويس مع قوة عسكرية من الفرقة 19 مشاة داخل المدينة».
ويواصل وصفه لما جرى قبل خمسين عاما قائلا «يصعب على المرء أن يصف القتال الذى دار بين الدبابات والعربات المدرعة الإسرائيلية من جهة وشعب السويس من جهة أخرى، وهو القتال الذى دار فى بعض الشوارع وداخل المبانى».
وبجهود رجال السويس ورجال الشرطة والسلطة المدنية مع القوة العسكرية، أمكن هزيمة قوات العدو التى تمكنت من دخول المدينة، وكبدتها الكثير من الخسائر بين قتلى وجرحى. وظلت الدبابات الإسرائيلية المدمرة فى الطريق الرئيسى المؤدى إلى داخل المدينة شاهدًا على فشل القوات الإسرائيلية فى اقتحام المدينة والاستيلاء عليها».
انتهى الاقتباس من مذكرات المشير الجمسى، رحمه الله، لكن لم تنته ملاحم الصمود فى وجه العدو الذى ينتظره الكثير فى غزة، كما واجه الموت فى السويس.