نحو ثقافة لمواجهة كوارث الحاضر
علي محمد فخرو
آخر تحديث:
الأربعاء 24 يناير 2024 - 8:20 م
بتوقيت القاهرة
مهما كبرت حملات التوعية الفكرية والسلوكية لشباب وشابات الأمة العربية بشأن ما يواجهه وطنهم العربى من جهة وما تواجهه البشرية من جهة أخرى فإنها تظل تلهث وراء تطورات هذا العصر الهائلة فى ساحات الإثنين. دعنا نأخذ المستوى الأول العربى القومى، ولنتعامل مع مستجدات اثنتين تستحقان أن يعى بعضا من وجوههما شباب وشابات الأمة.
المستجد الأول هو مشهد ما بعد 7 أكتوبر الماضى الفلسطينى. فمن حق المواطن العربى أن يطرح السؤال التالى: هل أن خلافات بعض أنظمة الحكم العربية مع بعض فصائل الإسلام السياسى تبرر مشهد الوقوف الغريب وغير المعقول من قتل أطفال ونساء فلسطين الممنهج والمستمر والمتصاعد واليومى من قبل الجيش الصهيونى؟ وإلا فهل يعقل أن كل ما تستطيع الكتلة العربية ــ الإسلامية فعله عبر أكثر من ثلاثة شهور هو عقد اجتماعات يتيمة بين الحين والآخر لإصدار بيانات احتجاجية متواضعة وإرسال وفود إلى هذه الجهة أو تلك لتستجدى ولتعود خالية اليدين وغير مسموعة الكلمة؟ بل ويتساءل البعض، هل أن بعض ما صرح به عدد من المسئولين الأمريكيين والصهاينة من أنهم سمعوا فى الغرف المغلقة من بعض المسئولين العرب موافقتهم على استمرار الحرب الإجرامية فى غزة إلى أن يُهزم الفصيل الفلسطينى المقاوم وحتى لا يبقى له وجود سياسى بعد اكتمال هذه الإبادة الصهيونية الدموية، يتساءلون هل أن تلك التصريحات صحيحة، خصوصا وأن المواطنات والمواطنين العرب لا يسمعون ولا يقرأون تكذيبا لمثل هذه الأقاويل أو احتجاجا لدى وزارات خارجية البلدان التى ينتمى المصرّحون إليها؟
لا يستطيع أحد أن يقنعنا بأن الكتلة العربية ــ الإسلامية، التى يزيد عدد أعضائها على الخمسين دولة والتى لديها إمكانيات سياسية واقتصادية واستراتيجية هائلة، لا تستطيع أن تفعل أكثر من ذلك لمنع إذلال وحرق وقتل شعب فلسطين فى غزة، بل وفى سائر أنحاء فلسطين المحتلة.. هذا الشعب الذى يواجه «هولوكوستا جحيميا بربريا» لم يعرف العالم له مثيلا طيلة عصرنا الحديث.
لا، لسنا فقط أمام بعبع خارجى يمنع القوم من فعل أكثر من ذلك ومن ممارسة سلوك أنبل من ذلك، وإنما نحن أمام مصيبة فضائحية سياسية وقيمية، وأمام كارثة التزامية مشتركة، لم يعرف مثلهما تاريخ العرب الطويل، لا التاريخ القديم ولا التاريخ الحديث على حدّ سواء.
ويزداد المشهد قتامة وهولا عندما يضاف إلى ذلك السؤال السابق السؤال الثانى التالى: ألا تشعر الكتلة العربية المشتركة، وعلى الأخص الجامعة العربية، بالأخطار الهائلة التى يواجهها الشعب العربى الشقيق السودانى، والتى تهب على مجتمعه السودانى كعواصف مدمرة من جراء الصراع الدموى فيها بين جيش السودان وبين مجموعة من الميليشيات.
إن عدم مساعدة شعب السودان الشقيق من قبل سنده العربى الممثل حاليا بالكتلة العربية ــ الإسلامية سيقود إلى تجزئته، بل وحتى إلى تدمير هويته العروبية من خلال هجرة كبيرة إليه من الملايين من غير العرب الذين ينتظرون على حدوده الآن، فهل يريد العرب إضاعة السودان مثلما أضاعوا فلسطين؟ ولا يحتاج الإنسان للتذكير بأن هناك مشاريع متعددة جاهزة لتجزئة العديد من الأقطار العربية باسم شتى المبررات وشتى الشعارات الكاذبة التى يطرحها الغرب الاستعمارى والكيان الصهيونى لإبقاء هذه الأمة، كل هذه الأمة، فى الفوضى التى تعيش جحيمها حاليا.
أهمية إبراز جوانب مثل هذه المواضيع الكارثية لا تكتمل إلا إذا كانت جزءا من التوعية السياسية الوحدوية العروبية التى يجب أن تترسخ فى وجدان شابات وشباب الأمة، ليدركوا بأن عدم قيام وحدة عربية تضامنية جادة وغير مظهرية سيبقى مثل تلك المشاهد السابقة مشهدا يتكرر عبر مستقبل وطن العرب وعبر كل أقطاره.
وبالطبع هناك عشرات المواضيع الممائلة الأخرى التى تنطبق عليها تلك العلاقة التى وصفنا فيما بين الأحداث التى يرونها أمامهم يوميا وما بين المبادئ والسلوكيات القومية العروبية المطلوبة لإخراج هذه الأمة من محنها وتخلفها.
تلك أمثلة مما يجرى فى الوطن العربى أما بالنسبة لما تواجهه البشرية حاليا فإن القائمة أطول وأخطر وأعقد. لكن ما يجب أن يدركه شباب وشابات الأمة هو أن لكل ما تواجهه البشرية من إشكالات مادية ومعنوية، ويتحدث عنها كبار مفكرى الغرب وفلاسفته ومراكز بحوثه، ارتباطا شديدا بكل ما يواجهه الوطن العربى. من هنا الأهمية القصوى ليكون وعيهم الفكرى والثقافى والسلوكى وعيا شموليا أفقيا، وإلا فإنهم لن يتمكنوا من قيادة الحراكات السياسية الجماهيرية العربية الكبرى مستقبلا. وسنحاول أن نبرز بعضا من قضايا العصر المترابطة فى كتابات مستقبلية. لكننا نؤكد لهم ولهن بأن فهم ما يواجهه وطنهم العربى وما يواجهه العالم سيحتاج إلى تنمية وامتلاك ثقافة من نوع جديد واتساع كبير وأعماق متنوعة لا تقدمها لهم مع الأسف أغلبية وسائل التثقيف الجماهيرية المتواجدة حاليا ولا تتعامل معها بشكل جيد حتى البرامج الأكاديمية الجامعية التى يدرسونها. ولذلك فإنها ستحتاج إلى جهود شخصية كبيرة إضافية وإلى مؤسسات توعوية من نوع جديد.
المستقبل ملىء بالتحديات الكبرى، ولكنه أيضا ملىء بالإمكانيات الهائلة التى تنتظر شباب وشابات المستقبل. نقول ذلك بالرغم من أصوات التشاؤم المتصاعدة التى تملأ الأرض حاليا.