العراق يتمدد.. ولا يتجزأ
صحافة عربية
آخر تحديث:
السبت 24 فبراير 2018 - 9:40 م
بتوقيت القاهرة
نشرت صحيفة الاتحاد الإمارتية مقالا للكاتب «محمد عارف» وجاء فيه:
«عندما تكذب حبيبتى أُصدقها». يقول ذلك الشاعر وليام شكسبير. وكيف لا أصدق أنا حبيبة عراقية عمرها أربعة وأربعون قرنا تروى الأساطير؟ هكذا تبدأ مقالتى المنشورة هنا فى أكتوبر عام 2008 عن أول شاعر وكاتب معروف فى التاريخ، وهو امرأة اسمها «إنهدوانا»، وضعت قبل ألفى عام من الفيلسوف الإغريقى «أرسطو» تعاليم تربوية للفرد والمجتمع، ومُدون فى صورتها الشخصية المنقوشة فى قرص طينى: «إنهدوانا، ابنة سرجون، ملك الجميع». و«سرجون الأكدى» مؤسس أول إمبراطورية فى التاريخ قامت قبل نحو خمسة آلاف عام.
وفى دراسة تاريخ العراق، الذى لا مثيل له فى توالى حضارات عالمية عظمى، نحتاج إلى إبداع علم تاريخ جديد كعلم «الطوبولوجيا» الذى يقيس مواصفات العلاقات الهندسية لحيازات مكانية لا تتأثر بتغيرات الشكل والحجم. فالعراق يتمدد تاريخيا وجغرافيا عبر القرون، وقد تفسر الطوبولوجيا كيف انحدر العرب عن الأكديين، وورثوا عنهم عبقرية إنشاء الإمبراطوريات. كشف ذلك «القاموس الأكدى العربى» الصادر فى أبوظبى بمناسبة مئوية الشيخ زايد بن سلطان، وذكر مؤلفه «على الجبورى»، عميد كلية الآثار فى جامعة الموصل، أن العربية تضم 1800 كلمة من أصل أكدى.
واسم «إنهدوانا» يرمز إلى جمال القمر، وهى اليوم «قمر» فى سماء نساء العالم، جمعيات، وأطروحات أكاديمية، وكتب، ودواوين شعر، ومواقع على الإنترنت تحمل اسمها. «والآن يُحطِم صوت إنهدوانا الصمت الذى أحاط المرأة فى الثقافات والعقائد الدينية السائدة فى الغرب». تقول ذلك «بتى دى شونج»، الطبيبة النفسانية والباحثة فى جامعة بركلى فى كتاب ضم مجموعة قصائد «إنهدوانا».
والخميس الماضى احتضنت «إنهدوانا» شقيقاتها العراقيات، ليس فى بغداد، بل فى العاصمة الأردنية عمان، حيث أقيم احتفال خاص بأساطير وحكايات بلاد ما بين النهرين. نَظم الاحتفال «مجلس الأعمال العراقى»، وهو جمعية غير ربحية يمولها 400 رجل أعمال عراقى فى الأردن و3500 شركة. وفى رسالة شخصية ذكر «سعد ناجى» أمين سر المجلس، ونائب رئيسه، أن المجلس الذى يوفر فرص استثمارات بملايين الدولارات لأعضائه، يمثل جيلا جديدا من رجال الأعمال العراقيين، يلتزمون بوثائق الأمم المتحدة، حول المعايير العالمية للبيئة النظيفة، والمسئولية الاجتماعية للشركات، فى محاربة الفساد، وتوفير فرص عمل بأجور متساوية للجنسين، ومنع تشغيل الأطفال، والسخرة.
وأيقونة المجلس «شجرة الحياة السومرية»، تعبر عن حيوية برامجه الثقافية والإنسانية والإغاثية، التى تتضمن إضافة إلى مؤتمرات وندوات ومعارض فنانين ومعمارين ومصممى أزياء عراقيين.. برامج لخدمة الجالية العراقية التى يراوح عدد أفرادها بين ربع مليون ومليون عراقى، حسب تمدد العراق، وليس حسب تجزئه فى الأردن، الذى لا يعترف بالعراقيين كلاجئين، بل كـ«ضيوف»، غير مسموح حتى للأطباء منهم بفتح عيادات لخدمة جاليتهم، لكن فى عراق الأردن هناك حوانيت عراقية، ومخابز، ومقاه، وحتى مطاعم «سمك المسكوف» التى تعرض أسماكا نهرية حية فى بلد ليس به أنهار!
واحتفال «إنهدوانا» ثمرة عمل المجلس فى لم شمل الشتات العراقى، حيث بادرت له «كفاح عارف»، المنتجة فى «بى بى سى» بلندن، وفى صوت الممثلة العراقية البريطانية «بديعة عبيد» التى روت الأساطير فى الاحتفال، حضر صوت «إنهدوانا» القوى، الذى استوقف «روبرتا بنكلى»، أستاذة الأدب الإنجليزى فى جامعة «تينسى» بالولايات المتحدة، وذكرت فى مقالة عنوانها «أهمية إنهدوانا»، أنه «من دون ثقة بالنفس، ومن دون الهوية الذاتية التى تحدد معرفة النفس، والاعتداد بها، لا يمكن للكاتب أن يبدع ذاته، وهى جوهر الروح». وذكرت «بنكلى» أن صوت «إنهدوانا» هو «الصوت الحازم، والقوى الذى تحتاج النساء لسماعه»، ووصفها لحظة الإبداع الأدبى واحد من أقوى المقاطع فى تاريخ الأدب القديم: «فى منتصف الليل كوَمتُ الفحم فى المبخرة وولدت القصيدة».
الاتحاد ــ الإمارات