«المنديل المعقود».. فى محبة رضوى عاشور
إيهاب الملاح
آخر تحديث:
الجمعة 24 مارس 2017 - 11:35 م
بتوقيت القاهرة
بالتأكيد، ظاهرة تستلفت الانتباه وتثير التأمل والتساؤل حول كل هذا الفيض من الحضور والمحبة والاستدعاء رغم الرحيل والغياب بالجسد منذ ثلاثة أعوام تقريبا، لاسم رضوى عاشور (1946 ــ 2014). أخبرنى صديقى الدكتور أحمد عمار الأمين المشرف على مشروع دوار القراءة بجامعة القاهرة (أحد المشروعات الثقافية البارزة التى تبناها رئيس الجامعة لحث الطلاب على القراءة وتكوين مكتباتهم الخاصة) أن من أوئل الكتب التى نفدت من الدوار كتب رضوى عاشور! غرناطة وسيرتها الذاتية أثقل من رضوى وكتب أخرى! كان أمرا مثيرا للانتباه أن يقبل طلاب من كليات مختلفة ومن أقسام علمية متنوعة على طلب كتب رضوى عاشور بالاسم وأن يكونوا حريصين على اقتنائها والاحتفاظ بها، رغم وجود عشرات العناوين الأخرى مما يندرج تحت مسمى الأكثر مبيعا ورواجا.. إلخ.
ولعل أيضا مع كل مناسبة تتصل برضوى عاشور، ذكرى ميلادها أو تاريخ مغادرتها دنيانا، تحتشد صفحات مواقع التواصل الاجتماعى بكاملها بصور شخصية لها ومقولات مجتزأة من رواياتها ومقتبسات من أعمالها، أمر مبهر وجميل هذا الحضور العارم المتوهج، ما زالت المودة راسخة، وما زال الأثر ممتدا.
ما يقرب من ثلاثة أعوام على رحيل الكاتبة المصرية العظيمة؛ المبدعة والناقدة والأكاديمية، التى استحقت بلا جدال مكانة خاصة ومتفردة فى نفوس محبيها؛ من تلامذتها وقرائها ومتابعيها، بما تركته من سيرة «أطول من عمر»، وكتب صارت من أهم ما أخرجته المكتبة العربية؛ إبداعًا ونقدًا سيرة ذاتية، فى العقود الأخيرة، وأخيرًا بنضال إنسانى وقومى ووطنى صار مضرب الأمثال.
ولهذا، فإن الكتاب الذى أصدرته دار الشروق أخيرًا بعنوان «المنديل المعقود ـ دراسات فى أعمال رضوى عاشور»، من تحرير وتقديم الدكتورة فاتن مرسى، يحاول بصورة مباشرة أو غير مباشرة تفسير هذه الظاهرة الجميلة، وبيان أوجه هذا الحضور النضر المورق والغوص فى ما قدمته السيدة رضوى من أعمال إبداعية ونقدية وإسهامات إنسانية وقومية جعلتها فى هذه الدائرة المنيرة الخالدة.
تقول د.فاتن مرسى فى مقدمتها للكتاب «وعلى نحو ما أكدته الدراسات الرصينة التى تناولت أعمالها، لم يكن عرضًا أن تحظى كتاباتها بذلك الالتفاف الجماهيرى (وخاصة من فئة الشباب) ولا بذلك الاحتضان الفكرى والأدبى والنقدى. فلقد كتب عن إنتاجها النقدى والإبداعى عدد لا يستهان به من الكتاب والنقاد بمختلف اللغات ومن مختلف الأجيال والانتماءات، من بينهم صبرى حافظ، جابر عصفور، طارق البشرى، أحمد زكريا الشِّلق، على الراعى، إلى جانب مارينا ورنر (إنجلترا)، محمد برادة (المغرب) إلياس خورى ويمنى العيد (لبنان) وفريال غزول (العراق)».
كما حظيت أعمالها، تقول فاتن مرسى، باهتمام الباحثين وسجلت أطروحات علمية تتناول أعمالها فى دول عدة، كفلسطين، الولايات المتحدة، إسبانيا، البرتغال، جمهورية التشيك، وغيرها، كما ترجمت أعمالها إلى عدة لغات. كتابات عديدة داخل مصر وخارجها أضاءت لنا أعمالها الإبداعية والنقدية. والمأمول أن تروى هذه الدراسات شجرة رضوى عاشور الإبداعية، هذه الشجرة الدائمة الخضرة التى تستحق أن تتبوأ مكانتها العلمية والأدبية كأحد أهم الكتاب والروائيين العرب منذ تسعينيات القرن الماضى.
هذا الكتاب الاحتفائى على شرف المغفور لها رضوى عاشور، ينتمى إلى تقليد مشرف وراسخ فى حياتنا الأكاديمية والثقافية أو ما بقى من هذه التقاليد (التى يعلم بحالها الخالق وحده!)؛ تقليد يقوم على الاعتراف بالقيمة بالكشف عنها، وتخليد الذكرى ببحث تفاصيلها واستجلاء دقائقها، والاحتفاء بالشخصية المبدعة بإضاء جوانب عبقريتها وتحليل ما أنتجته من أعمال. وبالتأكيد بذلت الدكتورة فاتن مرسى مجهودا محمودا ومشكورا فى جمع وتحرير هذه الدراسات والمقالات الممتازة التى تمثل مداخل رائعة للتعرف على مشروع رضوى عاشور الإبداعى والنقدى.
ينقسم الكتاب إلى جزأيْن؛ أحدهما باللغة العربية والآخر باللغة الإنجليزية. أما الجزء الذى يحتوى على دراسات باللغة العربية فينقسم إلى ثلاثة فصول تمثل ثلاثة محاور مهمة لمقاربة أعمال رضوى عاشور. يتعلق الفصل الأول بالتقنيات السردية والبلاغية فى أعمال مختلفة، بينما يتناول الفصل الثانى محور «التاريخ والرواية» وهو جوهر مشروع رضوى عاشور الإبداعى. أما الفصل الثالث فيحتوى على عدة دراسات تتناول إنتاج رضوى عاشور «النقدى» الذى يمثل الوجه الآخر لمشروعها المكرس لعلاقة الكاتبة بموروثها الثقافى والنقدى. إضافة إلى دراسات ومقالات القسم الإنجليزى.
أسعدنى بوجه خاص أن أقرأ لباحثين وباحثات من أجيال مختلفة، عن رؤيتهم لرضوى عاشور، عن قراءتهم لبعض إنجازها فى الأدب والنقد والسيرة والحياة، بعض هذه الدراسات قرأته بمتعة كبيرة ومعرفة وافرة، كم تمنيت أن يُقرأ هذا الكتاب على أوسع نطاق ويوزع على طلابها (طلاب رضوى حتى وإن غابت) فى الجامعات المختلفة كى يتعرفوا سيرةَ سيدة عظيمة ورائعة من مصر..
السيدة رضوى عاشور.. عليها رحمة الله.