جيوش الظل:لماذا تزايدت الاستعانة بـ«المرتزقة» فى الصراع الليبى؟
العالم يفكر
آخر تحديث:
الإثنين 24 يونيو 2019 - 11:18 م
بتوقيت القاهرة
نشر مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة تقريرا يتناول فيه ظاهرة تزايد الجنود المرتزقة فى ليبيا وأسباب ذلك وتأثيره على الصراع.
تصاعدت ظاهرة تواجد جنود أو عناصر مسلحة من دول أجنبية داخل مواقع معينة فى جبهات القتال وبؤر الاحتجاجات فى المنطقة العربية، وبصفة خاصة فى ساحة الصراع الليبى، فيما يعرف بـ«المرتزقة الأجانب» أو «المقاتلين المرتزقة»، الذين يجرى تجنيدهم واستخدامهم وتمويلهم وتدريبهم، لأسباب عديدة منها إخماد الاحتجاجات، ودعم الميلشيات الموازية فى مواجهة الجيوش النظامية، والاستحواذ على الموارد الاقتصادية خلال الصراعات المسلحة، وممارسة الضغوط على الحكومات الداعمة للجيوش الوطنية.
وتشير الاتفاقية الدولية لمناهضة تجنيد المرتزقة واستخدامهم وتمويلهم وتدريبهم فى المادة الأولى منها إلى أن المرتزق هو «أى شخص يجند خصيصا، محليا أو فى الخارج، للقتال فى نزاع مسلح، ويكون دافعه الأساسى للاشتراك فى الأعمال العدائية هو الرغبة فى تحقيق مغنم شخصى، ويبذل له فعلا من قبل طرف فى النزاع أو باسم هذا الطرف وعد بمكافأة مالية تزيد كثيرا على ما يوعد به المقاتلون ذوو الرتب والوظائف المماثلة فى القوات المسلحة لذلك الطرف أو ما يدفع لهم»، وأضافت: «لا يكون من رعايا طرف فى النزاع ولا من المقيمين فى إقليم خاضع لسيطرة طرف فى النزاع. وليس من أفراد القوات المسلحة لطرف فى النزاع. ولم توفده دولة ليست طرفا فى النزاع فى مهمة رسمية بصفته من أفراد قواتها المسلحة».
وهنا تجدر الإشارة إلى أن الاستعانة بقوات مرتزقة أجانب لم تكن ظاهرة جديدة فى المنطقة العربية، حيث تم فى فترات سابقة تنظيمهم فى شركات عابرة للحدود مثل شركة «بلاك ووتر» التى برز دورها فى حربى أفغانستان والعراق وغيرت اسمها إلى «إكس آى للخدمات الأمنية» فى عام 2009. وقد تزايد دور المرتزقة خلال السنوات الثمانى الماضية فى ليبيا والسودان وسوريا والعراق، فى ظل تصدع نمط الدولة المركزية، مع الأخذ فى الاعتبار أن أصول المرتزقة وعددهم الدقيق تبقى أمورا غير واضحة. ووفقا لبعض الكتابات، يتم اللجوء من جانب أطراف الصراعات المختلفة للمرتزقة الأجانب فى الساحة الليبية، استنادا لعدد من العوامل التالية:
إطفاء نقاط الاشتعال
• مواجهة الاحتجاجات الشعبية: تشير عدة تقارير إعلامية إلى أن نظام الرئيس الليبى السابق معمر القذافى استعان بمجموعات من المرتزقة من دول عدة مثل تشاد والنيجر والكونغو الديمقراطية ومالى والسودان، فضلا عن بعض دول آسيا وشرق أوروبا. لذا، شهدت ليبيا، خلال مرحلة ما بعد 17 فبراير 2011، انتشار ظاهرة المرتزقة الأجانب بهدف تمكين النظام من البقاء فى السلطة، فى حين استغلت مجموعات مرتزقة أخرى حالة الفراغ الأمنى لتحقيق أهداف خاصة بها.
وفى مرحلة لاحقة على سقوط نظام القذافى، مكنت المرتزقة الأطراف الليبية المختلفة من خوض المعارك وقتال الخصوم. وقد أكد على ذلك أحمد عبدالحكيم رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان فى ليبيا فى تصريحه لصحيفة «الشرق الأوسط»، فى 9 مايو الماضى، بقوله إن «جميع الأطراف، ومنذ أن جاء حلف الناتو إلى البلاد قبل ثمانية أعوام، متورطة فى الاستعانة بأطراف ممولة».
ميلشيات قطاع خاص
• دعم الميلشيات الموازية فى مواجهة الجيوش النظامية: استفادت قوات المرتزقة من أتون الصراعات الداخلية والحروب المحلية التى استمرت على مدى ثمانى سنوات، بل تتمدد فى بعض الأقاليم الجغرافية داخل تلك البؤر مثل الجنوب الليبى، حيث اعتبرتهم صحيفة «لوموند» الفرنسية، فى 4 نوفمبر 2018، بمثابة «قنبلة إقليمية موقوتة».
وقد حذر مدير جهاز الأمن التشادى أحمد كوقرى من خطورة وجود جماعات سودانية وتشادية متمردة مرتزقة تتركز فى الجنوب الليبى وتقاتل إلى جانب أطراف ليبية، حسب الطلب، على نحو دعا قائد قوات الجيش الوطنى الليبى المشير خليفة حفتر، فى 8 مارس 2018، إلى مطالبة جميع الوافدين الأفارقة المتورطين فى أعمال عنف مع الميلشيات الإجرامية بمغادرة جنوب البلاد، حيث يكتسب الجنوب الليبى أهميته الاستراتيجية لكونه يقع على الحدود مع النيجر وتشاد والسودان.
وكان أبرز الأسباب التى دعت إلى تسريع عملية تحرير طرابلس من جانب قوات الجيش الوطنى الليبى إخلاء العاصمة من قوات المرتزقة، إذ أعلنت قوات الجيش الوطنى، فى 8 مايو الماضى، إسقاط مقاتلة حربية تابعة لقوات حكومة الوفاق فى محور الهيرة، كان يستقلها طيار برتغالى الجنسية، فى الوقت الذى نفى العقيد طيار محمد قنونو المتحدث باسم قوات حكومة الوفاق سقوط أى طائرة عسكرية تابعة لها، ووصفت لجنة الدفاع والأمن القومى فى مجلس النواب الليبى الاستعانة بطيارين أجانب بأنها «جريمة حرب».
كما أعلنت الكتيبة «140 مشاة» التابعة للقيادة العامة للجيش الوطنى الليبى، فى بيان مصور على صفحتها الرسمية بموقع التواصل الاجتماعى «فيسبوك»، فى 18 يونيو الحالى، عن نجاحها فى القبض على عدد من المرتزقة الأجانب من جنسيات إفريقية أثناء قتالهم ضمن قوات حكومة الوفاق، وذلك فى عملية تحرير العاصمة طرابلس من الجماعات الإرهابية والميلشيات المسلحة. وأضافت الكتيبة فى بيانها: «إن هؤلاء المرتزقة تم جلبهم بالقوة للقتال إلى جانب قوات أسامة جويلى آمر المنطقة العسكرية الغربية لمحاربة قوات الجيش الليبى ووقف تقدمه نحو وسط طرابلس وخاصة محاور طريق المطار والرملة والطويشة».
وقد تزايد هؤلاء المرتزقة بعد رفض العناصر الليبية المؤهلة الانخراط فى أنشطة الميلشيات غير النظامية، وهو ما أوضحه عضو مكتب المدعى العام العسكرى فى الجيش الليبى عادل الحضيرى، فى تصريح لوكالة «نوفا» الإيطالية فى 26 إبريل الماضى، بقوله أن «الطيار المرتزق البرتغالى جيمى ريس كشف أن تجنيده فى قاعدة الطلية الجوية فى مصراتة لم يكن فرديا، بل كان ضمن عملية منظمة بدأت منذ أكثر من 4 سنوات، بهدف بناء قوة جوية بالمدينة بعد أن رفض الطيارون الليبيون القتال مع الميلشيات التى تسيطر على المدينة حيث يوجد طيارون وفنيون مرتزقة من الإكوادور والبرتغال وأوكرانيا».
اقتصاد شبكات الظل
• الاستحواذ على الموارد الاقتصادية خلال الصراعات المسلحة: وذلك بعد تدهور الأوضاع الأمنية وترسخ مكانة العصابات الإجرامية، إذ سبق أن حذر مبعوث الأمم المتحدة للأزمة الليبية الدكتور غسان سلامة من المرتزقة الأجانب الذين يحاولون السيطرة على الموانئ النفطية. وفى السياق ذاته، وُجهت اتهامات عديدة لرئيس المصرف المركزى الليبى، الذى تمت إقالته من جانب مجلس النواب باعتباره أحد الأسماء الكبيرة المتداولة بإغداق الأموال على التنظيمات المتطرفة والكتائب المسلحة والمرتزقة، حسب تصريحات فتحى المجبرى نائب رئيس المجلس الرئاسى الليبى فى حوار مع صحيفة «الأهرام» فى 19 مايو 2019.
وأضاف المجبرى: «يجرى استخدام الأموال الليبية فى جلب مرتزقة أجانب يقومون بقصف المدنيين فى طرابلس، وتمويل تنظيمات إرهابية، مثل القاعدة وداعش وأنصار الشريعة وكل التيارات السياسية التى تدور فى فلكهم، وهى تصرفات غريبة على ليبيا، فنحن لا نتحدث عن فساد عالى أو سوء استخدام للموارد، بل عن توظيف خطير للمال العام لدعم عصابات مسلحة وإرهابيين ومرتزقة». فقد ساعد على تمدد المرتزقة اتساع نشاط الاقتصاد غير المشروع الناتج عن تهريب المخدرات والأسلحة والوقود والأفراد عبر ممرات تسيطر عليها مجموعات مختلفة.
تغيير مواقف الجوار
• ممارسة الضغوط على الحكومات الداعمة للجيوش الوطنية: كشفت بعض الأدبيات أن أحد أسباب استعانة ميلشيات مصراتة وطرابلس بمجموعات مسلحة من شمال تشاد يكمن فى استخدام هذه العناصر للضغط على الرئيس التشادى إدريس ديبى ومنعه من التقارب مع المشير خليفة حفتر بما يؤدى إلى إحداث تدهور فى العلاقات الليبيةــ التشادية. وهنا تجدر الإشارة إلى اللقاء الذى جمع بين حفتر وديبى، فى 16 أكتوبر 2018، وأكدا فيه على أهمية التعاون فى مجال تبادل المعلومات لتطهير منطقة الساحل والصحراء من المرتزقة المسلحة التى تهدد الأمن الإقليمى.
كما أن قطر وتركيا تقدم جميع أنواع الدعم للميلشيات الإرهابية فى طرابلس، على غرار تزويدها بالمرتزقة، لتغيير مسار المعارك وإطالة أمدها وعرقلة تقدم الجيش الوطنى، وهو ما سبق أن أشار إليه أحمد المسمارى الناطق الرسمى باسم القيادة العامة للجيش الليبى فى تصريحات فى 24 إبريل الماضى، حيث قال: «إن عناصر أجنبية تقاتل إلى جانب الوفاق وإرهابيين تم نقلهم من مدينتى زوارة ومصراتة إلى طرابلس»، وأضاف: «إن تلك العناصر جاءت عن طريق تركيا كما أن هناك طائرات تقوم بالتصوير وتقديم معلومات عن الجيش لقوات الوفاق».
سياقات مُحفِزة للبقاء
إن الاستعانة بالأفراد أو المرتزقة ستظل آلية قائمة فى الصراع الليبى، خاصة مع استمرار الدعم القادم من أطراف إقليمية لحكومة الوفاق، وغياب القوة الرادعة من جانب القوى الدولية الكبرى، فضلا عن المُحفِزات المالية لتلك العناصر التى تحكمها ولاءات متغيرة ومجزأة، وتحالفها مع العصابات الإجرامية، بخلاف محاولات التشكيلات الخاصة الروسية التى قاتلت فى سوريا، المعروفة باسم «جيش فاغنر»، التمدد فى دول مثل ليبيا، وهو ما يعكس نتاج الصراعات الجارية فى المنطقة العربية.
النص الأصلى:
https://bit.ly/2ZEA8wP