الصحافة الورقية وشبح الانقراض
طلعت إسماعيل
آخر تحديث:
الإثنين 24 يونيو 2019 - 10:25 م
بتوقيت القاهرة
قبل أيام تصادف وجود عدد من الكتاب والصحفيين والمهمومين بالعمل العام بركن قصى فى مجلس عزاء والدة أحد الزملاء؛ حيث بادر أحدهم بالسؤال عن أحوال الصحافة، فكان الرد التلقائى أن الأوضاع صعبة، وخاصة مع تفاقم التحديات الاقتصادية التى تواجهها غالبية الصحف الورقية فى الوقت الراهن، ومعاناة عدد كبير من الصحفيين من تأخر تسلم رواتبهم، وجلوس عدد آخر فى منازلهم بعد أن فقدوا وظائفهم.
زميل من المتشائمين قال إن الأمر لا يقتصر على المشكلات الاقتصادية التى تعانى منها الصحف الورقية، بل نحن أمام مهنة تنقرض فى ظل دخول منافسين كثر على الساحة الإعلامية، وخاصة مواقع التواصل الاجتماعى على اختلاف أشكالها، ومع تقاعس الصحفيين عن تطوير أدواتهم المهنية، وعدم التمسك بالقواعد الأساسية لممارسة دورهم، حتى باتت الأخطاء الفادحة تشكل نسيجا يوميا لسطور كبرى المطبوعات.
الحوار الجانبى بين مجموعة الزملاء الذين اشتعلت رءوسهم شيبا بعد سنوات عملهم الطويلة بالصحافة، تطرق أيضا إلى بيئة العمل ومدى تأثير سقف الحرية المتاح على إمكانية تجاوز المحنة الحالية التى تمر بها الصحف الورقية التى باتت نسخا باهتة عن بعضها البعض، وربما دارت مقارنات فى مخيلة عدد من الحضور بين واقع الصحافة فى سنوات سابقة واليوم، وجرت على الألسن تساؤلات مثل: ماذا تغير؟ وهل لاختلاف الأجيال الصحفية دور فيما وصلنا إليه؟!
يعتقد بعض الزملاء أن الصحافة حتى فى حقبة الستينيات التى شهدت عصر تأميم الصحف كانت محظوظة بجيل من الصحفيين الكبار الذين كانوا أكثر قدرة على التعامل مع التحديات التى واجهتهم، واستطاعوا بوعيهم استخدام الهوامش المتاحة لتأدية دورهم فى خدمة قرائهم الذين ارتبط بعضه بصحف كان عنوانها مقرونا دائما باسم هذا الكاتب الشهير أو ذاك، بينما اختفت أسماء بحجم ووزن الأساتذة: محمد حسنين هيكل، ومحمد عودة وأحمد بهاء الدين ومصطفى أمين وموسى صبرى وغيرهم من أعمدة الصحافة المصرية التى لا تعوض.
هذه النظرة التى تقارن بين الأجيال الصحفية وقدرة كل جيل على مواجهة تحديات المهنة، ربما مسها بشكل غير مباشر مقال نشرته الشروق (عدد الأحد 23 يونيو 2019) نقلا عن موقع «Eurasia review» للكاتب «أن. أس. فنكاترامان» الذى يقول فيه إن الصحافة أصبحت هذه الأيام كما السياسة «مهنة من لا مهنة له»، بعد ان تدهورت معايير الملتحقين بالعمل فى المجالين.
المقال الذى حمل عنوان «لماذا لا يوجد عائق أمام أن تصبح صحفيا» أو (Why is there no barrier to becoming a journalist?) أشار فى بعض جوانبه إلى توظيف ملاك المنصات الصحفية، سواء كانوا رجالا للأعمال أو سياسيين أو نشطاء أو مؤسسات دينية، للصحفيين الذين «يمكنهم أن يحيدوا عن آرائهم ويتخلوا عن قيمهم لتلبية احتياجات وتوقعات مالكى وسائل الإعلام تلك، والذين لدى معظمهم مصالح خاصة، وغالبا ما يجد الصحفيون غير المستعدين لتقديم مثل هذه التنازلات أنفسهم خارج الوظائف».
بالطبع لم يغفل المقال الحديث عن وجود صحفيين يتمسكون بالمبادئ والقيم المهنية، بل إنه دعا الأشخاص المعنيين والمسئولين إلى الوقوف إلى جانب هؤلاء، مع وضع قيود على من يريد الالتحاق بالعمل الصحفى حتى لا تتحول الصحافة إلى «مهنة من لا مهنة له»، فندور فى حلقة مفرغة حول أسباب تدهور الصحف.
وعلى الصعيد المصرى ربما تحدث العديد من الزملاء عن ضرورة قيام نقابة الصحفيين بدورها فى الارتقاء بالمهنة، ومنع المتسللين إلى جداولها بغير حق، حتى نضمن انضباطا مهنيا، وتوفير بيئة جيدة لتقديم جيل جديد من الصحفيين قادر على التعامل مع التحديات الراهنة والمستقبلية، ولعل دعوة الزميل جمال عبدالرحيم وكيل النقابة إلى عقد مؤتمر لمناقشة المشكلات التى تواجه الصحافة الورقية يكون فرصة لطرح كل الأمور على مائدة البحث والتداول بصراحة وموضوعية علنا نصل لنتائج.
الصحافة المصرية تستحق من الجميع الاهتمام والرعاية، ومن أبنائها تحمل مسئوليتهم فى الذود عن حياضها قبل أن تواجه شبح «الانقراض».