تحول روسيا من استخدام القوة الصلبة إلى الناعمة مع جيرانها
مواقع عالمية
آخر تحديث:
الأربعاء 24 يوليه 2019 - 9:30 م
بتوقيت القاهرة
نشر موقع Bloomberg مقالا للكتاب Marc Champion وHelena Bedwell وHenry Meyer تناولوا فيه ما أوضحته المظاهرات الأخيرة فى جورجيا ضد روسيا من تغير فى النهج الروسى الصارم فى سياساتها الخارجية مع دول الجوار وميلها إلى استخدام القوة الناعمة فى التعامل مع هذه الدول.
بعدما قام البرلمان الروسى بدعوة الرئيس فلاديمير بوتين بفرض عقوبات اقتصادية على جورجيا بسبب الاحتجاجات التى اشتعلت فيها ضد الكرملين، رفض بوتين هذه الدعوة مصرحا بأنه «يحترم الجورجيين».
ترك رد الفعل غير المتوقع هذا البعض يتساءل عما إذا كان الكرملين قد بدأ فى استبدال نهجه التقليدى الصارم تجاه دول الجوار بالتحول نحو استخدام أدوات القوى الناعمة. وقام بوتين مؤخرا بالانضمام إلى صف الاتحاد الأوروبى فى تأييد حكومة ائتلافية فى مولدوفا مؤيدة للغرب، وبدأ فى النظر بشأن عودة البحارة الأسرى إلى أوكرانيا.
ترى رئيسة جورجيا سالومى زورابيشفيلى أنه حان الوقت للتغيير. ففى مقابلة معها تمت خلال مؤتمر حول المسار الأوروبى لجورجيا فى منتجع باتومى على البحر الأسود قالت إن سياسة الحرب واحتلال الأقاليم والعقوبات ستجعل جورجيا تستكمل سيرها تجاه الغرب.
روسيا منذ سنوات وهى فى صراع مع الدول السوفيتية السابقة حيث تسعى جورجيا وأوكرانيا ومولدوفا إلى مزيد من التكامل مع الاتحاد الأوروبى والحصول على العضوية. وتطمح جورجيا وأوكرانيا فى الانضمام إلى منظمة حلف شمال الأطلسى، وهو ما أثار غضب الكرملين الذى يتهم الغرب بشكل دائم بتقويض أمن روسيا من خلال التعدى على فنائها الخلفى.
وصدمت الاحتجاجات العنيفة التى اندلعت الشهر الماضى على إثر قيام نائب روسى بإلقاء كلمة من كرسى رئيس البرلمان الجورجى حكومتى موسكو وتبليسى، وكلا البلدين اتهموا الرئيس الجورجى السابق ميخائيل ساكاشفيلى بإثارة هذه الاحتجاجات.. ولكن الواقع كان أسوأ.
المشاعر المعادية
قالت سالومى إن الاحتجاجات الواسعة التى قام بها الشباب فى البداية كانت عفوية، حتى بعدما سعت الأحزاب السياسية لاحقًا إلى الاستفادة منها. لقد كان «تجسيدًا لشعور الشعب الجورجى القوى المعادى للوضع الراهن».
يرجع هذا الشعور إلى عام 2008 بسبب الحرب بين روسيا وجورجيا، وسيطرة القوات الروسية على منطقتين انفصاليتين فى جورجيا ــ أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا. قالت سالومى: «ليس من السهل نسيان هذه الأحداث».
كان شوتا ديجميلاشفيلى، الصحفى البالغ من العمر 33 عامًا، من بين قادة الاحتجاج. لقد صوت ضد ساكاشفيلى فى الانتخابات البرلمانية فى 2012 التى أطاحت بحزبه من السلطة وأخبر الزعيم الجورجى السابق ــ الذى يعيش الآن فى أوكرانيا – ألا يعلق على الأوضاع فى جورجيا. ولكن ما يقلق ديجميلاشفيلى أن الحكومة الحالية، التى يديرها رجل الأعمال الملياردير بيدزينا إيفانيشفيلى من وراء الكواليس، قد سمحت بتراجع التوجه الجورجى تجاه أوروبا من أجل تخفيف التوترات مع روسيا. وقال ديجميلاشفيلى «لا نريد الانجذاب نحو روسيا.. للأسف، الجميع، ما عدا الحكومة، ترى ذلك».
ابتداءً من عام 2013، وبعد فترة وجيزة من وصول حزب إيفانيشفيلى، رفعت روسيا مراحل الحظر المفروض على النبيذ الجورجى والمياه المعدنية والمنتجات الزراعية. هذه التحركات، بالإضافة إلى تدفق السياح الروس ــ 1.4 مليون فى العام الماضى ــ جعلت البلاد أكثر اعتمادا على موسكو من الناحية الاقتصادية.
المتاجرة مع العدو
علق بيدزينا إيفانيشفيلى على من يريدون إغلاق ولوج جورجيا إلى الأسواق الروسية بأنهم مغفلون أو أعداء للبلاد.
لا يزال الحظر المفروض على الرحلات الجوية المباشرة إلى جورجيا ساريا والذى فرضه بوتين ردا على الاحتجاجات، مما يؤثر على السياحة فى جورجيا. كثيرا ما لجأت روسيا إلى فرض عقوبات على جيرانها عند تصاعد التوترات السياسية واستخدمت القوة العسكرية من قبل بعد الإطاحة بالرئيس الأوكرانى الموالى للكرملين فى ثورة 2014 وضم شبه جزيرة القرم.
وقال فلاديمير فرولوف، وهو دبلوماسى روسى سابق ومحلل سياسى، إن سياسة روسيا تجاه هذه الدول لم تؤد إلى النجاح المطلوب، ما قد يتطلب تغييرا جذريا.
القوة الصلبة
إن الهدف من هذه السياسة هو جعل حلف الناتو يلغى تعهده فى قمة عام 2008 بأن تصبح جورجيا وأوكرانيا فى يوم من الأيام عضوين بالحلف. كما تريد روسيا من كلا البلدين الانضمام إلى الاتحاد الأوروبى الآسيوى بقيادة موسكو، بدلا من الاتحاد الأوروبى. وبالتالى روسيا تتحول من استخدام القوة الصلبة إلى استخدام القوة الناعمة وفقا لما قاله فلاديمير فرولوف.
ولكنه قد يكون فات الأوان على ذلك بسبب الحرب فى 2008، فلن يكون من السهل إرجاع ما تم من اعتراف موسكو بأوسيتيا الجنوبية وأبخازيا.
وبالنسبة لأوكرانيا تحدث فولودومير زيلينسكى، الرئيس الأوكرانى الجديد، مع بوتين للمرة الأولى فى 11 يوليو، حيث طلب إحياء محادثات السلام والإفراج عن 24 بحارًا تم احتجازهم فى نوفمبر، بينما كانت سفنهم الصغيرة تحاول المرور إلى بحر آزوف، وهى مياه مشتركة بالقرب من شبه جزيرة القرم. ولكن قامت المحكمة فى موسكو بمد احتجاز البحارة.
دفع التهديد من روسيا جورجيا، وبدرجة أقل أوكرانيا، إلى تحقيق نتائج أفضل فى تلبية معايير الاتحاد الأوروبى فى مجالات مثل الديمقراطية مقارنة بالعديد من بلدان غرب البلقان، وفقًا لدراسة قام بها مركز دراسات السياسة الأوروبية العام الماضى ــ وهى مؤسسة فكرية مقرها بروكسل.
***
ويقول أحد المحللين عن جورجيا وأوكرانيا أن بوتين قد فقد كليهما وأصبحت روسيا هى العدو، وهو أمر سيصعب تغييره. وحتى فى بيلاروسيا، وهى أقرب حليف لموسكو، فشلت الضغوط الاقتصادية المتصاعدة حتى الآن فى إقناع الرئيس ألكساندر لوكاشينكو بزيادة التكامل مع روسيا.
كما توسعت آفاق جورجيا الاقتصادية وواصلت الحكومة الحالية سياساتها الهادفة إلى جعل جورجيا جذابة للمستثمرين الأجانب (وهى الآن تحتل المرتبة السادسة فى مؤشر سهولة ممارسة الأعمال للبنك الدولى، أعلى من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة)، ولديها أيضًا اتفاقية تجارة حرة مع الصين، وكذلك مع الاتحاد الأوروبى.
يقول ميخائيل تشوكاسيلى، الرئيس التنفيذى لشركة جوريلى المنتجة للشاى الجورجى: يمكن لجورجيا أن تتاجر مع الصين والاتحاد الأوروبى ودول الاتحاد السوفيتى الأخرى ودول الخليج وتركيا وإيران ــ سوق يبلغ عدد سكانه 2.3 مليار نسمة. «لماذا نستمر فى النظر إلى الـ 140 مليون فى روسيا؟»
لا يزال لدى روسيا موارد كبيرة للاستفادة منها إذا ما اختارت التحول إلى القوة الناعمة فى التعامل مع جورجيا من لغة، واقتصاد، وحسن النية بين الشعبين وفقًا لما تراه لسالومى زورابيشفيلى. وقالت: «إنها فقط لا تعرف كيف تستغل ذلك».
إعداد
ابتهال أحمد عبدالغنى
النص الأصلى
https://bloom.bg/2O8C93u