استدعاء 23 يوليو
طلعت إسماعيل
آخر تحديث:
الإثنين 24 يوليه 2023 - 7:45 م
بتوقيت القاهرة
لعبت ثورة يوليو 1952 دورا كبيرا فى تغيير وجه الحياة فى مصر، ونقلت المصريين إلى حقبة جديدة ظلوا يحلمون بها، وناضلوا وضحوا فى سبيلها سنوات طوالا، كى يصبحوا أسيادا فوق ترابهم الوطنى، ويتخلصوا من الاحتلال البريطانى الذى وقع عقب هزيمة العرابيين عام 1882، ويزيحوا معاناتهم اليومية مع الفقر والجهل والمرض فى ظل حكم ملك فاسد وتناحر بين أحزاب سياسية تجاوزتها الأحداث.
تنازعت أحزاب الأقلية الولاء بين الملك والمحتل، فيما تآكل ميراث حزب الأغلبية «الوفد» ورصيده الشعبى، وفشل الجميع فى تحقيق الاستقلال التام الذى دونه الموت الزؤام، كما صدحت حناجر المصريين فى التظاهرات التى لم تهدأ بحثا عن الحرية والكرامة الوطنية، فجاءت ثورة يوليو تتويجا لهذه التطلعات المستحقة لشعب قدم التضحيات العظام وتحمل فوق ما تطيقه الجبال.
اليوم يتم استدعاء ثورة يوليو فى ذكراها الـ71، وهو استدعاء مطلوب للوقوف على ما جرى على صفحة الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية فى مصر، قبل وبعد الثورة الأهم، ليس فى مصر وحدها بل فى منطقتها ومحيطها العربى والإفريقى، وصولا إلى بلدان العالم الثالث فى آسيا وأمريكا اللاتينية، حيث ظهر تأثير ما صنعته الثورة المصرية التى قادها الضباط الأحرار، وسط تلك البلدان والشعوب.
ليس مطلوبا أن تستدعى ثورة يوليو لتمجيد أشخاص، أو إهالة التراب على قرارات أملتها ظروف وأحداث، بل جل ما هو مطلوب الوقوف على ما جرى بحلوه ومره، بنصره وهزيمته، مع الوضع فى الاعتبار أن معايير الحكم يجب أن تكون بنت وقتها وربيبة زمانها، ولا يتم ادعاء الحكمة بأثر رجعى، استنادا إلى معطيات حقب تالية بما حملته من تطورات سياسية واقتصادية واجتماعية داخل مصر وخارجها.
لم تكن ثورة يوليو مغامرة لمجموعة من الضباط الوطنيين لخلع ملك، وإن حملت فى ظاهرها جانبا من المغامرة، لكنها كانت فعل تغيير لإزاحة نظام متهالك لم يعد ينفع معه الترميم، وغير قابل للاستمرار بعد أن فشل فى إدارة شئون العباد، وفرط فى شئون البلاد، فكانت الثورة الرد العملى، وانتخاب طبيعى تختاره الشعوب الحية دفاعا عن بقائها فى عالم لا مجال فيه للاستسلام لمن يريد أن يكون له وجود تحت شمس الحياة.
ربما يفضل البعض استدعاء كل نقيصة فى ثورة يوليو، وينعتها وينعت زعيمها جمال عبدالناصر بأقذع الألفاظ، ويردد كما الببغاء عبارات باتت محفوظة عن ظهر قلب عن «الدكتاتورية والدكتاتور»، وكأنه ولد وترعرع فى أزهى عصور الديمقراطية، ومن دون أن يرفع القذى عن عيونه العليلة التى لا ترى سوى العيوب، ومثل هؤلاء لا يجب الوقوف عند ما يدعون أنه نقد للتجربة، فأدوات النقد الموضوعى لا تعرف السباب.
لا يجوز استدعاء ثورة 23 يوليو للتنفيس عن أمراض مكبوته، أو ترويجا لبضاعة راكدة يحاول البعض تسويقها لمصالح ضيقة، ولا يصلح أن تتحول ذكراها إلى باب للمتاجرة، وساحة لتصفية حسابات وهمية.. نعم أخفقت الثورة فى تحقيق بعض الأهداف التى سعت إليها، لكن ذلك لا يجعلها رجسا من عمل «الشياطين»، فهى ابنة هذا الشعب، وجزء من تاريخنا الوطنى الذى لا يمكن سلخه عن كفاح المصريين عبر العصور.
قلنا ونكرر: ثورة يوليو ليست حدثا عابرا فى تاريخ مصر، ومن المنطقى أن يتفجر الجدل عاما وراء الآخر، وأن يتسع النقاش بشأن ما أنجزته الثورة، وما فشلت فى تحقيقه، لكن يجب أن نضع نصب أعيننا هدفا واحدا هو فهم ما جرى بدوافع التعلم من الماضى، وليس من خلال الرؤية الضيقة لبعض الموتورين، الذين ينظرون بعين المصلحة الذاتية.
نعم ارتكبت ثورة يوليو أخطاء بعضها كان وليد معطيات محلية وإقليمية ودولية، وبعضها كان يمكن تجنبه، فهو نتاج قلة خبرة وأهلية بعض من تصدوا للعمل التنفيذى، أو تولى مواقع قيادة مدنية كانت أم عسكرية، لكن جميع الأخطاء يجب أن تخضع للتحليل الموضوعى الخالى من الأهواء، وهو أمر لو تعلمون عظيم.