البَيْن.. بَيْن
عماد الغزالي
آخر تحديث:
الإثنين 24 سبتمبر 2012 - 8:10 ص
بتوقيت القاهرة
لو سألت أى واحد من تيار الإسلام السياسى عن رأيه فى الفنون فلن يقول لك إنها حرام، سيقول لك على الأغلب إن «حسنها حسن وقبيحها قبيح»، أما ما هو الحسن وما هو القبيح فهذه وجهات نظر، وأن هناك معايير أخلاقية وضوابط شرعية تحكم المسألة، فإن واصلت إلحاحك، ودخلت أكثر فى التفاصيل، ستكتشف أن ما تراه فنا كله حرام: السينما والغناء والموسيقى والرسم والنحت والتصوير والباليه والأوبرا والرقص الشعبى والمسرح.
ولن يبقى لك من فنون البصر والسماع سوى التواشيح والإنشاد الدينى، وهى فنون جميلة قطعا، لولا أن المنجز الإنسانى فى الفنون أكثر عمقا واتساعا، وحتى أصل بك إلى ما أود قوله دون لف أو دوران،أؤكد لسيادتك أنهم جميعا ــ إخوان مسلمين وسلفيين وجهاديين وتكفيريين ــ يرون فى إلهام شاهين ما يراه الشيخ بدر، ورأيهم فيها وفى أخواتها يماثل رأيه، لولا أن الرجل كان أكثر صراحة واتساقا مع ما يعتقده، أما الأغلبية منهم، فيرون أن الوقت لم يحن بعد للإعلان عن هذه المسائل بهذا القدر من الوضوح.
الموقف من الفن، هو النموذج الأكثر وضوحا لحالة الـ«بين بين» التى نعيشها، وهى حالة ليست جديدة على كل حال، وسببها برأيى أننا وبرغم مرور أكثر من مائتى عام على بدايات النهضة على يد محمد على لم نقدم إجابة حاسمة لسؤال الهوية، وكل الكتابات التى اقتربت من هذه المسألة، من رفاعة الطهطاوى إلى محمد عبده إلى طه حسين وحسين فوزى وتوفيق الحكيم وسلامة موسى وغيرهم، لم تفعل سوى أن زادت الأمر غموضا.
الآن تبدو الحيرة أشد، لأن الدين دخل فى السياسة رسميا وبلا مواربة، وهى حالة أخرى فاضحة من حالات الـ«بين بين»، ففى الوقت الذى تمنع فيه القوانين نشأة الأحزاب على أسس دينية، احتل غالبية مقاعد البرلمان نواب ينتمون إلى أحزاب قامت على أسس دينية؟!
لن يفيد أبدا أن نواصل سياسة الـ«بين بين» ونحن نحاول القفز من القرن الحادى عشر إلى القرن الحادى والعشرين، هذا النفاق الاجتماعى والدينى لن يوصلنا إلى شىء، سنظل نراوح مكاننا، فيما العالم يواصل صعوده، أسئلة كثيرة تحتاج إجابات حاسمة لكننا لا نفعل: هل فعلا الدين لله والوطن للجميع، هل نحن أدرى بشئون دنيانا، هل نؤمن فعلا بأن من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، هل نؤمن فعلا بالديمقراطية أم نؤثر عليها الشورى غير الملزمة للحاكم، كيف سنواجه الزيادة السكانية، كيف سنتعامل مع اقتصاديات العالم؟ هذه مجرد عينة، وأظن أن هناك عشرات الأسئلة الأخرى تدور فى ذهنك، سترسم الإجابة عليها وجه المستقبل: إما النهضة وإما النكسة.