مشكلة رقائق
محمد زهران
آخر تحديث:
السبت 24 سبتمبر 2022 - 7:55 م
بتوقيت القاهرة
ما هو الشىء المشترك بين ساعتك والسيارة الجاجوار والطائرة والتليفون المحمول؟ الشىء المشترك هو أن كل تلك الأجهزة وأكثر تعتبر أجهزة كمبيوتر، أى تحتوى على رقائق (chips) تقوم بعمل جهاز الكمبيوتر. صناعة رقائق الكمبيوتر فى بعض الدراسات قد تصل إلى حجم سوقى 291 مليار دولار مع حلول 2027، بدون تلك الرقائق ستتوقف تقريبا كل الأجهزة الإلكترونية فى عالمنا هذا. مقالنا اليوم عن تلك الرقائق.
تصنيع تلك الرقائق لا يحدث فى دولة واحدة، بل عدة دول مجتمعة. فى تقرير نُشر فى مجلة (IEEE Spectrum) المتخصصة فى هندسة الإلكترونيات سنجد مثالا واضحا يوضح تصنيع الرقائق حول العالم: السيليكون يتم شحنه من ولاية ميتشجان الأمريكية إلى تايوان، تتم خطوات التصنيع الأولى فى تايوان ثم يتم الشحن من تايوان إلى ماليزيا للاختبار، ثم من ماليزيا لميونخ للخطوات الأولى للتجميع، ثم من ميونخ إلى الصين للتجميع النهائى، ثم من الصين إلى ولاية كاليفورنيا للتوزيع، وهذا مثال واحد فقط يضم خط سير يتجاوز 55 ألف كيلومتر. هناك خطوط أخرى شبيهه.
السؤال هنا: هل تحتاج دولة مثل أمريكا مثلا كل تلك الدول الأخرى؟ ألا تستطيع أن تقوم بتصميم وتصنيع كل تلك الرقائق بنفسها وتحتفظ بالمكاسب كلها لنفسها دون الحاجة إلى كل تلك الدورة الكبيرة؟ فى تقرير نُشر سنة 2021 من جمعية صناعة أشباه الموصلات نجد أن أمريكا تحتاج عشر سنوات وحوالى تريليون دولار حتى يصبح عندها اكتفاء ذاتى من تصميم وتصنيع تلك الرقائق وتصديرها للخارج، وحتى فى تلك الحالة سيزيد سعر تلك الرقائق لأكثر من 60% من ثمنها الحالى. إذا فوجود هذا النظام العالمى لتصنيع الرقائق لا مفر منه على الأقل فى الوقت الحالى ويجب أن نتعامل معه. لكى نتعامل معه يجب أن نعرف ما هى المخاطر الذى تهدده الآن؟
هناك مناطق قليلة فى العالم تسيطر على مفاصل هذه الصناعة، وهذه نقطة ضعف شديدة لأن أية اضطرابات فى تلك المناطق ستكون عواقبها وخيمة على العالم كله. على سبيل المثال هولندا بها شركة (ASML) والتى تصنع جهاز تصنيع الرقائق الحديثة جدا وهى الشركة الوحيدة فى العالم التى تصنع هذا الجهاز، لن نذكر اسمه هنا لأنه معقد ولن يفيدنا فى هذا المقال. تايوان بها ثلاث شركات تصنع حوالى 90% من الجيل الحالى من الرقائق. إذا حدثت مشاكل فى احدى هاتين الدولتين ستؤثر على تصنيع الرقائق فى العالم أجمع ونحن نرى المناوشات بين أمريكا والصين على حدود تايوان والزلزال المدمر الذى ضرب تايوان مؤخرا والخوف من أعاصير محتملة هناك. إذا فالحالة غير مستقرة.
مما يدل على ازدياد الطلب فوق طاقة مصانع تصنيع الرقائق هو أنه فى الطبيعى تعمل المصانع بحوالى 80% من طاقتها، باقى الطاقة يستخدم للصيانة والتطوير. لكن منذ سنة 2020 تعمل كل المصانع بأكثر من 90% من طاقتها لمواجهة الطلب المتزايد فى العالم كله، هذا يعنى زيادة احتمالات الأعطال لتقليل الوقت الذى كان يستخدم للصيانة، وتلك مشكلة أخرى.
دليل آخر على ازدياد الطلب وعدم قدرة المصانع على مجاراة الطلب هو أن أغلب المصانع يكون عندها مخزون يكفى لأكثر من شهر طلبات، الآن أغلب المصانع لا تحتوى على أكثر من خمسة أيام مخزون فى 2021. لكن لماذا ازداد الطلب على رقائق الكمبيوتر مؤخرا؟
ازداد الطلب على تلك الرقائق لعدة أسباب: أولا مع استخدام برمجيات الذكاء الاصطناعى فى مختلف مناحى حياتنا زاد الطلب جدا على الرقائق المصممة خصيصا لهذه النوعية من البرمجيات، ثانيا أصبحت رقائق الكمبيوتر تدخل فى أغلب الأجهزة فى حياتنا من سيارات وطائرات وأجهزة منزلية بخلاف أجهزة الكمبيوتر العادية والفائقة إلخ. ثالثا الوضع السياسى العالمى خاصة وباء الكورونا أثر على عمليات التصنيع والنقل بشدة مما جعل الطلب أكثر من العرض.
قد يتساءل القارئ الكريم عن أهمية كل هذه المعلومات بالنسبة لنا فى مصر؟ ما نراه بوضوح من كل ما سبق أنه هناك احتياج شديد لتصميم تلك الرقائق وتصنيعها. التصميم لا يحتاج إلا إلى جهاز كمبيوتر عادى مزود ببعض البرمجيات المستخدمة فى التصميم ثم الإبداع البشرى ونحن عندنا فى مصر عقول مبدعة فلماذا لا نستخدم هذا الجيش من المبدعين فى إنشاء شركات ناشئة لتصميم رقائق لصناعات معينة مثل الذكاء الاصطناعى أو أنترنت الأشياء.
أما بخصوص التصنيع فكما ناقشت هذا الموضوع فى عدة مقالات سابقة يجب أن نحاول اجتذاب بعض الشركات الكبرى لإنشاء مصانع عندنا وهناك دول قد نجحت فى هذا.
هناك فرصة ويجب أن نحاول استغلالها.