صداع عناوين الصحف

العالم يفكر
العالم يفكر

آخر تحديث: الخميس 24 أكتوبر 2013 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

كتب تيم باركس، روائى وأستاذ مشارك فى الأدب والترجمة بجامعة IULM فى ميلان بإيطاليا، مقالا نشر على الموقع الالكترونى لمجلة «ذا نيويورك ريفيو أوف بوكس». ينتقد فيه سياسات عناوين الأخبار ومقالات الرأى بالصحف المختلفة.

بدأ الكاتب المقال بقوله «إنه فى عام 2001 أجرت صحيفة كورييرى ديلا سيرا لقاء معى بخصوص كتاب ألفته عن كرة القدم فى إيطاليا، وبوجه خاص مشجعى هيلاس فيرونا. وكان لقاء شاملا حول سنواتى العشر كأحد المشجعين الأساسيين للنادى الإيطالى والمواقف المثيرة والانفعالية التى تنشأ مع السفر بانتظام مع مجموعة من الأشخاص، ذوى السمعة السيئة للغاية، وبوجه عام التركيبة الإنسانية للتشجيع الرياضى، والمساحة الذهنية التى تحتلها فى المجتمع الحديث وما إلى ذلك. وعندما قرأت الصحيفة وجدت مانشيتا ضخما يقول «المشجعون علمونى الكراهية». وغنى عن القول إننى لم أقل شيئا من هذا القبيل. فقد تحدثت عن ان المنافسات فى كرة القدم تقدم للناس الفرصة لتوظيف الانفعالات المكثفة لديها بحيث لا تؤثر على حياتهم اليومية. فكتبت رسالة احتجاج قصيرة الى كورييرى ديلا سيرا. وفى نفس الوقت، اتصل الصحفى الذى أجرى المقابلة بى هاتفيا ليعتذر، وأكد انه لا علاقة له بالعنوان. نشرت الصحيفة بضعة أسطر من رسالتى ببنط صغير فى صفحة داخلية».

وأشار باركس إلى أن الكاتب والقارئ يستمران فى تغذية هذا الوهم المريح بأنهما على طرفى خط اتصال مباشر، فالكاتب نجح فى ايضاح القضية المطروحة بشكل كامل، فى حين تابعه القارئ وتفهم منطقه من البداية إلى النهاية. وفى الواقع تنزع كل رسالة، سواء كانت عبر كتاب أو صحيفة أو مدونة، إلى دفع النص باتجاه اثنين من أولويات التحرير: الميلودراما والفكرة المستقبلية. وتؤدى القيود المعتادة على طول النص إلى تركيز الذهن وشحذ القلم ولكن تعوق بشدة قدرة الكاتب على تقديم حجة دقيقة. وتؤدى الأساليب النمطية إلى كبح قدرة الكاتب على إيجاد طريقة مختلفة للتعبير عن نفسه، ويمكن أن تتأثر الطريقة التى يتم بها قراءة مقال بحجمه ونوعه، واستخدام الصور، والتعليق عليها، وتحديد موقع هذه المادة على الصفحة، وقربها من الإعلان وغيرها من المواد، ناهيك عن الطريقة التى يمكن أن تقطع بها الفقرات أو تقسم المادة نفسها على عدة صفحات.

ولكن ليس هناك ما يضمن انتقال القارئ من العنوان إلى قراءة الموضوع. كما أنه ليس هناك ما يضمن جعله يصدق، حتى بعد قراءة المقال، أن المؤلف قال شيئا لم يقله وربما لم يكن يرغب أبدا أن يتخيل الناس أنه قاله.

وانا اتحدث عن مقالات رأى وليس الموضوعات الإخبارية. ومن المفهوم، أن يكون للمحررين موقف بالنسبة للعناوين الرئيسية وهناك تقليد قديم، يتمثل فى وضع عنوان جاذب للموضوع متجانس ومندمج مع الحدث نفسه بما يتفق مع زاوية اهتمام الصحيفة. فقبل أيام كان مانشيت احدى الصحف البريطانية «فشل ملكى»، ويدور الموضوع عن خصخصة هيئة البريد «البريد الملكى». وعندما طرحت الصحف هذا الإعلان الذى يحتوى على مفارقة، صار العنوان أكثر إثارة للاهتمام من الخبر، ولغزا لا يمكن حله إلا من خلال قراءة الخبر. ولا شك أن صحافة التابلويد البريطانية تستحق القراءة ولو فقط من أجل عناوينها المجنونة المبتكرة.

وتحدث المشكلة عندما يتبنى كتاب العناوين نفس موقف ملاك الصحيفة، ونفس الرغبة فى تحفيز الأفكار المسبقة المتصورة لدى القراء، على موضوعات يفترض أن تطرح التحليل والتفكير. ففى هذا الاسبوع، شنت الكاتبة اليسارية المخضرمة بولى توينبى، فى صحيفة الجارديان، انتقادات لما قامت به الحكومة الحالية من إلغاء قاعدة بيانات حماية الطفل. وكان العنوان على موقع الانترنت «دفع الطفلان بورز وحمزة خان ثمن التخريب الذى ارتكبه حزب المحافظين» فى اشارة الى اثنين من الأطفال الصغار اللذين لقيا حتفهما عندما فشلت الخدمات الاجتماعية فى انقاذهما من العنف الأسرى المتكرر. لكن، وكما اتضح، توفى هذان الطفلان قبل وصول الحكومة الحالية للسلطة، وبينما كانت قاعدة البيانات لا تزال قيد الاستخدام. وقالت توينبى إنها ليست مسئولة عن العنوان.

●●●

وأضاف الكاتب بما ان الصفحة على الانترنت ليست محدودة بحجم الصفحة المطبوعة، تميل العناوين إلى أن تكون أطول، وبالتالى تعطى المزيد من المصداقية لفكرة أن الكاتب أعرب فعلا عن الفكرة التى تحتويها. وكنت مؤخرا ضحية لهذا: حيث طلبت منى صحيفة الاندبندنت أن أكتب مقالا حول قرار المشرفين على جائزة مان بوكر فتح الجائزة لجميع الروايات التى نشرت باللغة الإنجليزية، وبالتالى تصبح مفتوحة أمام الكتاب الأمريكيين. وكان مسموحا لى بخمسمائة كلمة. فقلت إن قرار بوكر كان جزءا من اتجاه قديم نحو عالمية الأدب، لا سيما فى البلدان البعيدة عن المهتمين بالأدب الغربى التقليدى، مما يؤدى إلى إضعاف العلاقة بين الكاتب ومجتمعه المحلى، ودعوته للكتابة إلى جمهور جديد، جمهور دولى. وكتبت «تاريخيا، كانت الجائزة الدولية تسير جنبا إلى جنب مع تراجع دور الرواية فى التأثير على الحوار الوطنى أو كوسيط تثقل فيه اللغة الأصلية، وتتجدد».

 وأرسلت المقال تحت عنوان «يانكى بوكر»، والذى بدا لى مثيرا واضحا بما فيه الكفاية. وعندما شاهدت المقال على الإنترنت (حيث أقيم فى إيطاليا ولا يتوقع أن أرى النسخة الورقية)، وجدته منشورا مع صورة مزدوجة لجوناثان فرانزين وزادى سميث، كما لو أنها كانت تهدف بطريقة أو بأخرى إلى الاحتفال أو ربما مهاجمة ظاهرة مشاهير الأدب. وجاء العنوان الرئيسى طويلا: «صعود الجائزة الأدبية الدولية يسير جنبا إلى جنب مع تراجع الرواية»، وهو أمر لم أقله فعلا. ومن شأن أى شخص يلقى نظرة خاطفة على العنوان من دون قراءة المقال أن يشعر أنها ناتجة عن مرارة مؤلف تم استبعاده من الجائزة، وأظن أن العديد ممن لم يواصلوا القراءة مازالوا يحتفظون بهذا الانطباع الغامض. ولم يكن شيئا من هذا القبيل فى ذهنى. ولم يرد ذكر فرانزين ولا سميث فى الموضوع؛ فما ابديت اهتماما به هو التراجع المستمر لنوع معين من الرواية كان يعتمد على العلاقة الوثيقة بين المؤلف والقارئ الوطنى.

ولم يكن الأمر دائما هكذا. فقبل حوالى قرن من الزمان، كان العنوان عادة محاولة محايدة لإعلام القارئ بمضمون مقال أو كتاب. ولكن مع تقدم، أو تراجع، القرن العشرين صار العنوان يفهم على انه فرصة للدعاية ولم تعد الكتابة نفسها (المحتوى) سوى سلعة استهلاكية. حيث تسعى الصحف وهى على وشك الانهيار المالى إلى إرضاء التحيزات الخاصة المفترضة لقرائها. وقد سمعت للتو مقابلة بى. بى. سى مع آلان روز بريدجر، رئيس تحرير صحيفة الجارديان اليسارية، حول الخلاف الجارى بين صحيفته والديلى ميل اليمينية. تكلم روزبريدجر عن الاحترام المتبادل بين الصحيفتين اللتين تعرفان كيفية تلبية رغبات القراء المستهدفين. ولا يبدو أنه أدرك كم أن ذلك محبط لكل من القراء والصحفيين. كما لو أن الخلاف بين الصحيفتين فى الواقع ليس أكثر من حيلة تجارية فعالة.

●●●

ويختتم الكاتب المقال بقوله، إن خيانة العنوان تبدو للأمانة مسألة ثانوية. إلا أنها ليست كذلك. فسلامة الديمقراطية هى سلامة العقل الجمعى، ولكنها تحدث بشكل متزايد بعيدا عن الصحيفة أو شاشة الكمبيوتر، بعد أن تتعرض لوابل من السهام الهادفة كلها إلى تأجيج وإثارة العقل. وبطبيعة الحال، نحن جميعا نقرأ عناوين مقالات وتغريدات والتعليقات عليها، والشعارات، ضمن التشتيت العام للانتباه فى الأجهزة الإلكترونية التى تهتز فى جيوبنا، والمواقع التى نضعها فى الخلفية، والرسائل التى تأتينا باستمرار من الملصقات والشاشات. وجميعها تستفزنا دائما للرد، بطرق مختلفة، فأنا قرأت هذا وأشعر بالغضب، وأقرأ ذلك وأبرره، وأنا أقرأ شيئا آخر وأشعر بالقلق، وهكذا.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved