مع فوز القوى المتطرفة فى الانتخابات فى بعض أجزاء من عالمنا غالبا ما يكون العنف المنظم الموجه ضد الأقليات الضعيفة هو القاعدة وليس الاستثناء. لا يوجد فى جنوب آسيا تصوير أكثر وضوحا لهذا العنف الموجه مما هو عليه الحال فى الهند التى يحكمها حزب بهاراتيا جاناتا (BJP). فالحزب الحاكم يخوض منافسة ليثبت للهند ذات الأغلبية الهندوسية أنه الحزب السياسى الوحيد الجدير بالثقة الذى يمثل الهندوس.
بشكل عام، أصبحت الهندوسية السياسية المتشددة الأيديولوجية الدينية الفاشية لجعل الهند هندوسية مرة أخرى (على غرار شعار دونالد ترامب لجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى!). بعبارة أخرى، من خلال سلسلة من القوانين المليئة بالتعصب والمناهضة لمن يدينون بالإسلام، والتى أثرت على حياة مئات الملايين منهم من ولاية آسام فى الشرق إلى كشمير فى الجانب الغربى للهند، أثبت ناريندرا مودى وحزب بهاراتيا جاناتا بما لا يدع مجالا للشك أنهم جادون فى جعل الهند حكرا على أغلبيتها الهندوسية ولا يتمتع فيها أتباع الديانات الأخرى (ولا سيما من يدينون بالإسلام والمسيحية) بحقوق قليلة أو معدومة فى هذا البلد. منذ صعود مودى فى عام 2014 كرئيس للحكومة، مُزقت الهند وتخلت عن تظاهرها بأنها ديمقراطية علمانية. ويتعين على الأحزاب السياسية الآن إثبات مدى ارتباطها بمعاداة من يدينون بالإسلام أو تأييد الهندوس.
لكن من يهتم بالحقيقة فى عهد مودى حيث يتم تصوير المسلمين والمسلمات، على الرغم من وجودهم لما يقرب من ألف عام، على أنهم دخلاء فى أحسن الأحوال، وأعداء فى أسوأ الأحوال. كما أصبح اضطهاد وقتل المسلمين والمسلمات أحداثا روتينية فى الهند اليوم. قبل أيام قليلة فقط، تم تشريد ما يقرب من 1300 عائلة مسلمة. باختصار، العنف المنظم موجه دائما ضد المسلمين والمسلمات.
لكن هل حالة الأقليات أفضل فى المناطق الأخرى بجنوب آسيا؟ فى ميانمار والصين المجاورتين، تم تصنيف الاضطهاد الدينى للأقليات المسلمة على أنه إبادة جماعية. فمع مقتل عشرات الآلاف، وحرق مئات القرى المسلمة، واغتصاب الفتيات والنساء، تم طرد ما يقرب من مليون من الروهينجا من منازلهم.
كذلك ما يقرب من مليون من الأويغور محتجزون فى معسكرات اعتقال فى مقاطعة شينجيانغ فى الصين حيث يتم التعامل معهم على أنهم إرهابيون غير مرغوب فيهم بسبب هويتهم الإسلامية. يُسجن الرجال المسلمون البالغون ويعذبون، وتُغتصب النساء، وتُهدم الأضرحة والمساجد بشكل روتينى بينما تبنى الحكومة المعابد البوذية الجديدة.
لا يقتصر الاضطهاد الدينى الصينى على الأويغور فقط، بل يشمل جميع المسلمات والمسلمين الذين يعيشون هناك. فبتوجيهات من حكومة الرئيس الصينى، أزالت شركة آبل أخيرا تطبيق القرآن من متاجرها.
أما أفغانستان، فبعد الانسحاب الأمريكى فى أغسطس الماضى يبدو أنها مهددة من قبل المتطرفين الخارجيين الذين يريدون زعزعة استقرار حكومة طالبان.
يوم الجمعة الماضى، فى 15 أكتوبر الحالى، هاجمت مجموعة انتحارية تابعة لتنظيم داعش خراسان مسجدا شيعيا فى جنوب أفغانستان، مما أدى إلى وقوع انفجارات أسفرت عن مقتل العشرات خلال صلاة الجمعة. وكانت هذه المذبحة ثانى هجوم للجماعة على مسجد خلال أسبوع واحد فقط. ففى 8 أكتوبر الحالى، دمر انتحارى مسجدا شيعيا فى مدينة قندز الشمالية، مما أسفر عن مقتل العشرات من المصلين المنتمين لأقلية الهزارة الشيعية.
لنأتى إلى بنجلاديش، ففى عهد رئيسة الوزراء الشيخة حسينة، كانت بنجلاديش بمثابة ثروة للأقليات الدينية التى تبلغ نسبتها 10 فى المائة حيث يشغلون العديد من الوظائف المربحة والمناصب الحكومية الرئيسية. كما يعد مهرجان دورجا بوجا الهندوسى عطلة وطنية مدفوعة الأجر. بالإضافة إلى ذلك توفر الحكومة أطنانا من الأرز مجانا لآلاف المعابد الهندوسية فى جميع أنحاء البلاد.
فى ظل هذه الظروف، كان يمكن للمرء أن يعتقد أن بنجلاديش ستكون منطقة تجسد الانسجام الدينى خير تجسيد. لكن لا!
فى الآونة الأخيرة، شهدت بنجلاديش حالات تدنيس القرآن الكريم فى أكثر من معبد هندوسى خلال مهرجان دورجا بوجا الهندوسى. تجمع نحو 2500 مصل مسلم يوم الجمعة خارج مسجد بيت المكرم، أكبر مسجد فى بنجلاديش، مطالبين «بعقوبة مغلظة» على «تدنيس» القرآن الكريم.
حذرت رئيسة الوزراء الشيخة حسينة: «لن يتم التسامح مع أى محاولة لتدمير هذه البيئة السلمية والمتناغمة»، مضيفة أن تدنيس القرآن أمر مؤسف للغاية. يجرى الآن تحقيق شامل فى الأحداث التى وقعت. وقالت حسينة «سيتم تعقبهم ومعاقبتهم». على أى حال، ترك هذا الحادث المؤسف باب التحقيق مفتوحا: من فعل ذلك، و/أو من الذى يستفيد من مثل هذا العمل؟
***
لكن السؤال الأهم الآن هو: كيف يمكن لجنوب آسيا أن تهزم المتطرفين المتعصبين الذين لا يحترمون حياة الآخرين أو حريتهم أو صحتهم أو ممتلكاتهم، وبالتالى يعتبرون اضطهاد الأقليات واجبا؟ هل يمكن لشخص من جنوب آسيا أن يعيش مع أخريات وآخرين مختلفين باحترام وسلام وبلا تهديد؟
الإجابة المختصرة هى: نعم. إنه ممكن. ومع ذلك، فإن حالة الهند ــ أكبر ديمقراطية ــ تبدو حالة كئيبة وسوداوية لتحقيق تلك التعددية الثقافية والوئام الدينى والعرقى، ما لم يبذل شعبها جهودا متضافرة للتخلى عن الفاشية الدينية. يجب أن يهزموا قوى الشر التى تشجع وتنفذ التعصب ضد الأقليات. فالناس تعانى بالتأكيد عندما تدار الحكومة من قبل مجموعة من الشوفينيين.
إعداد: ياسمين عبداللطيف زرد
النص الأصلى: