المحددات الخمسة لمسار التصعيد فى المنطقة
قضايا إقليمية
آخر تحديث:
الخميس 24 أكتوبر 2024 - 8:05 م
بتوقيت القاهرة
نشر المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية مقالا للباحث محمد فوزى، تناول فيه العوامل المتحكمة فى مسار التصعيد الإقليمى، ومنها إصرار رئيس الوزراء الإسرائيلى على تحقيق النصر الكامل، وتبعات الرد الإسرائيلى على الهجمات الإيرانية الأخيرة، وغيرهما. كما تطرق الكاتب فى ختام مقاله لنجاح نتنياهو فى تهدئة جبهة الداخل الإسرائيلى، ناهينا عن نجاحه فى تقليل خيارات المجتمع الإقليمى والدولى فى وقف التصعيد.. نعرض من المقال ما يلى:
يغلب على البيئة الإقليمية حاليا حالة تتسم بشكل رئيسى بالتجييش والضبابية على وقع الحرب الجارية، وفى ثنايا ذلك تصاعدت التساؤلات فى الأيام الماضية عن مآلات الحرب والتصعيد فى إقليم الشرق الأوسط، وذلك على وقع مجموعة من التطورات النوعية، ومنها اغتيال إسرائيل للشخصيتين الأهم فى محور المقاومة، حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله، ويحيى السنوار زعيم حركة حماس، فضلا عن حالة الترقب والترصد تجاه الرد الإسرائيلى على الهجمات الإيرانية الأخيرة التى استهدفت العمق الإسرائيلى فى مطلع أكتوبر الجارى.
أولا- إصرار نتنياهو على فكرة النصر المطلق
على الرغم من صعود بعض التحليلات والتقديرات التى رأت أن اغتيال «السنوار» قد يفتح الباب قدمًا أمام مباحثات جادة بخصوص وقف إطلاق النار، إلا أن التحليل السيكولوجى لشخصية رئيس الوزراء الإسرائيلى، يكشف أن أى مكاسب تكتيكية حققها نتنياهو منذ بداية الحرب كانت دافعًا له لإطالة عمر هذه الحرب، والمزيد من الترويج لفكرة النصر المطلق.
ووفقا لهذه المحددات فإن نتنياهو سوف يرى فى الإطاحة بـ«السنوار» فرصة لتحقيق مجموعة من الأهداف، أولها الاستمرار فى هذه الحرب التى تستهدف بشكل رئيسى القضاء على ما تسميه الدوائر الإسرائيلية بـ«التهديدات الوجودية» ممثلة فى فصائل محور المقاومة، وإعادة هندسة الوضع الإقليمى بما يجعل من إسرائيل قوة عظمى أحادية، وثانيها أن السياق الراهن والدعم الأمريكى المباشر والضمنى لإسرائيل يُتيح فرصة للقضاء على الركائز الاستراتيجية لمصادر القوة الإيرانية خصوصًا ما يتصل بالقدرات النووية والقدرات العسكرية الاستراتيجية، فضلًا عن القدرات الاقتصادية النفطية والطاقوية، وثالثها أن السياق الراهن يُتيح فرصة لنتنياهو من أجل تنفيذ أطماعه التوسعية والانخراط فى العديد من الجبهات التى كانت مؤجلة منذ سنوات، خصوصًا الجبهة اللبنانية والسورية، فضلًا عن الضفة الغربية المحتلة، بالإضافة لجبهة الحوثيين، وبطبيعة الحال المسألة الإيرانية.
ثانيا- حسابات الرد الإسرائيلى على إيران
يبدو أن بنك الأهداف الإسرائيلى فى الرد المحتمل على إيران يتراوح بين مستويات ثلاثة رئيسية، الأول يتمثل فى الإقدام على استهداف المنشآت النووية الإيرانية وتنفيذ بعض الاغتيالات النوعية لشخصيات وازنة فى إيران، وهو الخيار الأكثر خطورة، والثانى هو استهداف المنشآت النفطية الإيرانية وبعض القطاعات الاقتصادية، وهو سيناريو سيؤثر بشكل كبير على أسعار النفط العالمية، والثالث هو استهداف بعض المنشآت والبنى التحتية العسكرية المتوسطة والاستراتيجية، فضلًا عن سيناريو آخر مطروح لكنه لا يُرضى حالة النشوة والغرور التى يعيشها نتنياهو، ممثلًا فى شن هجمات سيبرانية كبيرة ضد إيران بما يضمن تحقيق تكلفة وخسائر كبيرة.
لكن فى مقابل ذلك قد يجر هذا الرد الإسرائيلى على إيران المنطقة إلى صراع مدمر، وذلك على وقع مجموعة من التداعيات المحتملة، أولها احتمالية إقدام إيران على تدمير بنى تحتية مهمة ونوعية فى إسرائيل، وثانيها هو احتمالية أن تقوم إيران فى اليوم التالى للهجوم الإسرائيلى بإجراء تفجير نووى، وإعلان نفسها كدولة نووية وفرض هذا الخيار، وثالثها هو توجه إيران نحو تسخين العديد من الجبهات عبر وكلائها.
ثالثا- الواقع الميدانى فى قطاع غزة
رغم كون مقتل السنوار فى عملية جرت بالصدفة وفق التصريحات الإسرائيلية نفسها؛ إلا أن مجموعة من الاعتبارات تكشف أن هذه العملية لن تؤدى إلى تغيرات ميدانية كبيرة أو حتى ما ذهبت إليه بعض التحليلات المتفائلة بأنها قد تمثل نقطة ارتكاز سياسية لإعلان وقف إطلاق النار. وتتجلى أبرز هذه الاعتبارات فى بعض المظاهر، أولها أنه بعد عام على الحرب لا تزال العديد من الجبهات فى قطاع غزة تشهد مواجهات محتدمة بين الجيش الإسرائيلى وبين كتائب القسام، خصوصًا فى جباليا ورفح ومخيم البريج، وثانيها أن حماس سوف تتجه إلى المزيد من اللامركزية على المستوى العسكرى داخل غزة، وثالثها أن إسرائيل بحثت لها عن بنك أهداف جديد فى غزة، ممثلًا بشكل رئيسى فى استمرار العمليات القتالية للقضاء على ما تبقى من كتائب القسام، واغتيال من تبقى من قادة هذه الكتائب، فضلًا عن تنفيذ ما يُعرف بخطة الجنرالات التى تستهدف بشكل رئيسى فرض واقع احتلالى جديد فى شمال القطاع.
رابعا- الحسابات الملتبسة فى الجبهة اللبنانية
شهدت الجبهة اللبنانية خلال الأيام الماضية مسارين متوازيين، الأول هو عودة الحراك السياسى الرامى إلى وقف إطلاق النار فى لبنان، والذى تصفه بعض الدوائر بأنه «مفاوضات تحت النار»، والتى عبر عنها بشكل رئيسى الزيارة الأخيرة التى أجراها المبعوث الأمريكى إلى لبنان آموس هوكستين. وقد كان لافتًا أن العمليات الإسرائيلية الجوية وصلت إلى ذروتها قبيل الزيارة فى مناطق الجنوب والضاحية الجنوبية لبيروت، أما المسار الثانى فقد ارتبط بشكل رئيسى بما يمكن وصفه بحالة التعثر التى تشهدها العمليات البرية الإسرائيلية فى الجنوب اللبنانى.
وبشكل عام، يبدو أن مسار التفاعلات فى الجبهة اللبنانية سوف يكون محكومًا خلال الفترات المقبلة بمجموعة من المحددات الرئيسية، أولها أن طبيعة المخرجات التى سوف تُسفر عنها المباحثات التى يُجريها المبعوث الأمريكى إلى لبنان مع بعض الطيف السياسى، ويبدو أن هذه المباحثات لن تُسفر عن جديد، فى ضوء الرفض من قبل الحزب للشروط التى جاء بها «هوكستين»، وثانيها سوف يرتبط بمدى الفاعلية والتماسك الذى ستُبديه وحدات الحزب العاملة فى الجنوب اللبنانى فى مواجهة محاولات التوغل البرى الإسرائيلى فى الجنوب، وثالثها طبيعة الموقف الداخلى اللبنانى، خصوصًا وأن أحد الأهداف الرئيسية لإسرائيل يتمثل فى السعى لتأليب الرأى العام اللبنانى ضد الحزب وإحداث فتنة داخلية.
خامسا- مآلات مقاربة وحدة الساحات
باستقراء طبيعة التحركات الإسرائيلية فى الآونة الأخيرة، يبدو أن إحدى الأولويات الرئيسية بالنسبة لإسرائيل ليس تفكيك وحدة الساحات على المستوى العسكرى والأمنى فقط، بل اتخاذ هذا المبدأ وسيلة لتحقيق مجموعة من الأهداف والضغط على محور المقاومة، ويُمكن الاستدلال على ذلك من خلال مجموعة من المؤشرات، أولها المباحثات التى جرت بين رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلى الخارجية «الموساد» دافيد برنياع، ونظيره الأمريكى ويليام بيرنز، فى الأسبوع الأول من أكتوبر الجارى، والتى شدد فيها الجانب الإسرائيلى على ضرورة ربط المحادثات مع «حزب الله» و«حماس» لإخراج صفقة شاملة لوقف النار على الجبهتين، ويعنى ذلك عمليًا أن إسرائيل تحاول توظيف ضغوطها على حزب الله ليس لتحقيق أهداف مرتبطة بلبنان فقط، وإنما للوصول لتسوية بخصوص غزة أيضًا، وثانيها أن معالم المقاربة الإسرائيلية للتعامل مع مبدأ «وحدة الساحات» على المستوى العملياتى تقوم على ضرورة رفع التكلفة التى تدفعها كل جبهة نظير الإسناد الذى تقوم به لغزة، وثالثها أن إسرائيل انتقلت مؤخرًا إلى تبنى سردية إعلامية تقوم على الترويج لفكرة أن إسرائيل تخوض حربًا على سبع جبهات، ليس بمنطق الضحية كما كان يحدث فى بادئ الحرب، ولكن بمنطق الترويج لفكرة القوة الإسرائيلية، وأن هذه الحرب هى حرب وجودية. وبشكل عام سوف يشكل مدى الإسناد الذى تقدمه هذه الجبهات لكل من حماس وحزب الله أحد المحددات الرئيسية الحاكمة لمسار التصعيد فى المنطقة.
• • •
إجمالا، يمكن القول إن نتنياهو، نجح عبر فرض خيار الحرب والتصعيد فى المنطقة، فى تسكين الجبهة الداخلية الإسرائيلية، وكذا تقليل مساحات التحرك والخيارات المتاحة أمام المجتمع الدولى والإقليمى الرامى لوقف التصعيد الراهن، ما يجر المنطقة إلى «حافة الهاوية»، ويدفع باتجاه إضفاء المزيد من التعقيدات والحالة الصراعية على التفاعلات التى تشهدها المنطقة.
النص الأصلى:
https://bitly.cx/pP8xR