اتجاهان متناقضان: انقسام إيرانى حول زيارة روحانى إلى اليابان
العالم يفكر
آخر تحديث:
الثلاثاء 24 ديسمبر 2019 - 10:05 م
بتوقيت القاهرة
نشر مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة تقريرا حول زيارة الرئيس الإيرانى «حسن روحانى» إلى اليابان والانقسام الحاصل فى الداخل بين مؤيدى روحانى وتيار المحافظين الأصوليين حول أهداف هذه الزيارة... جاء فيه ما يلى:
على الرغم من أن الزيارة التى قام بها الرئيس الإيرانى حسن روحانى إلى اليابان، فى 20 من ديسمبر الحالى، حازت على قدر من الأهمية، خاصة بعد ظهور تقارير خلال الفترة الماضية تشير إلى أنها قد تمثل فرصة لمواصلة الأخيرة جهود الوساطة بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية ــ فإن هذا الاهتمام تراجع تدريجيا حتى مع إجراء الزيارة نفسها. إذ يمكن القول إن ثمة اعتبارات عديدة وضعت حدودا واضحة لما يمكن أن يسفر عن تلك الزيارة من نتائج، لاسيما على صعيد التوتر القائم حاليا، والمرشح للتصعيد، بين طهران وواشنطن. وبدا لافتا أن الداخل الإيرانى شهد انقساما بارزا حول أهداف الزيارة ونتائجها، لدرجة وصلت إلى حد حرص وسائل الإعلام القريبة من تيار المحافظين الأصوليين على نشر تقارير نسبتها لوسائل إعلام يابانية تشير إلى أن الزيارة لا تعدو كونها خطوة بروتوكولية أو احتفالية إلى حد كبير.
اعتبارات متداخلة:
تواصل الجدل داخل إيران حول الأهداف التى سعى الرئيس حسن روحانى إلى تحقيقها من زيارته إلى اليابان فى 20 ديسمبر الحالى، والنتائج التى أسفرت عنها فى النهاية. وبالطبع، فإن ذلك يعود فى المقام الأول إلى الربط بين الزيارة والتصعيد الحالى مع الولايات المتحدة الأمريكية، بسبب العقوبات التى تفرضها على إيران، والذى دفع دولا عديدة إلى محاولة بذل جهود للتوسط بين الطرفين على غرار اليابان.
وقد برز فى هذا السياق اتجاهان رئيسيان: رأى الاتجاه الأول، المؤيد للرئيس، أن الزيارة تكتسب أهمية خاصة لاعتبارين: أولهما، أنها توجه رسائل عديدة بأن إيران لا تتعرض لعزلة دولية رغم كل المعطيات التى فرضها التصعيد مع الولايات المتحدة الأمريكية فى المنطقة.
وثانيهما، أنها تبقى الباب مفتوحا أمام استمرار جهود الوساطة، على أساس أن الخيار الآخر لا يتوافق مع المصالح الإيرانية، وهو استمرار التصعيد فقط دون أن يكون هناك أفق لما يمكن أن يصل إليه فى النهاية.
ورغم أن هذا الاتجاه يرى أن التصعيد فى المرحلة الحالية يكتسب أهمية خاصة باعتبار أنه يعزز موقع طهران، إلا أنه لا يتبنى سياسة «التصعيد من أجل التصعيد»، وإنما «التصعيد من أجل التفاوض». إذ أن تعزيز موقع إيران، فى رؤيته، يعنى تحسين شروط التفاوض فى النهاية للحصول على أكبر قدر من المكاسب مقابل تقديم أقل مستوى من التنازلات.
سياسة انعزالية:
أما الاتجاه الثانى، القريب من تيار المحافظين الأصوليين والحرس الثورى، فيرى أن الزيارة عديمة الفائدة ولن تفرض نتائج إيجابية على مصالح إيران، وذلك لاعتبارين: أولهما، أنها سوف توجه رسائل سلبية يمكن أن تنتج تداعيات عكسية. إذ إنها، فى رؤيته، تعكس رغبة إيران فى التفاوض، باعتبار أن اليابان كانت إحدى القوى الدولية التى حاولت الانخراط فى هذا المسار بداية من منتصف العام الحالى، وهو ما يمكن أن تعتبره واشنطن، وفقا لرؤيته، علامة ضعف فى موقف إيران قد تدفعها إلى الإصرار على التمسك بسياستها الحالية.
ولا يفصل هذا الاتجاه بين تلك الزيارة وما سبقها من تصريحات حاول من خلالها الرئيس حسن روحانى أن يشير إلى أن التفاوض ما زال قائما فى حالة ما إذا تغيرت السياسة الأمريكية، لاسيما فيما يتعلق بالعقوبات، فى مسعى إلى توجيه رسالة بأن الموقف المبدئى للمرشد الأعلى على خامنئى برفض التفاوض مع واشنطن يمكن أن يشهد تغييرا، أو بمعنى أدق يخضع للتأويل، بما يتوافق مع مصالح وحسابات طهران فى مرحلة معينة.
وقد أشار روحانى، فى 9 ديسمبر الحالى، إلى أن «المفاوضات أمر ضرورى وخطوة ثورية إذا أدت إلى هزيمة العدو وإحباط مخططاته». ويُفهَم من ذلك أن روحانى على الرغم من محاولاته التماهى مع مواقف القوى المتشددة إزاء ما يمكن تسميته بـ«المواجهة مع الخصوم»، إلا أنه ما زال حريصا على تأكيد أن خيار التفاوض لا يمكن استبعاده فى كل الأحوال رغم ما يحدث من تصعيد مع واشنطن التى تواصل فرض عقوبات على طهران.
وثانيهما، أن الأهم من الجهود التى تبذلها الحكومة فى الوقت الحالى من أجل الإبقاء على خيار التفاوض مطروحا، هو إدارة الاقتصاد بشكل يمكن أن يقلص من التداعيات التى تنتجها العقوبات، وهى إشارة لها مغزاها يحاول من خلالها هذا الاتجاه الإيحاء بأن المشكلة لا تكمن فى العقوبات وإنما فى آليات التعامل معها، بما يعنى أنه حريص على تحميل الحكومة المسئولية عن ما آلت إليه الأوضاع الاقتصادية.
وبعبارة أخرى، فإن هذا الاتجاه يتبنى نهجا انعزاليا يقوم على ضرورة الاهتمام بما يحدث فى الداخل دون النظر لما يمكن أن تنتجه سياسات إيران الحالية من تداعيات على صعيد علاقاتها مع القوى الإقليمية والدولية المختلفة.
جدل مستمر:
يبدو أن هذا الجدل سوف يستمر فى المرحلة القادمة. إذ أن اقتراب موعد انتخابات مجلس الشورى الإسلامى (البرلمان) التى سوف تجرى فى 21 فبراير 2020 يزيد من احتمالات إقدام الاتجاه الثانى على مواصلة حملته القوية الحالية ضد الرئيس روحانى وتيار المعتدلين بشكل عام.
وهنا، فإن الهدف الأساسى هو منع المعتدلين من تحقيق نتائج بارزة فى الانتخابات البرلمانية القادمة على نحو يمكن أن يؤدى إلى تكريس سيطرة المحافظين الأصوليين على الدورة القادمة للبرلمان، تمهيدا لتعزيز فرص أحد مرشحيهم فى الوصول إلى منصب الرئيس فى الانتخابات الرئاسية التى سوف تجرى فى منتصف عام 2021.
وقد لا يكون للرئيس حسن روحانى تأثير كبير فى الدفاع عن تيار المعتدلين أو تعزيز فرصه فى الانتخابات القادمة. ففضلا عن أنه لن يترشح فى الانتخابات الرئاسية القادمة، باعتبار أنه تولى منصبه لفترتين، فإنه يتعرض لضغوط فى الوقت الحالى، ليس فقط من جانب خصومه السياسيين، وإنما أيضا من قبل بعض أنصاره الذين صوتوا له فى الانتخابات الرئاسية، بسبب تفاقم الأزمة الاقتصادية التى دفعت الحكومة إلى اتخاذ إجراءات أثارت استياء واضحا فى الشارع، على غرار رفع أسعار الوقود فى 15 نوفمبر الفائت، الذى أدى إلى اندلاع احتجاجات واسعة فى محافظات ومدن قرى مختلفة.
ومن هنا، يتوقع أن يتعرض تيار المعتدلين بشكل عام لضغوط سياسية قوية فى المرحلة القادمة، بهدف تمهيد الطريق أمام عودة المحافظين إلى السيطرة على مجلس الشورى ورئاسة الجمهورية خلال الاستحقاقات السياسية القادمة.
النص الأصلى