دكتور أحمد يوسف أحمد.. بصمة عالم!
أحمد عبدربه
آخر تحديث:
السبت 24 ديسمبر 2022 - 8:05 م
بتوقيت القاهرة
كثيرة هي المؤسسات التي انضممت إليها بحكم العمل والدراسة، لكن تظل جامعة القاهرة، التي أفخر وسأظل بالانتماء إليها كطالب ثم معيد فمدرس، من أهم تلك المؤسسات التي تركت علامة فارقة في حياتي! وكثيرون هم الأساتذة الذين شرفت بالدراسة على يديهم وتحت إشرافهم سواء داخل مصر أو خارجها، لكن يظل د. أحمد يوسف أحمد أحد القلائل الذين تركوا فيّ بصمة وصنعوا لي هوية علمية وبحثية ما زالت أتعلم منها وأستقي منها بُوصلتي.
كنت محظوظا بأنني ربما كنت من آخر الأجيال التي تعلمت العلوم السياسية ومهارات البحث العلمي على يد جيل من العمالقة منهم من ترك عالمنا مثل الدكتور جلال معوض والدكتور سمعان بطرس فرج الله والدكتور محمد السيد سليم رحمة الله عليهم، ومنهم من ما زال يساهم في صناعة عقول جديدة ويساهم في تطوير علم السياسة وغيره من العلوم المتعلقة به، مثل (مع حفظ الألقاب) مصطفى كامل السيد وحسن نافعة وحازم حسني وصفي الدين خربوش ونيفين مسعد وعالية المهدي وجودة عبد الخالق وهالة السعيد ومنى البرادعي ونازلي معوض ونادية مصطفى وحامد عبد الماجد وعلي الدين هلال وحنان قنديل، ومن أجيال أصغر مثل دينا الخواجة ومحمد شوقي وصالح الشيخ وهبة رؤوف وعمرو حمزاوي ومعتز عبد الفتاح ومحمود السعيد وغيرهم الكثيرون مما تعجز هذه المساحة عن ذكرهم وأعتذر مقدما عن ذلك!
لكل الأسماء السابقة وغيرهم ممن لم تتسع لهم مساحة النشر معزة خاصة في قلبي حتى وإن اختلفت مع بعضهم أو بعضهن في بعض المواقف العامة أو الخاصة ليس فقط لأفضالهم وأفضالهن العلمية، ولكن أيضا للكثير من المواقف الإنسانية التي أعتقد أنها تصنع فارقا وتضع بصمة على طريقة تفكير الإنسان وعلى مواقفه في الحياة العامة والخاصة لاحقا!
• • •
لكني اليوم أود أن أعرج قليلا على البصمة الخاصة التي تركها الدكتور أحمد يوسف أحمد في أجيال كثيرة تتلمذت على يده في جامعة القاهرة وفي معهد البحوث والدراسات العربية وفي غيرهما من المؤسسات البحثية داخل وخارج مصر التي ارتبط الدكتور أحمد بها وتمكن من خلالها من صنع أجيال مصرية وعربية من الباحثين وصناع القرار والذين تبوأ الكثير منهم فيما بعد مناصب تنفيذية وتشريعية وإدارية وما زالوا يعلنون بفخر في كل فرصة متاحة عن تلك البصمة الخاصة التي تركها فيهم الدكتور أحمد يوسف وهي ليست فقط بصمة بحثية أو علمية، ولكنها بالإضافة لكل ذلك بصمة إنسانية! والمقصود بالبصمة الإنسانية ليس فقط كرم الأخلاق أو التواضع أو غيرهما من الميزات الشخصية التي يتمتع بها الدكتور أحمد بكل تأكيد، ولكن قبل ذلك بصمة البوصلة السليمة والرأي المستقل وحب الوطن بالمعنى الحقيقي غير المسيس والولاء للفكرة والمشروع لا للأشخاص ولا للمصالح الخاصة، فضلا عن غيرها من البصمات المرتبطة بأمانة البحث العلمي وأمانة الموقف العام وقبل كل هذا وذاك الزهد في المناصب وفي الظهور العام والحرص على أن يكون أي ظهور إعلامي أو منصب ليس محل احتفاء بذاته ولكن كمجرد وسيلة لتحقيق غايات أهم تتعلق بالصالح الأعم!
قد يعتقد البعض ممن لا يعرفون الدكتور أحمد بشكل شخصي أن هذه الكلمات تحمل مبالغات، ولكنى ألتمس لهم العذر لأنهم لم تُتح لهم الفرصة للاحتكاك بالدكتور في قاعات المحاضرات ليعلموا أن هذه الكلمات لا تحمل أي مبالغات وأنها في محلها تماما، ولكن ما سبب هذه السطور ولماذا الآن؟
رغم أنه لا يجب أن تكون هناك أسباب للكتابة عن من نحبهم أو من نحمل لهم الود والتقدير لدورهم في حياتنا وفي حياة الكثيرين غيرنا، ورغم أن هذا النوع من الكتابة يجب أن يكون بشكل دوري لأنه في حد ذاته يحمل قيما مهمة لا بد من نقلها للأجيال الأصغر لتعريفهم بأن هناك طرقا كثيرة مهمة للترقي في الحياة الشخصية والمهنية بعيدا عن النفاق والتزلف وأن هناك نماذج حقيقية للتفاني والإخلاص لمعانٍ وقيم عليا تتجاوز المصالح الضيقة للبشر، إلا أنه علىّ الاعتراف بأن هذا التوقيت تحديدا مقصود وذلك بسبب موقف غير مبرر اتخذته مؤخرا إدارة جامعة القاهرة التي أفني فيها الدكتور أحمد يوسف حياته والتي لم يدخر عنها أي جهد سواء في تولي بعض المناصب القيادية التي طُلب منه فيها أن يتولاها في ظروف صعبة أو انتقالية أو في تقديم الاستشارات والآراء للارتقاء بمستوي الجامعة البحثي والتدريسي ودورها في دعم المجتمع والبيئة المحيطة، أو في دوره التربوي والبحثي الذي قام من خلالها ببناء أجيال من خريجي الجامعة من طلاب وطالبات يشار للكثير منهم ومنهن بالبنان!
هذا الموقف غير المبرر كان مرتبطا بتكريم نظمته جامعة القاهرة احتفالا بعيد العلم لـ ١٤٠ باحثا وعالما ووزيرا من خريجي كليات الجامعة المختلفة ممن تلقوا جوائز الدولة والجامعة خلال عامي ٢٠٢٠ و٢٠٢١ وذلك يوم الثلاثاء الماضي، وهو الخبر الذي أعلنته الكثير من الصحف والمواقع الإلكترونية المصرية!
ولما كان الدكتور أحمد حصل على جائزة الدولة التقديرية العام الماضي، فقد كان اسمه ضمن المدعوين، وتوقعت ومعي كثيرون أنه سيكون متواجدا في التكريم، ولكني انشغلت ببعض الأمور الخاصة وفهمت لاحقا من إحدى صديقاتي أنه لم يحضر، فكان التساؤل الطبيعي إن كان مانع الحضور خيرا! اطمأننت أن الدكتور أحمد بخير وبصحة جيدة ولكنه لم يعتذر بل وفي مكالمة تليفونية معه رغبة مني في معرفة ملابسات ما حدث فقد شرح لي ما يثبت أن ما حدث كان متعمدا وبالدليل، فمنذ يوم ١٠ نوفمبر الماضي كان في تواصل مع مكتب نائب مدير الجامعة وحصل من المكتب على كل الاستمارات الواجب ملئها للحفل وقد اطلعت عليها بالفعل، ثم أرسل لي الدكتور أحمد ما يفيد دعوته رسميا يوم الخميس الماضي ١٥ ديسمبر للحفل ثم أرسل لي ما يفيد الاعتذار له رسميا يوم السبت ١٧ ديسمبر تحت دعوى أن الحفل ليس يوم الثلاثاء وأنه انتقل إلى يوم آخر!
وقطعا لم يكن هذا صحيحا لأن الحفل بالفعل تم يوم ٢٠ ديسمبر وبدون حضور دكتور أحمد لأنه ببساطة تم الكذب عليه من الموظفة المسئولة وأغلب الظن أن هذا لم يتم بتدبير منها لأنها في حدود علمي ليست صاحبة قرار، ولكن من وراء هذا التصرف غير المسئول؟ وإذا كانت الدولة نفسها اعترفت باستحقاق الدكتور أحمد للتكريم فمن من حقه في جامعة القاهرة أيا كان منصبه أن يحرم عالما مثله من تكريم مستحق، بل وبهذه الطريقة الملتوية؟ وهل يعلم الدكتور عثمان الخشت رئيس الجامعة والسيد وزير التعليم العالي بهذه المهازل أم لا؟
قد يعتقد البعض أن هذا أمر داخلي خاص بالجامعة، ولكن هذا غير دقيق، أولا لأننا هنا نتحدث عن تكريم علماء حصلوا بالفعل على جوائز الدولة من ناحية، ومن ناحية ثانية لأننا بصدد الحديث عن عيد العلم والذي من المفترض أنه ليس مجرد احتفال يتم في يوم وينتهي، ولكنه سياسة تحافظ على العلماء وتدعمهم معنويا وأدبيا قبل ماديا ولا يجوز أبدا أن يتدخل صغار الفكر أو العقل ويفسدون مبدأ تكريم العلماء بهذه التصرفات غير المسئولة ولأهداف قد تكون شخصية!
• • •
لا أكتب هذه المقالة لأقول كرموا د. أحمد يوسف، لأنه بالفعل قد حصل على تكريم الدولة، ولأنه واقعيا أكبر بكثير من أن يطلب أحد تلامذته له تكريما، وبالتالي فهذا المقال ليس مناجاة أو شكوى، ولكنه طلب مستحق للسيد الدكتور رئيس جامعة القاهرة والسيد وزير التعليم العالي لكي يقدموا توضيحا بعيدا عن أي مبررات غير منطقية أو تحجج بأمور روتينية عن السبب الحقيقي وراء استبعاد دكتور أحمد يوسف بهذا الأسلوب الذي لا يليق بالجامعة وتقديم الاعتذار الواجب عما حدث، وأيا كان الأمر، فأتوجه بالشكر للسيد غير المسئول الذي أقدم على هذه المهزلة لأنه أعطاني وغيري من تلاميذ الدكتور أحمد يوسف فرصة للتعبير عن مقدار بسيط من امتناننا لدوره في حياتنا وبصمته في مسيرتنا!
أستاذ مساعد للعلاقات الدولية- جامعة دنفر