جمعية الصعيد
نبيل الهادي
آخر تحديث:
الثلاثاء 24 ديسمبر 2024 - 6:35 م
بتوقيت القاهرة
صادفتنى صور للوحات منسوجة على الإنترنت، منها ما يحكى قصة أبوزيد الهلالى سلامة، ومنها لوحات أخرى عن الريف المصرى. سألت صديقى الباحث البيئى الصعيدى عن المكان الذى يمكن أن عثر فيه على تلك اللوحات، بعد زيارة قصيرة لمحل فى سوق الفسطاط، ذهبت إلى المقر الرئيسى لجمعية تنمية الصعيد فى أحد شوارع حى الظاهر. بعد انتظار المسئولة عن اللوحات دخلت للغرفة التى تتكدس فيها العشرات من المشغولات اليدوية على أيدى فنانات من مناطق مختلفة فى الصعيد.
ما أعجبنى للغاية ليس فقط جودة الأعمال المعروضة، لكن كون كل عمل تصاحبه صورة للفنانة ونبذة عنها. عرفت أن بعض الفنانات تم تكريمهن من أعلى المستويات فى البلاد العربية. كما أسعدنى كثيرًا ما أخبرتنى به المسئولة عن سعادة كل فنانة عندما عرفت أن لوحة لها قد تم بيعها، وسألوها عن رد فعل المشترين. يقومون فى الجمعية كل فترة بأخذ هؤلاء الفنانات فى رحلات لمناطق مختلفة فى مصر لإغناء ذاكرتهم البصرية، لكنهم يتركون لهؤلاء الفنانات طريقة التعبير والألوان وموضوع اللوحات. اخترت لابنتى لوحة عن الريف وبرج الحمام، وتمنيت أن تساعدها فى أن تحكى من خلالها قصة عن الريف المصرى لصغيرتها ذات السنوات الثلاث.
هناك تأثير كبير - بالطبع - للطبيعة الريفية القريبة من النيل والمليئة بالحياة التى يسيطر عليها إيقاعات الطبيعة والكائنات الحية من حيوانات وطيور وخيرات الزراعة وألوان الأشجار والنخيل ومواسم الزراعة والحصاد. هذه الطبيعة التى تتناقض بصورة حادة مع الصحراء القريبة، والتى تكاد تخلو من الحياة. ويظهر تجلى هذه الحياة الغنية للريف فى الألوان الواضحة التى تستخدمها الفنانات.
اخترت لابنتى الأخرى لوحة صغيرة لشجرة. وأخبرتنى المسئولة فى الجمعية بأنها لوحة خاصة، لأنها كانت آخر ما أنتجته هذه الفنانة الصعيدية قبل أن تصبح غير قادرة على مواصلة هذا الإبداع. عندما أخبرت ابنتى بذلك زاد انبهارها بهذا العمل الصغير حجمًا والقيم للغاية.
فكرت - قبل زيارتى للولايات المتحدة - أن هذا هو المكان المناسب (جمعية تنمية الصعيد) لشراء هدية لزميلى الأستاذ الأمريكى، واخترت لوحة للريف المصرى يلعب فيها الماء دورًا رئيسيًا. حازت اللوحة على إعجاب شديد من مضيفى الأستاذ الأمريكى، وكانت هذه اللوحة مميزة موضوعًا وتعبيرًا، لأنه كتب عن الماء والعمران.
عرفت أحد أصدقائى بالمكان وذهبنا معًا واختار مجموعة من اللوحات هدية لأقربائه فى خارج مصر. بعد زيارتنا قال لى: لماذا لا يعرضون تلك الأعمال خارج مصر لتدر عليهم أموالًا أكثر بكثير؟ ورغم ما فى كلامه من منطق خاصة أن جودة العديد من الأعمال -لا شك- ستدر أموالًا أكثر إلا أننى رددت فورًا أن ذلك سيحرم أناسًا مثلى من اقتناء تلك الأعمال والتمتع بها، مثلما حدث مع سجاد الحرانية الذى لا يستطيع الكثير اقتناءه لارتفاع أسعاره لمستويات لا يقدر عليها إلا القليل. وتابعت الحديث قائلا، وإن بدا ذلك معقولا إلا أن حرماننا من هذا الفن يشكل مشكلة كبيرة على ما أظن.
لا أعرف عن باقى أنشطة الجمعية، لكنى أعتقد أن الاهتمام بهذا الفن الفطرى يمثل دليلًا على شمول نهج تلك الجمعية. كما أنه يمثل دعوة لدراسة أكثر عمقًا لمعنى الفن فى تلك المناطق المحرومة، وكيف يمكنه أن يثير نقاشًا مجتمعيًا حول الفن وموضوعاته فى بيئتنا المحلية، إضافة إلى طرح قضايا وتحديات عديدة. مثل هذا النقاش ليس فقط ضروريًا لهذه المجتمعات بل أيضًا ضروريًا لباقى المصريات والمصريين. وهو نقاش عن مصادر الإلهام لهذا الفن الرائع وما يواجهه حاليًا من تغيير كبير وتدهور يهدد تلك البيئات المحلية الجميلة.
كم أود شخصيًا أن أستمع لبعض هؤلاء الفنانات، خاصة ملاحظاتهن التى أتوقع أن تكون كاشفة عن التغيير الحادث فى تلك البيئات. أتمنى أيضًا أن أستمع إلى أحلامهن وطموحاتهن لمستقبل أطفالهن.
من المهم التعرف على قصة هذه الجمعية والتعلم منها، إننى مستمتع للغاية بهذا النتاج المعاصر وأتطلع بشغف لمعرفة خططهم المستقبلية، وكيف يمكن لهذه الأنشطة الرائعة المساهمة بقدرة كبيرة فى التحول المتجدد الذى يستهدف الحياة الطيبة للمصريات والمصريين بدءًا من الريف؟