سوريا وتحديات الحاضر وغموض المستقبل

رخا أحمد حسن
رخا أحمد حسن

آخر تحديث: الثلاثاء 24 ديسمبر 2024 - 6:30 م بتوقيت القاهرة

تمر سوريا حاليا، وبعد سقوط نظام الأسد وتولى الفصائل المسلحة السلطة بقيادة هيئة تحرير الشام وزعيمها أحمد الشرع (أبو محمد الجولانى)، بمرحلة سيولة شديدة فى مختلف الأقاليم والمحافظات السورية. ورغم قرار السلطة السورية الجديدة استمرار أجهزة الدولة العميقة فى أداء أعمالها المعتادة، والعمل على عودة الحياة العامة للناس إلى حالتها الطبيعية، إلا أن ذلك كله مشوب بمزيج من الفرحة لدى الأغلبية لسقوط النظام الديكتاتورى المستبد، وخوف وقلق مما قد تؤول إليه الأوضاع العامة فى ظل عدم مشاركة كل قوى المعارضة والمجتمع الرئيسية فى الحكومة المؤقتة، وتدهور الأوضاع الاقتصادية والمرافق والخدمات وحالة الدمار الذى يحتاج استقرارا وأموالا ووقتا لإعادة تأهيل الدولة السورية.

هذا إلى جانب انهيار الجيش السورى وتوغل القوات المسلحة التركية والإسرائيلية فى الأراضى السورية، مع وجود قواعد عسكرية روسية وأمريكية، وبقايا نفوذ إيرانى اقتصادى وتجارى وثقافى.

وتوجد، فى المقابل، رغبة إقليمية ودولية للتعاون مع السلطة الجديدة فى سوريا، ولكن وفق متطلبات أساسية عبرت عنها كل هذه الأطراف التى رحبت بأقوال قيادات هيئة تحرير الشام، وعلى رأسهم رجلهم القوى أحمد الشرع الذى أكد على أنه لا حجج لأى تدخل أجنبى فى سوريا بعد خروج الإيرانيين وأن ما حدث فى سوريا انتصار على النظام الإيرانى الخطر على المنطقة، وأن ما حدث فى سوريا جرى التخطيط له لسنوات، وأن الروس ملوا من نظام الأسد المتهالك، ولديهم فرصة لبناء علاقة جديدة مع سوريا. وأوضح أنه ليس من المفترض قيادة الدولة بعقلية الثورة، فثمة حاجة إلى قانون ودولة مؤسسات، ولديهم خطط لعلاج كل أزمات سوريا، وأنهم سيطروا على مدن كبيرة دون أن ينزح منها أحد.

• • •

وقد طلب أحمد الشرع من المبعوث الأممى بيدرسون إجراء تعديلات على قرار مجلس الأمن 2254 بشأن تسوية الأزمة السورية حتى يمكن تطبيقه، نظرا لتغير الظروف بسقوط النظام السورى، ولأن القرار يستبعد المنظمات المصنفة إرهابية من قوى المعارضة السورية ومنها هيئة تحرير الشام وتنظيم القاعدة وداعش. ولا ينتظر الاستجابة لهذا المطلب إلا بعد أن تتحول أقوال السلطة الجديدة فى سوريا إلى أفعال بإشراك قوى المعارضة الأخرى والمرأة والشباب فى الحكومة الانتقالية التى تتولى الإعداد لإصدار دستور جديد وإجراء استفتاء عام عليه، وقانون الانتخابات وتحديد فترة زمنية محددة لإجراء الانتخابات لا تتجاوز المدة المحددة فى قرار مجلس الأمن وهى 18 شهرا من تولى الحكومة الائتلافية الانتقالية السلطة.

اتفق بيدرسون مع مطلب الشرع بضرورة وأهمية رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا، لمساعدتها فى مواجهة الأوضاع الاقتصادية البالغة الصعوبة واللاجئين السوريين الراغبين فى العودة إلى بلدهم. وقد شدد بيدرسون على الحاجة إلى انتقال سياسى شامل ذى مصداقية بقيادة وملكية سورية مبنى على المبادئ الواردة فى قرار مجلس الأمن 2254. وباستثناء التعديل الذى طلبه الشرع، فإن هذا القرار يتضمن الخطوط العريضة للتسوية السياسية للأزمة السورية وعمليات إعادة الإعمار والعودة الطوعية الآمنة للاجئين السوريين. وقد طلبت السلطة السورية الجديدة عودة كل من يرغب من اللاجئين السوريين. ولكن الأمم المتحدة ومنظمات المجتمع المدنى طلبت التريث فى عودتهم وعدم ممارسة أية ضغوط عليهم من الدول الموجودين فيها، لأن الكثير من المناطق التى سيعودون إليها مدمرة مساكنها ومرافقها العامة وتحتاج إلى تمويل لإعادة إعمارها، ووجود ألغام وقنابل لم تنفجر فى بعض المبانى والأماكن تمثل خطورة على العائدين ويتعين إزالتها لتأمينهم.

• • •

تعهد أحمد الشرع بحل الفصائل المسلحة وانخراط مقاتليها فى الجيش السورى الجديد، وتهيئة المقاتلين للانضمام تحت لواء وزارة الدفاع، وسيخضع الجميع للقانون، وأنه لن تكون فى سوريا محاصصة، فلا توجد خصوصية لانفصال أى جزء من سوريا (يشير إلى مطالب الأكراد بادرة). وقد أثار الخبراء العسكريون السوريون بعض الأسئلة حول العقيدة العسكرية التى يمكن أن تجمع بين فصائل دينية متطرفة وأخرى مدنية، وثالثة عسكرية منشقة عن الجيش السورى، وما هو الفصيل الذى ستكون له القيادة العامة للجيش ووزارة الدفاع. وهل ستتمكن الفصائل التى كان بعضها يحارب البعض الآخر أن تتصالح وتتراضى عندما تهيأ الأمور ويبدأ التنازع على السلطة والمناصب. وكيف سيكون موقف الجيش الجديد من الاحتلال التركى لشمال سوريا، وتركيا هى التى أعدت وساندت الفصائل المسلحة لإسقاط النظام السورى، وهى مدينة بالفضل لها، وتركيا لها الآن وفى المستقبل المنظور دور متقدم ومسيطر فى الشأن السورى.

• • •

عقد مجلس الأمن الدولى جلسة خاصة فى 17/12/2024 لاستعراض ومناقشة الأوضاع فى سوريا، وكان من بين المتحدثين رئيس هيئة المفاوضات السورية المعارضة لنظام الأسد، وبعد تأييده للحكومة المؤقتة التى اختارتها هيئة تحرير الشام، لخص مطالب المعارضة فى الحقوق والواجبات بعيدا عن التدخلات الخارجية، وأن تكون لها علاقات متوازنة مع جيرانها، وأنه آن الأوان لرفع العقوبات عن سوريا، وزيادة الدعم الإغاثى. وطالب بتشكيل حكومة انتقالية وطنية شاملة لجميع أطياف الشعب السوري، وعقد مؤتمر وطنى شامل لاختيار جمعية تأسيسية من الخبراء والعلماء والسياسيين والنساء والشباب لوضع دستور جديد يعبر عن تطلعات الشعب السورى، وطرحه للاستفتاء، والإعداد لانتخابات حرة ونزيهة تحت إشراف الأمم المتحدة. واقترح إنشاء عدة صناديق لدعم المعتقلين المفرج عنهم، وأسر شهداء الثورة، وإعادة المنشقين والمفصولين إلى وظائفهم وصرف مستحقاتهم المالية، وصندوق لدعم اللاجئين والمهجرين الراغبين فى العودة لتأمين احتياجاتهم. وهذه المطالب مرهونة باستجابة النظام الجديد ورغبته فى التعاون مع هذه المنصات من المعارضة المدنية لنظام الأسد.

جاء فى البيان الصحفى الذى أصدره مجلس الأمن دعم جهود المبعوث الأممى لسوريا فى تسيير العملية السياسية بقيادة وملكية سورية، وضرورة تلبية التطلعات المشروعة لجميع السوريين، والالتزام بسيادة واستقلال ووحدة سوريا وسلامتها الإقليمية، وعدم تدخل سوريا أو جيرانها فى شئون الآخر، وأهمية مكافحة الإرهاب فى سوريا بموجب قرارات مجلس الأمن، ومنع تنظيم داعش وغيره من الجماعات الإرهابية من إعادة بناء قدراتهم وحرمانهم من الملاذ الآمن فى سوريا، واحترام سوريا قرارات مجلس الأمن بشأن الأسلحة غير التقليدية، واحترام حقوق الإنسان والقانون الدولى الإنسانى، والدعم الدولى الإنسانى للمحتاجين فى سوريا، ودعم قوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك (بين سوريا وإسرائيل) والتزام الأطراف بكل مبادئ وبنود فض الاشتباك (بين سوريا وإسرائيل عام 1974)، واحترام حرمة المبانى والموظفين الدبلوماسيين والقنصليين وفقا للقانون الدولى (إشارة إلى الاعتداء الذى تعرضت له سفارة إيران فى دمشق عقب سقوط نظام الأسد).

• • •

يلاحظ الترحيب الغربى والأمريكى بالتغيير الذى حدث فى سوريا لأنه حقق ما كانوا يعملون من أجله على مدى 14 عاما لإسقاط نظام الأسد، وقد تحقق، وتوافد على دمشق كبار المسئولين الغربيين والأمريكيين والمبعوثين لإظهار التأييد من ناحية، ومعرفة ما ستئول إليه الأمور على ضوء تصدر هيئة تحرير الشام المشهد، وهى مصنفة لديهم منظمة إرهابية. وهل ستقيم فى سوريا دولة إسلامية متشددة، أم دولة مدنية ديمقراطية تشمل الجميع. وقد تلقوا تأكيدات وتطمينات من قائد الفصائل المسلحة وزعيم الهيئة، ووعودا بأن النظام السورى الجديد لن يستبعد أيا من الطوائف والأطياف السياسية السورية. ولكنهم فى انتظار الأفعال لا الأقوال، والوقت يمضى سريعاً لمدة الحكومة المؤقتة التى تنتهى فى أول مارس 2025، دون بدء مشاورات تشكيل حكومة انتقالية، وجمعية تأسيسية لإعداد الدستور، والاستعداد للانتخابات.

الحقيقة أن الأوضاع فى سوريا معقدة للغاية، من غياب جيش وقوات أمن فعالة تضمن الأمن والاستقرار للجميع بعد أن تنتهى مظاهر الفرحة الشعبية بسقوط نظام الأسد، وتبدأ كل طائفة سورية التفكير فى أوضاعها وعلاقتها بالسلطة الجديدة. وماذا ستكون عليه أوضاع الدول التى تحتل أراضى سوريا، تركيا فى الشمال، وإسرائيل فى الجنوب، والولايات المتحدة فى الشرق، والقواعد الروسية فى منطقة الساحل؟ وعمليات إعادة الإعمار وعودة النازحين واللاجئين السوريين وما يتطلبه ذلك من دعم ومساعدات ومساهمات خارجية ضخمة، التى لو طال انتظارها فقد يؤدى ذلك إلى احتقان شديد  ونزاعات  مسلحة، وعدم استقرار يفسد الفرحة بإسقاط نظام بشار الأسد، ويدخل سوريا فى دائرة صراع جهنمية.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved