عن أشكال العبودية الجديدة

العالم يفكر
العالم يفكر

آخر تحديث: الأربعاء 25 يناير 2017 - 9:00 م بتوقيت القاهرة

نشرت صحيفة الخليج الإماراتية مقالا لـ«عبدالحسين شعبان» ــ الكاتب والمفكر العراقى ــ حول الأنماط والأشكال الجديدة التى باتت تتخذها العبودية، رغم اندثار أشكالها التقليدية بشكل كبير.

يستهل الكاتب مقاله بالإشارة إلى أنه إذا كان المجتمع الدولى قد اتجه فى القرنين الماضيين لإلغاء العبودية، فإن ثمة أشكالا جديدة أخذت بالظهور بالتوازى مع موجة التعصب، والتطرف، والإرهاب، التى ضربت العالم فى العقود الثلاثة الماضية، والتى اتخذت شكلا تكفيريا وتدميريا، بل وإباديا فى السنوات الأخيرة، لا سيما بعد ظهور تنظيم «القاعدة»، وربيبه تنظيم «داعش» فى العراق والشام.

وفى ظل العولمة، وبفعل التطور العلمى والتقنى، خصوصا فى تكنولوجيا الإعلام، والمعلومات والاتصال والمواصلات والطفرة الرقمية «الديجيتال»، فإن ظاهرة العبودية بشكلها القديم الذى أخذ العالم كله يتبرأ منها، ويسن القوانين لمكافحتها، بدأت بالظهور عبر أشكال جديدة، مثل الاتجار بالبشر، وتجارة المخدرات، وتجارة السلاح، وتبييض الأموال، والاتجار بالأعضاء البشرية، أو غيرها من أنواع التجارة التى تلحق ضررا بليغا بالإنسان، وكرامته وآدميته.

وإذا كانت العبودية بشكلها القديم مظهرا مستهجنا فى عالمنا المعاصر، لدرجة أنه كاد ينقرض، فإن ظهورها بحلة جديدة ليس أمرا لا أخلاقيا ولا إنسانيا، فحسب، بل إن ضرره، وخطره على المجتمع ككل، أصبحا أشد بأسا بما لا يقاس، فضلا، عن أنه جريمة دولية بحق الإنسانية، خصوصا حين يتعلق الموضوع باستعباد فئات، أو مجاميع بشرية، أو أشخاص من خلال قيود وإجراءات من شأنها التحكم فيهم، وإخضاعهم لظروف وأوضاع تكاد تقترب من سلب حريتهم، بتوظيفهم واستغلالهم بما يعود بالنفع المادى على الجهات التى تستخدمهم.

يقول «شعبان» إن مناسبة هذا الحديث، تتمثل فى ندوة مهمة قام بتنظيمها مركز جامعة الدول العربية فى تونس، بمناسبة مرور 170 عاما على إصدار أمر المشير أحمد باى والذى يقضى بـ«إلغاء الرق وعتق العبيد» فى عام 1846، وإذا كان هذا القرار المتقدم يأتى من دولة صغيرة قياسا بجيرانها من جنوب وشمال البحر المتوسط، إلا أنها كبيرة بما قدمته للبشرية فى السابق والحاضر بريادتها وحجم تأثيرها.

***

من ناحية أخرى فإن أشكال العبودية الجديدة التى يواجهها العالم تحتاج إلى بحث معمق للظاهرة من جميع جوانبها المختلفة، التاريخية والقانونية والفكرية والثقافية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والدينية وغيرها، حيث لا يزال هناك نحو 45 مليون إنسان تشملهم ظاهرة الاتجار بالبشر. وقد ساهمت الحروب والنزاعات الأهلية، إضافة إلى ظواهر الإرهاب والعنف والهجرات والنزوح، وتمزق الروابط الاجتماعية والعائلية، فى تعريض الملايين من النساء والأطفال للابتزاز، والاغتصاب، وتجارة الجنس، والمخدرات وتبييض الأموال، وتجارة السلاح وغيرها، وجميعها تشكل انتهاكات سافرة لحقوق الإنسان وكرامته.

وقد أقدم «داعش» على عمليات استرقاق جديدة، وعبودية مستحدثة، لا سيما إزاء اتباع الأديان الأخرى، من المسيحيين والإيزيديين والصابئة المندائيين، حين اشترط عليهم الدخول فى الإسلام على طريقته، أو بدفع الجزية أو الرحيل، وإلا فإن القبور سوف تنتظر الرجال، ويكون مصير النساء السبى والبيع فى سوق النخاسة، وهو ما حصل لمئات النساء الإيزيديات بعد احتلال «داعش» للموصل فى 10 يونيو 2014.

وقد سلطت الندوة الضوء على موضوع التعامل مع الرق والعبيد فى الحضارة العربية ــ الإسلامية، وعلى الرغم من عدم وجود نص تحريمى فى ذلك الزمان، فإن الإسلام قد دعا منذ وقت مبكر إلى «معاملة الأسرى والعبيد معاملة حسنة والرفق بهم»، ونهى الرسول محمد ــ صلى الله عليه وسلم ــ عن تسميتهم بالعبيد، خصوصا أن الإسلام ساوى بين البشر فى الكرامة الإنسانية، وكان النبى، يشجع على عتقهم. وبهذه المناسبة نستذكر عمر بن الخطاب الذى قال: «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا»، وهو نص قد ورد ما يشابهه فى الإعلان العالمى لحقوق الإنسان الصادر عام 1948، والذى جاء فى مادته الأولى: «يولد جميع الناس أحرارا ومتساوين فى الكرامة والحقوق...».

وبالتدرج، وبحكم قوانين التطور وتوقيع العديد من البلدان العربية على الاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، فإن دساتيرها وقوانينها أخذت تنحو منحى تحريم تجارة العبيد، بل والمساءلة على من يقوم بها، وقد يكون مناسبا ليس فقط التوقيع على الاتفاقيات الدولية ذات الصلة فى هذا المجال، بل تغليظ العقوبات لمن يرتكب جريمة الاتجار بالبشر، بمختلف أشكالها وفروعها.

***

يختتم الكاتب بأنه إذا كانت العبودية بشكلها القديم قد انتهت ولم يعد لها وجود فى عالمنا، فإن الأشكال الجديدة من الاستعباد تشكل خطرا حقيقيا على الإنسانية جمعاء، وهى تمثل انتهاكا صارخا لقواعد القانون الدولى والقانون الإنسانى الدولى، وللاتفاقيات والمعاهدات الدولية وللشرعية الدولية لحقوق الإنسان، وأخيرا فإنه لابد من التعاون على المستوى الدولى لوضع حد لهذه الظاهرة المشينة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved