الداخلية وريجينى و«اللبس فى الحيط»
عماد الدين حسين
آخر تحديث:
الجمعة 25 مارس 2016 - 9:50 م
بتوقيت القاهرة
سواء كانت رواية وزارة الداخلية عن حادث مقتل باحث الدكتوراه الإيطالى جوليو ريجينى صحيحة أم خاطئة، فقد حان وقت إعادة النظر فى كل أساليب وعمل وزارة الداخلية شكلا ومضمونا، لأننا بهذه الطريقة سوف «نلبس فى الحيط» إن آجلا أو عاجلا لا قدر الله.
سيقول البعض ويسأل: «كيف تقول ذلك والوزارة أعلنت مساء الخميس الماضى، أنها قتلت تشكيلا عصابيا من خمسة أفراد، قالت إنه تخصص فى سرقة الأجانب وقتلهم، وعثرت فى شقة أحدهم على جواز سفر ريجينى وبقية متعلقاته؟!!».
والإجابة هى أنه وحتى اذا كانت رواية الوزارة صحيحة فإن طريقة تعاملها مع هذه القضية منذ بدايتها تثير العديد من الألغاز وتجعل الجميع يتهمها حتى لو كانت بريئة.
من حق الشرطة أن تسأل: لماذا يسارع الجميع إلى اتهامنا حتى قبل أن يعرفوا الحقيقة النهائية؟، والإجابة ببساطة هى الأسلوب وطريقة التفكير والمنهج والذهنية.
كتبت قبل ذلك وأكرر اليوم أننى أتمنى من كل قلبى أن تصدق روايات وزارة الداخلية عن الحادث، ولا تكون متورطة من قريب أو من بعيد، لأن حدوث ذلك يعنى أن هناك كارثة أكبر من كل شىء، وأن هناك من يتآمر على الدولة من أطراف يفترض أنها أول من يحمى أمن هذه الدولة.
لو نتذكر وقائع القضية، وفى اليوم الذى تم فيه العثور على جثة ريجينى على طريق مصر ــ الإسكندرية الصحراوى اول فبراير الماضى خلال زيارة وفد اقتصادى ايطالى كبير، خرجت أول تسريبة تقول إن الشاب الإيطالى قتل فى حادث سير عادى.
لكن آثار التعذيب البشع على جثمانه، والعثور عليه فى حفرة بعيدة عن الطريق، نفى هذه الرواية جملة وتفصيلا.
الرواية الثانية أن هناك علاقات نسائية متعددة لريجينى كانت السبب فى مقتله، فيما يشبه قضية الشرف، وسمعت شخصيا روايات عديدة من مصادر متعددة ومطلعة فى هذا الصدد. لكن بيان الداخلية الأخير ينسف هذه الفرضية تماما.
الرواية الثالثة أن خلافات بين ريجينى وأجانب آخرين سواء كانوا إيطاليين أو بريطانيين كانت السبب فى مقتله.
رأينا الشاهد الذى قال للنيابة إنه شاهد ريجينى يتشاجر مع أجنبى آخر أمام القنصلية الإىطالية يوم ٢٤ يناير أى قبل اختفائه بيوم واحد، ثم تبين أن الشاهد كاذب ولم يكن موجودا فى هذا المكان فى هذا اليوم.
الرواية الرابعة: أن أجهزة مخابرات أجنبية ربما هى التى قتلت الشاب الإيطالى، لأسباب غامضة، قيل فى بعضها إن ريجينى كان عميلا لاحد اجهزة المخابرات العالمية الكبرى.
كل هذه الروايات انتهت مع صدور بيان وزارة الداخلية الأخير مساء الخميس الماضى.
وقبل هذه الروايات فإن الذى وصل إلى الناس هو أن هناك جهة ما تؤلف أو تخترع أو تفبرك سيناريوهات متعددة ومتوالية بشأن حقيقة الجريمة وكيف وقعت ومن الذى فعلها.
مرة أخرى لا أعرف حقيقة ما حدث، ولا أستطيع أن أتهم أحدا أو جهة من دون دليل قاطع.
لن أتحدث فى الجوهر والمضمون، لكن فى الشكل والأداء والإخراج، ولذلك فإن الطريقة التى تصرفت بها وزارة الداخلية منذ وقوع الجريمة وحتى بيانها الأخير تطرح المئات من علامات الاستفهام.
تحتاج وزارة الداخلية بوضوح شديد إلى تغيير كل شىء داخلها من أول طريقة تعاملها مع الناس ونهاية بعقيدتها المهنية.
تحتاج الشرطة إلى الإدراك أن زمن تويتر وفيس بوك والمواقع الإلكترونية واليوتيوب والاتصالات المجانية الدولية، قد قضت وإلى الأبد تقريبا على فكرة احتكار دولة أو حزب أو جماعة أو جهة للحقيقة المطلقة أو القدرة على التحكم فى المعلومات.
بعد دقائق من بيان الداخلية ليلة الخميس كانت الانتقادات الجادة والهازلة تجتاح مواقع التواصل الاجتماعى وتناقش البيان من كل تفاصيله.
ونتيجة للارث السيئ للشرطة فقد وصل غالبية المعلقين إلى نتيجة نهائية هى ان بيان الوزارة ليس فقط مفبركا، بل إن الفبركة رديئة ولا تنطلى على تلميذ فى أولى ابتدائى.
على وزارة الداخلية إدراك أن الدنيا تغيرت فى كل شىء تقريبا، وبالتالى وجب عليها هى أيضا أن تتغير.